الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لا خير ينتظره السوريون من أستانا 13

لا خير ينتظره السوريون من أستانا 13

28.07.2019
عبدالباسط سيدا


جيرون
السبت 27/7/2019
اجتماع مسار أستانا الثالث عشر الذي سينعقد، في الأول والثاني من شهر آب/ أغسطس المقبل، في العاصمة الكازاخية: أستانا/ نور سلطان، وسيشارك فيه -إلى جانب الأعضاء الأساسيين: روسيا وإيران وتركيا- كلٌّ من لبنان والعراق لأول مرة، لن يكون حاسمًا، بناءً على المعطيات والمؤشرات المتوفرة حاليًا، وتلك التي يمكن استنتاجها من جملة المتغيّرات واللقاءات التي تمحورت في الآونة الأخيرة حول الموضوع السوري؛ ولكنه سيكون محطة رئيسة ضمن المسار المعني، بالنسبة إلى الأطراف الأساسية المشاركة، وليس بالنسبة إلى الشعب السوري الذي ينتظر حلًا لمحنته، التي لا توجد حتى الآن بوادر توحي بإمكانية الوصول إلى حل مقبول بشأنها.
الطرف الإيراني يتوجه إلى أستانا، وفي ذهنه تحويل مسارها إلى صيغة من التحالف النفعي المبني على تقاطع المصالح بين الأطراف المشاركة، على أمل تخفيف الضغط الناجم عن العقوبات الاقتصادية الأميركية، والتحشيدات العسكرية ولا سيّما الجوية والبحرية منها.
وعلى الرغم من السياسة التصعيدية التي يلجأ إليها النظام الإيراني في مواجهة الإجراءات الغربية، خاصة الأميركية منها والبريطانية، فإن النظام المعني يدرك جيدًا أن موازين القوى ليست في مصلحته، وأن العمليات الاستعراضية، والخطابات الشعاراتية النارية، لن تؤثر في مستجدات الأحداث، في حالة وجود إرادة غربية جادة تستهدف الحد من مخاطر التخريب الإيراني في المنطقة، هذا التخريب الذي كان نتيجة سياسة غض النظر التي اعتمدتها إدارة أوباما، تجاه تمدد إيران في دول المنطقة، سواء عبر القوات الإيرانية نفسها أم عن طريق تلك الأذرع العسكرية التي شكّلتها ودعمتها وتشرف على قيادتها.
فالنظام الإيراني يدرك أهمية موقع تركيا ودورها الإقليمي، ويحاول من خلال أستانا كسب الود التركي، وإنْ كان ذلك مقابل عدم تهديد المناطق السورية التي تشكل منطقة نفوذ تركية، خاصة في ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي. أما الحديث عن السيادة السورية، وحرمة الأراضي السورية فهو من الكلام العبثي التضليلي، لأن سورية لم تكن يومًا -بالنسبة إلى النظام المعني- بلدًا له حرمته وسيادته. وإنما كانت ميدانًا للتمدد والتوسع، وساحة لتصدير الأزمات الداخلية عبر الإيهام بانتصارات خارجية كبرى. ولهذا لن يجد هذا النظام أي حرج في التفاهم مع قوى إقليمية كبرى كتركيا، وبرعاية قوة دولية كبرى كروسيا، حول تقاسم المصالح ومناطق النفوذ في سورية، طالما أن ذلك يفسح المجال أمام النظام المعني للتحرك بشيء من الحرية وسط أجواء التضييق التي يفرضها عليه الغرب على مختلف المستويات.
أما بالنسبة إلى تركيا، فالوضع ربما كان أكثر تعقيدًا، نظرًا لتعددية الاحتمالات، وصعوبة الخيارات. فتركيا على الصعيد الداخلي تعاني أزمة بنيوية عميقة لم تعد مظاهرها الواضحة من الأسرار التي لا تُعرف عنها. فهي تشكو من أزمة سياسية داخلية ضمن حزب العدالة والتنمية نفسه، وأزمة سياسية وطنية على صعيد ميزان القوى، بين حزب العدالة من جهة وبين المعارضة المتمثلة بصورة خاصة في حزب الشعب الجمهوري، إلى جانب حزب الشعوب الديمقراطي من جهة أخرى. وقد تجلت هذه الأزمة بصورة واضحة في انتخابات الإعادة التي كانت على رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى، وفاز فيها مرشح حزب الشعب الجمهوري بأغلبية مريحة، الأمر الذي دفع بالرئيس أردوغان إلى الاعتراف بالخسارة، ودعوته إلى إجراء مراجعة الأسباب والمقدمات التي أدت إلى ذلك.
هذا بالتزامن مع جهود تبذل من قبل كل من علي بابا جان، وأحمد داوود أوغلو، وغيرهما من قادة حزب العدالة التنمية المعروفين، لتشكيل حزب أو أحزاب خارج نطاق حزب العدالة والتنمية، الأمر الذي سيشكل ضغطًا إضافيًا على حزب العدالة والتنمية، وعلى الرئيس أردوغان شخصيًا، وذلك إلى جانب الموضوعات الخاصة بالعلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية وحلف الناتو، وموضوع صفقة صواريخ إس 400 وطائرات إف 35. أما الموضوع الأهم الذي يقضّ مضاجع حكومة العدالة والتنمية، فهو يتمثل في الدور التركي في الشمال السوري، وموضوع شرقي الفرات على وجه التحديد.
