الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كيف روى بولتون انسحاب ترامب "الآثم" من شمال شرق سوريا؟

كيف روى بولتون انسحاب ترامب "الآثم" من شمال شرق سوريا؟

24.06.2020
جورج عيسى



النهار
الثلاثاء 23/6/2020
يبدو أنّ الأميركيّين والمهتمّين عموماً بشؤون البيت الأبيض سيكونون على مواعيد متنوّعة مع رفع النقاب عن حجم الفوضى في قرارات الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب خصوصاً في سياساته الخارجيّة.
كتاب جون بولتون "قاعة الحدث: مذكّرات البيت الأبيض" كفيل بأن يؤمّن تلك المواعيد حتى قبل أن يكون مطروحاً للبيع في الأسواق. يعود ذلك إلى قدرة العديد من الوسائل الإعلاميّة ومؤسّسات الرأي الأميركيّة في الحصول باكراً على الكتاب وإلقاء الضوء بشكل متتالٍ على أهمّ ما جاء فيه.
هذه المرّة، كان دور مؤسّسة "ذا ناشونال إنترست" في عرض موضوعٍ أثار الكثير من الأخذ والردّ السنة الماضية: انسحاب الجيش الأميركيّ المفاجئ في كانون الأوّل 2018 من شمال شرق سوريا وإفساحه المجال أمام تركيا لشنّ توغّل وضرب المقاتلين الأكراد. وجاء تقريرها تحت عنوان: "حصريّاً: جون بولتون يسرد كيف أسّس صقور إيران كارثة ترامب للسوريّين الأكراد".
"بلاء مزمن"
كتب بولتون عن رؤية العديد من المسؤولين الأميركيّين إلى مقاتلي "قوّات سوريا الديموقراطيّة" (قسد) التي دعمتهم واشنطن في الحرب على الإرهاب. اللافت أنّ نظرة معظمهم لم تكن إيجابيّة إلى تلك القوّات، أقلّه عند المقارنة بنظرتهم إلى تركيا. ليس هذا مفاجئاً. كانت وزارة الدفاع الأميركيّة (البنتاغون) أقرب إلى "قسد" من وزارة الخارجيّة، على الأرجح بسبب علاقتها المباشرة مع المقاتلين الذين واجهوا داعش. للتذكير، شكّل قرار ترامب المفاجئ السبب المباشر الذي دفع وزير الدفاع السابق جايمس ماتيس إلى تقديم استقالته من منصبه في الشهر نفسه.
كان هدف بولتون الأساسيّ وسائر الصقور إزاء إيران، من خلال الإبقاء على القوّات الأميركيّة في سوريا، مواجهة طهران وموسكو. ورأوا أنّ التحالف بين واشنطن و"قسد" ليس سوى ألهيّة عن هذا الهدف. ويضيف التقرير أنّ الصقور "تركوا النزاع التركيّ-الكرديّ يتصاعد حتى خرج عن السيطرة".
لم يكن بولتون يحبّ "قسد" لأنّها امتداد لمنظّمة مصنّفة إرهابيّة (حزب العمّال الكردستانيّ). لكنّه في الوقت نفسه، تخوّف من أن يؤدّي التخلّي عنها إلى دفعها باتّجاه إيران وإلى تآكل ثقة حلفاء واشنطن بالأميركيّين. وصف بولتون سياسة الديبلوماسيّ الأميركيّ جايمس جيفري المحابية للأتراك بأنّها "بلاء مزمن لوزارة الخارجيّة حيث يصبح المنظور الخارجيّ أهمّ من منظور الولايات المتّحدة." وأخبر بومبيو بولتون أنّ جيفري "لم يكن يحبّ الأكراد." وكان بومبيو قد نفى صحّة الكتاب.
ما أورده بولتون غير جديد. سبق أن اتّهم مراقبون أميركيّون جيفري بمحاباة الأتراك على حساب حلفاء واشنطن في شمال شرق سوريا. وقضت حسابات مسؤولين في وزارة الخارجيّة بإعطاء الأولويّة للعلاقة مع تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسيّ، على حساب الشراكة مع المقاتلين الأكراد.
"برهان جيّد"
ويضيف التقرير نقلاً عن الكتاب أنّ بولتون دخل في صراع مع ماتيس لأنّه كان يركّز على داعش عوضاً عن إيران، لكنّهما اتّفقا على ضرورة إبقاء الولايات المتّحدة جنودها في المنطقة. ساهم الضغط الإعلاميّ الكبير على قرار ترامب بتغيير الصورة، فأجرى الرئيس الأميركيّ اتّصالاً كان الثاني مع نظيره التركيّ رجب طيب إردوغان قائلاً له إنّه يؤيّد وجود الجيش التركيّ في المنطقة "طالما أنّه يهاجم داعش لا الأكراد."
