الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لبنان بين انفجارين.. هل انتهت حقبة ما بعد اغتيال الحريري؟ 

لبنان بين انفجارين.. هل انتهت حقبة ما بعد اغتيال الحريري؟ 

13.08.2020
هشام أسكيف


       
نداء سوريا 
الاربعاء 12/8/2020 
عصر 14 شباط عام 2005 هزَّ بيروت انفجار ضخم غيّر وجه المنطقة، بعملية أمنية معقدة اغتيل على إثرها الرئيس رفيق الحريري، هذا الاغتيال كان منعطفاً أسَّسَ لعصر حزب الله وإيران في لبنان وسوريا تحت قيادة مباشرة من قاسم سليماني -الحاكم الفعلي باسم الخميني في المنطقة-، وحوَّل لبنان عاصمة النور في المشرق إلى قاعدة انطلاق لمشروع إيران الظلامي المعروف بالهلال الشيعي، لقد كان اغتيال الرئيس رفيق الحريري قراراً إيرانياً محضاً بموافقة نظام الأسد وتنفيذ حزب الله، ومن جهةٍ أخرى جاءت عملية الاغتيال في ظل ضغوطات الحد الأقصى على النظام السوري آنذاك لكي يسحب قواته من لبنان؛ إذ إنَّ نظام الأسد يعلم أنه في لحظة ما سيجبر على مغادرة لبنان مرغماً، وقد أكمل حزب الله سيطرته التامة على بيروت ولبنان في انقلاب 7 أيار 2008 ليخرج لبنان من تحت الوصاية الأمنية للنظام السوري ويدخل تحت الحكم المباشر من إيران وحزب الله بزعامة قاسم سليماني كما في سوريا. 
مساء 4 آب ضربت ميناء بيروت انفجارات عنيفة، كأنها قنبلة نووية بحيث أتت على أكثر من ثلث بيروت، وذهب ضحيتها المئات بين قتيل وجريح ومفقود، حدث الانفجار ولبنان يعيش أكبر أزمة وجودية في تاريخه، اقتصادياً وسياسياً فالعقوبات المشددة على حزب الله بكونه أكبر الداعمين للنظام السوري، وفق قانون "قيصر"، ترافقت مع ارتفاع جنوني للدولار أمام الليرة مع ضياع لودائع اللبنانيين في البنوك، إضافةً إلى فقدان موسم السياحة للبلد الذي تشكّل السياحة فيه ما يقرب من نصف دخله القومي بفعل جائحة "كورونا". 
الزلزالُ السياسي الذي أحدثه التفجير بدأت هزاته الارتدادية عصر يوم السبت 8 آب بتفجر مظاهرات غاضبة في شوارع بيروت، تحت عنوان لا يخفي القادم أبداً (وقت الحساب) دخل فيها المتظاهرون مرحلة جديدة بنزع الشرعية كاملةً عن الطبقة السياسية ونصبوا المشانق في الساحات لجميع مكوناتها. 
فرضيتان تحكمان الانفجارات والنتيجة واحدة: 
الفرضية الأولى الفاعل حزب الله: 
التفجيرات على بعد يومين فقط للنطق بالحكم النهائي لمحكمة اغتيال رفيق الحريري، ومن المؤكد أنَّ حزب الله يخشى من تداعيات المحكمة، وهي تحت الفصل السابع، ولأن المتهمين الأربعة من كوادره والقرار وصل إلى مسؤولية الرئيس عن مرؤوسيه ومن أصدر أمر الاغتيال فقد قام الحزب بعمل أمني احترافي، بتفجير مستودعات تحتوي على نترات الأمونيوم ملبساً الجريمة ثوب الإهمال الإداري والفساد، وهي الرواية التي ومنذ اللحظة الأولى تبناها الحزب وأوعز لحكومته (حسان دياب) بتبنيها، تقول الرواية معللة الانفجار، إن حريقاً نشب بفعل عمليات الصيانة واللحام لبوابات العنابر القريبة من عنبر 12 الذي يحوي فيه شحنة نترات الأمونيوم امتد الحريق إلى مستودعات تخزن فيها هذه المادة فحدث الانفجار الكبير، والذي شكل الحريق فعل الصاعق للشحنة المخزنة، وبذلك تلبس العملية ثوب الحادث الناتج عن الإهمال والفساد مغطياً بذلك على أسئلة هامة منها: لمن ملكية هذه الشحنة، ولصالح من أتت وكيف تناقص حجمها؛ إذ إن كمية الشحنة على الأوراق كافية لنسف بيروت بما فيها ومن فيها. 