وكل هذه الموضوعات هي ملفات عالقة غير محسومة، ما زالت مادة للأخذ والرد بين الجانبين التركي والأميركي. وهناك مساع حثيثة تبذل من أجل الوصول إلى حلول وسط، أو حتى أنصاف حلول، من أجل مراعاة مصالح الطرفين. فالطرف التركي يتوجه إلى هذا الاجتماع، وباله مشغول بنتائج المفاوضات والمباحثات الجارية مع الجانب الأميركي، بخصوص إمكانية الوصول إلى توافقات حول مختلف الموضوعات (هذا رغم الإعلان عن عدم التوصل إلى توافقات خلال زيارة جيمس جيفري الأخيرة)، ولعل هذا ما يفسر بعض الشيء تطورات الموقف في منطقتي إدلب وحماة. وما يستشف من التطورات هو وجود تفاهمات أميركية – تركية، حول عدم تسليم زمام المبادرة إلى الروس والإيرانيين في المنطقة المعنية، لتكون ورقة قوية تستخدم في سياق أي تفاهمات مستقبلية بين الروس والأميركيين. وهناك مؤشرات يستنتج منها وجود إرهاصات لمثل هذه التفاهمات، خاصة بعد الاجتماع الأمني الثلاثي الرفيع المستوى الذي عُقد أخيرًا في القدس بين كلٍّ من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وإسرائيل. ورغم عدم تسرب معلومات أكيدة حول ما دار في الاجتماع، أو ما تم توصل إليه، فإن الهجمات الإسرائيلية المركزة على المواقع الإيرانية في سورية بعد الاجتماع المذكور، والغارات الأميركية على موقع أو مواقع في منطقة إدلب، تؤكد وجود تفاهمات تفسح المجال أمام المزيد من التنسيق في حركة مرور الطائرات، وتقاطع مساراتها بين الأطراف المتدخلة في الشأن السوري.
وفي هذا المجال، يمكن تفسير اغتيال الدبلوماسي التركي في أربيل، بأنه ربما يكون رسالة من قبل بعض الجهات المتضررة من إمكانية أي تفاهم تركي – أميركي، ليس بمستبعد، رغم كل التشدد في التصريحات الإعلامية التي نسمعها هنا وهناك.
وعلى الجانب الآخر، فإن الوفد التركي سيحاول استخدام لقاء أستانا ليكون منصة يلمّح من خلالها إلى إمكانية وجود البديل الآخر، المتمثل في المحور الروسي – الصيني، الذي سيعوضها من الانتكاسات التي مُنيت بها تركيا بفعل الإخفاق في عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والجو المتوتر الذي هيمَن على علاقتها مع الجانب الأميركي نتيجة اعتماد هذا الأخير على قوات حزب الاتحاد الديمقراطي، التابع لحزب العمال الكردستاني، الذي هو في حرب مفتوحة مع الدولة التركية، خاصة بعد توقف العملية السلمية التي كانت موضع ارتياح مختلف الأطراف التي تريد الخير لتركيا وكردها.
أما الطرف الروسي، فربّما كان في وضعية مريحة أكثر، مقارنة مع الطرفين الآخرين الذين سيشاركانه اجتماع أستانا المقبل. وتفسير ذلك يتمثل في إدراكه لماهية حاجة كل من إيران وتركيا إلى التفاهم معه، والاستقواء باستمرارية اللقاءات وحصيلتها. ولكنه يدرك في الوقت نفسه أن مصير الوضع السوري النهائي ستقرره الإدارة الأميركية، بالتفاهم مع الجانب الإسرائيلي. لذلك يحرص على استمرارية التنسيق مع الجانب الإسرائيلي، ويعمل من أجل المزيد من التفاهمات مع الجانب الأميركي. هذا ما كان واضحًا في اجتماع القدس الأمني، واجتماع القمة الذي كان في أوساكا اليابانية بين الرئيسين ترامب وبوتين.
ولكن روسيا تحاول في المقابل الاحتفاظ بأوراقها الإقليمية، لذلك ستعمل على استمالة إيران قدر الإمكان، بالرغم من إدراكها لحجم التكاليف المترتبة على ذلك. أما تركيا فهي تعتبر في استراتيجيتها الحليف الأكثر جاذبية وأهمية، ومن أجل هذا ستسعى، روسيا، بمختلف السبل من أجل كسب ود الجانب التركي، رغم المعرفة المسبقة بصعوبة استمرارية تركيا في الموقع المعارض لتحالفاتها الغربية.
إننا، إذا أخذنا هذه المعطيات وغيرها بعين الاعتبار، ندرك أن اجتماع أستانا لن يأتي بالشيء الجديد المفيد بالنسبة إلى السوريين، خاصة في أجواء التصعيد العنيف من جانب الروس والنظام في منطقة إدلب، والإجراءات التركية الأخيرة المتشددة على صعيد التعامل مع ملف اللاجئين السوريين؛ ولكنه سيكون مناسبة يفسح المجال أمام الأطراف المشاركة فيه لإعادة تنظيم أوراقها، وجمع نقاطها، استعدادًا لصرفها عند الجانب الأميركي الذي من الواضح أنه ليس في عجلة من أمره، ولن يتخذ القرارات الحاسمة المطلوبة، في مرحلة الاستعداد للانتخابات الرئاسية الحافلة عادة بالمفاجآت والمناكفات التي يتحسب لها المرشحون، هؤلاء الذين يحاولون الابتعاد قدر الإمكان عن كل ما من شأنه تهديد فرصة وصولهم إلى البيت الأبيض.