وسط هذا التذبذب، تدخّل رئيس هيئة الأركان حينها الجنرال جوزف دانفورد لتدوير الزوايا، قائلاً إنّه لا يزال بحاجة لبضعة أسابيع كي ينهي الحرب على داعش. وجد دانفورد أنّ القادة الأتراك "كانوا يبحثون عن أسباب يمكن أن يستخدموها لتفادي قيادة عمليّات عسكريّة جنوبيّ حدودهم، والقول بشكل متزامن إنّهم كانوا يحمون تركيا من هجمات إرهابيّة." وكان يرى أنّ قائد "قسد" الجنرال مظلوم عبدي تمتّع بخيارات "محدودة جداً" وأنّه رغب بالنظر في "بعض الضمانات".
كتب بولتون أيضاً: "بما أنّ أولويّة أردوغان الحقيقيّة كانت السياسة الداخليّة، برأيي، قد يكون هذا الترتيب كافياً. بينما كنّا نطبّق هذه الخطّة الطارئة، أو نطوّر فكرة أفضل، الأمر الذي قد يستغرق أشهراً، كان لدينا برهان جيّد للإبقاء على القوّات الأميركيّة (في شمال شرق سوريا)".
"بروباغندا معياريّة لنظام إردوغان"
حصل موقع "أحوال" التركيّ أيضاً على نسخة من الكتاب. وممّا نقله عنه بداية، اتّصال ترامب بإردوغان في 14 كانون الأوّل وإعلانه رغبته بالانسحاب من شمال شرق سوريا ثمّ إيلاء بولتون مسؤوليّة "العمل على موضوع الانسحاب بهدوء مع ذكر "أنّنا مغادرون (سوريا) لأنّ داعش انتهى."
ويكتب بولتون أنّ ترامب تجاهل تحذيرات نظيره الفرنسيّ إيمانويل ماكرون حول مصير الحرب على داعش. أعلن ترامب أنّ تركيا ستتكفّل ببقايا التنظيم فردّ ماكرون بالقول إنّ "تركيا كانت مركّزة على مهاجمة الأكراد، وستقيم تسوية مع داعش." وتابع الموقع نقلاً عن كتاب بولتون أنّ بومبيو قال أيضاً إنّ "إردوغان لا يهتمّ بداعش."
وذكر بولتون أنّ إردوغان سعى إلى تطمين ترامب حول النظرة الإيجابيّة المتبادلة بين الأكراد وتركيا قائلاً إنّ مشكلة أنقرة هي مع "حزب العمّال الكردستانيّ" و "حزب الاتّحاد الديموقراطيّ" و"وحدات حماية الشعب الكرديّة" التي لا تمثّل الشعب الكرديّ. وقال بولتون: "لقد سمعنا كلّ ذلك من قبل، وكان ذلك البروباغندا المعياريّة لنظام إردوغان."
وسبق للرئيس التركيّ أن رفض استقبال بولتون في 8 كانون الثاني 2019 بسبب تصريحات أدلى بها خلال زيارته الأراضي المحتلّة حين قال إنّ "على أنقرة الموافقة على حماية حلفاء واشنطن الأكراد في سوريا."
هل يتعلّم الدرس؟
انتهت الفوضى التي أطلقتها الإدارة الأميركيّة بالتوصّل إلى "منطقة آمنة" أصغر مساحة بكثير من هدف تركيا الأساسيّ. فمن مطالبة بحزام يمتدّ بطول حوالي 450 كيلوتراً وعرض 30 كيلومتراً، قبلت أنقرة بحزام طوله حوالي 120 كيلومتراً وعرضه بين 5 و 10 كيلومترات. أتى ذلك بعد توغّل عسكريّ ساهم في نزوح ما معدّله 150 ألف نسمة.
وما انتهت إليه الأمور لاحقاً لم يكن انسحاباً للجيش الأميركيّ بل أقرب إلى إعادة تموضع. إذ لا يزال هنالك حوالي ألف جنديّ أميركيّ في سوريا "يحرس" معظمهم الحقول النفطيّة أقصى شرق البلاد والتي يشرف عليها الأكراد.
يبقى أنّ ما سرده بولتون عن هذا الملفّ يظهر أنّ ترامب ليس وحده من كان يعاني من غياب تناسق في النظرة الخارجيّة، علماً أنّ هذه الغاية كانت الغرض الأساسيّ من كتابه. نظرة بولتون نفسها بدت ملتبسة تجاه تركيا. فهو وصف قرار ترامب بالانسحاب بأنّه "آثم" لكنّه اعتقد بإمكانيّة إشراف الجيش التركيّ على "انتقال منظّم للسلطة" في المنطقة، علماً بأنّ أنقرة متحالفة مع موسكو التي أراد بولتون تحجيم نفوذها.
والخلاف بين المسؤولين في الإدارة أيضاً بدا أكبر من إمكانيّة تجاهله، في حال صحّة ما كتبه مستشار الأمن القوميّ السابق. فهل بإمكان ترامب التعلّم من أخطائه وإدارة فريق وسياسة أكثر تجانساً، تجاه سوريا وغيرها من الملفّات، لو فاز بولاية ثانية؟ أم أنّه سيدفع سريعاً ثمن غياب هذا التجانس في تشرين الثاني؟