الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كيف ستقطف موسكو ثمار تورطها في سورية؟

كيف ستقطف موسكو ثمار تورطها في سورية؟

17.09.2018
بهاء أبو كروم


الحياة
الاحد 16/9/2018
مذ قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دخول الحرب السورية، برز السؤال عن مكانة موسكو في الاهتمامات الدولية بالمعنى الذي كان يجب أن يفرضها شريكاً عالمياً في قضايا العالم. فالتدخل في سورية كان مَعبَراً ضرورياً لمراكمة نفوذ روسيا وتقوية حضورها على صعيد القارة الأوروبية والتوازن الدولي. إلا أن اليوميات السورية حوّلت أجهزة وزارتي الدفاع والخارجية في موسكو إلى أطقم تعامُل يومي مع التطورات هناك، وإذا لم يُضعف ذلك موقف روسيا الدولي، فهو لم يُضف إليه عناصر قوّة كانت مُتوقّعة. أضف إلى ذلك تزامن جملة من القضايا التي ساهمت في الحد من طموحات روسيا ورسمت حدوداً لنفوذها في الغرب، مثل قضية التدخل في الانتخابات الأميركية، وأزمة الجاسوس الروسي المزدوج سيرغي سكريبال، والعلاقة المتوترة مع الأطلسي، وانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، ومجموعة المحافظين التي شغلت الإدارة الأميركية أخيراً.
لكسر هذه الحلقة أجرت روسيا مناورات استراتيجية ضخمة في العام الماضي على الحدود الشرقية للأطلسي وأطلقت عليها "الغرب-2017"، وذلك بعد عامين من تدخلها العسكري في سورية. كان على الغرب أن يشاهد استعراض القوة على حدوده لأن العرض في سورية لم يكن كافياً. وتزامن ذلك مع رهان الرئيس بوتين على تفكك الاتحاد الأوروبي نتيجة "بريكزيت" والحرب التجارية مع إدارة ترامب والجدل حول الإنفاق على الأمن والدفاع في حلف شمال الأطلسي.
هذا العام تنقل روسيا مناوراتها الاستراتيجية إلى الجهة الشرقية وتطلق عليها مناورات "الشرق-2018" وهي الأكبر منذ 40 عاماً بمشاركة منغوليا والصين. وإن أشار ذلك إلى رغبة روسيا في اللحاق بالولايات المتحدة شرقاً بعد ملامح التطبيع بين واشنطن وبيونغ يانغ، فهو يدل أيضاً على أن روسيا لم تأكل عنباً في الغرب بسبب تدخلها في سورية حتى الآن، على رغم كل ما قامت به هناك!
هذا التحول من الغرب إلى الشرق يعطي روسيا تفوقاً شرقياً كنموذج إمبريالي يرتكز على بناء القوة العسكرية الضخمة التي تتفوق على مثيلاتها في آسيا والعالم الإسلامي، ويقوم على اقتصاد غير مؤهّل للحاق بمقتضيات صرف النفوذ في أوروبا والغرب، وذلك على خلاف التوجه الشيوعي الذي ربط بين الثورة الصناعية والتمدد الإيديولوجي الذي صوّب باتجاه مركز الرأسمالية في الغرب كهدف.
طبعاً كلّما اكتشف الروس انسداداً أمامهم من جهة الغرب ذهبوا في الإيغال بعيداً في الجبهة الشرقية. فإصرارهم على الانتهاء من ملف إدلب يشي بالرغبة بفرض الترجمة السياسية لتدخلهم في سورية والذي استنزف القدرات العسكرية، من دون أن ينجح في شرعنة نظام الأسد لحد الآن، وإذا أضيف إلى ذلك مشهد تمويل الإعمار في مناطق شرق الفرات مقابل الامتناع عن التمويل في مناطق الأسد، على رغم حاجة الغرب لعودة اللاجئين، يصبح الروس وكأنهم يديرون حقبة من المراوحة ويتربعون على خراب في المساحة السورية أكثر مما ينعمون باستقرار يتيح لهم استرداد ما خسروه من أموال هناك.