يحقق حزب الله في هذه الفرضية: 
1. خلط الأوراق لجهة المحكمة وإرسال رسالة أني مستعد لتدمير البلاد إذا طبقتم الحكم تحت الفصل السابع. 
2. استجلاب الدعم الدولي عبر التعاطف الإنساني كون الانفجار (كارثة) تعرض لها لبنان ويحل بهذا العزلة الدولية، كما أفاد ميشيل عون معتبراً ذلك من فوائد ما حصل. 
الفرضية الثانية عملية خارجية: 
استهداف مستودعات للصواريخ بعيدة المدى ذات المنشأ الإيراني، كانت إما تصل إلى حزب الله عبر شحنها إلى المرفأ أو تصنَّع بخبرات إيرانية داخل المرفأ، أو بأماكن محاذية له، وتهدف العملية إلى إزالة سلاح حزب الله بالقوة، بعملية استخباراتية وعسكرية معقدة قامت بها أجهزة استخبارات لدول -على رأسها إسرائيل- لها مصلحة في إعادة ترتيب المنطقة، وهذه العملية تتبع لسلسلة تفجيرات إيران، والتي ضربت وما زالت تضرب إيران، لتضع حزب الله في الزاوية وترغمه على تفكيك ترسانته وإعادته إلى لبنان ليعود قوة شيعية محلية سيسهل التعامل مع خطورتها لاحقاً تحجيماً وتفكيكاً، ويضمن بذلك حياد لبنان، وإبعاده عن صراع المحاور والأهم ضمان إبعاد لبنان عن إيران، وقد أتت قضية نترات الأمونيوم على هامش ما حدث، والدليل على ذلك دراسات عن موجة الصدم التي حصلت وصفاتها المطابقة لموجة صدم الـC4 المادة شديدة الانفجار والتي تشكل رؤوس الصواريخ يضاف إلى ذلك الدخان الأحمر الذي صدر والذي يثبت انفجارات كانت لذخائر وأسلحة وليست لشحنة الأمونيوم فقط. 
ما يتحقق وفق هذه الفرضية: 
1. جعل الاتهام السياسي والقانوني يحوم حول حزب الله وسلاحه، وأنه على كل الفرضيات يجب أن ينزع هذا السلاح كنتيجة مفروغ منها. 
2. استعادة لبنان (ذلك التعبير استخدمه الإليزيه) قبيل زيارة ماكرون، أي استعادة لبنان من إيران، وبحجم خسائر أقل من أي عمل عسكري قد يجعل المواجهة مع حزب الله كارثة أكبر إن على مستوى رد الفعل الذي سيتخذه الحزب أو على مستوى الفعل العسكري على الأرض. 
3. وضع لبنان تحت الوصاية الدولية غير المعلنة مع رعاية فرنسية لملف لبنان كونها الأقدر على إدارة هذا الملف؛ إذ إن دولة لبنان الكبير نشأت بإرادة فرنسية منذ 100 عام؛ ما أتى بماكرون يحمل معه مبادرة تتحدث عن اتفاق جديد وحكومة تسحب ورقة لبنان من يد إيران، ويبدو أن لبنان سيكون الثاني الذي سيخرج من يد إيران بعد العراق. 
وفي النهاية ستبقى النتائج الكارثية على نظام الحكم في لبنان هي الثابت الوحيد والذي يبدو أن حزب الله والنظام السوري لم يحسبوا حسابها بفعل التخبط الحاصل بغياب العقل المدبر للمشروع الإيراني قاسم سليماني، فإذا كانت عملية اغتيال الحريري أفضت إلى دخول لبنان حقبة حكم إيران المباشر فهل ستكون تفجيرات بيروت وارتداداتها السياسية والشعبية هي التي ستخرج لبنان من هذه الحقبة سؤال ما زال مبكراً الإجابة عنه، لكن كل الدلائل تشير إلى ذلك لحد الآن.