هذه المراوحة تُحمّل روسيا المسؤولية عن كل الموبقات التي يقوم بها نظام الأسد، من استعمال الأسلحة الكيماوية إلى الفتن التي يديرها بين الطوائف والفئات. هنا يطرب المسؤولون الروس حينما يسمعون المطالبات بالحماية أو بالضمانة التي تأتيهم من طوائف أو أقليات المنطقة، ويولّد ذلك لديهم شعوراً بالتعويض عن حضورهم العالمي في زمن الاتحاد السوفياتي، عندما أداروا التناقضات الإثنية في شرق أوروبا، ويشعرون بأنهم يرثون حقبة الاستعمار الإنكليزي والفرنسي الذي رسخ نفوذه في الشرق عبر إدارة التناقضات بين الطوائف والمذاهب المحلية. لكن صرف نتائج هذه الإدارة يبقى في حدود العجز عن التوصل إلى وئام دائم بين "العصبيات"، وذلك لأنها تنطلق من أساس استبدادي يُحاكي الحلول الروسية في الشيشان والجمهوريات المحاذية، ولا يقوم على خيار يوازي التضحيات التي قدمها الشعب السوري في مواجهة هذا الاستبداد.
وفرحة لم تكتمل على مستوى آخر، إذ إن الدعاية التي اعتمدها الروس في طرحهم لمبادرة عودة اللاجئين بعد قمة هلسنكي، سرعان ما اصطدمت بفشلهم في تأمين التمويل لإعادة الإعمار من الدول الغربية قبل الشروع بمقتضيات الحل السياسي، إذ لم يجدوا مَن يسير معهم بهذه الحيلة إلا وزير خارجية لبنان جبران باسيل لأن في المبادرة كميناً يهدف إلى التحايل على ضرورة الحل السياسي للمشكلة السورية، إذ عندما تنتهي آثار الحرب وتداعياتها، وتُستكمل عودة النازحين ونهضة الاقتصاد والإعمار والتمويل، ما الذي يدفع إلى إيجاد الحلول السياسية التي تقوم على تنازل الأسد عن جزء من صلاحياته؟ والحقيقة أن رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون وفريقه كانا أوّل من دعا إلى فصل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم عن الحل السياسي، وذلك على قاعدة أن الاستثناء في الحال اللبنانية يبيح ذلك تحت ضغط الخلل الديموغرافي الكبير. هنا، وجد الروس ضالتهم. فحماية الأسد من الحل السياسي تصبح ممكنة على قاعدة استعجال الغرب لإعادة اللاجئين وتلقّف ذلك عبر الضمانات الروسية، ظناً أن هذا الفصل يمكن أن تقتبسه الدول الأوروبية عن لبنان. طبعاً وزير خارجية لبنان ذهب أبعد من ذلك عندما تذاكى خلال زيارته إلى موسكو بطرح تجريد اللاجئين خارج سورية من الحق بالتصويت في انتخابات 2021، وذلك بعكس ما ورد في مضمون "القرار 2254" وبيان المجموعة الدولية في فيينا في 2015.
وعلى هذا المستوى، فإن الأسد قدّم لروسيا ما لا تستطيع موسكو تجاهله عند البحث في أي حصيلة سياسية أو حل سياسي، فهم سيتمسكون به كما هو متمسك بصلاحياته التي تحمي حضورهم في سورية.
لكن مرة ثانية لم تأكل روسيا عنباً عندما لم يسر الغرب معها في إعادة الإعمار لضمان عودة اللاجئين، وتبقى آلتها العسكرية الكبيرة في سورية على مسافة بعيدة من قطف جنى الحرب، ولعلّ أهمية معركة إدلب بالنسبة لهم أنها قد تشفي غليلهم هذه المرة.