الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كي تكون أستانا و(رقة قوة)

كي تكون أستانا و(رقة قوة)

17.01.2017
د. يحيى العريضي


كلنا شركاء
الاثنين 16/1/2017
مفارقة غريبة أن يكون الأحرص على نجاح روسيا في “مشروعها السوري” الذي تدرّج من لقاءات أنقرا إلى إعلان موسكو إلى التفاتة “خجولة” من الإمم المتحدة وصولاً إلى {لقاء أستانا} جهتان فقط: تركيا– شريكها في ضمان فصائل الثورة السورية وفصائل النظام؛ والسوري الذي يحرص على وقف دمار بلده ونزف دمه (الذي لا يزال يُراق دمه حتى اليوم على يد طائرات موسكو ذاتها).
     المفارقة العجائبية الأكبر ان الجهة التي تدين ببقائها لروسيا /”النظام”/ هي التي تسعى لنسف هذا الاتفاق. وبالطبع يفوقها بذلك المتضرر الأساس من وقف القتل والدمار في سورية /إيران/؛ وهي التي احتاجت إلى الآلة التدميرية الروسية لتثبيت مشروعها في سورية. هناك بالطبع قوى دولية وإقليمية- ولأسباب مختلفة- ليست حريصة وغير مغرمة بأن تحقق روسيا أي نجاح وخاصة في أستانا.
     الأغرب من كل ذلك هو أن تكون موسكو ذاتها غير عابئة إلا تكتيكياً بنجاح مشروعها؛ فلا يستقيم أن تستمر  كـ “ضامنة لوقف اطلاق النار” بإطلاق العنان لآلة قتلها في سورية او أن لا تضع حداً لمن ضمنتهم عندما يستمرون بعملياتهم العسكرية؛ وبالقول للضامن الآخر/تركيا/ بأن مَن تضمنهم من الفصائل بإمكانهم الرد على النيران.
     كل المؤشرات تدل على أن أستانا لن تكون أكثر من خطوة أو محطة تكتيكية تقنية قوامها تداخل حاجات فرقاء يعانون مختلف صنوف الضعف، ولكن عينهم على استمداد القوة من هذه المحطة لسد ثغرات ضعفهم؛ ولكنهم في الوقت ذاته يحرمونها من القوة التعزيزية اللازمة المتوفرة لدى بعضهم والمحضورة على آخرين.
     ما يُراد له أن يكون الحلقة الأضعف (المعارضة بفصائلها) في هذا اللقاء، حيث هناك أسباب ذاتية وموضوعية تحول دون قدرتها على المساهمة في انجاح اللقاء. ففي الذاتية هناك التشرذم وضعف الامكانيات وتشتت الرؤية والإحساس المرير بذلك بعد حلب؛ وفي الموضوعية محاولات الخنق الخارجية، واجندات المتدخلين المتضاربة بالشأن السوري، ومحاولات تصفيات حساباتهم على الأرض السورية. وكأننا بها تذهب الى الاستانة لالتقاط الانفاس وللاستمرار بالتواجد على خارطة الصراع كأم الصبي؛ علها تأخذ بعض زخم القوة ليعادل ما تخشى ضياعه في عدم الذهاب.
     الحلقة الأضعف الحقيقية تتمثل بالنظام الأسدي الذي يعتاش على قوة القتل والتدمير كضامن للبقاء، والتي إن تخلّى عنها، كي يعطي لقاء أستانا فرصة في النجاح، يستشعر نهايته. نقطة قوته الأخرى تتمثل بأخذه ما يسيطر عليه من سورية رهينة عبر الحصار والتجويع  والاعتقال، وهي سياسات يستلزم نجاح أستانا التخلي عنها كبوادر حسن نيّة. يقابل تمسكه بتلك الأوراق المدمّرة حاجته الماسة إلى البقاء في اللعبة لأن مصيره في الميزان؛ فهو يخشى أن تبيعه روسيا كجائزة لمكسبها العالمي بتقديم أوراق اعتمادها للغرب وثمناً لملفاتها الثقيلة؛ ويخشى المصير ذاته على يد إيران إن هي تعرضت لاختناق تلوح ملامحه في الأفق عبر تكاتف اقليمي دولي يأتي على مشروعها. وكما هو وقف النار مقتل للنظام، هو أيضاً مقتل أكبر لإيران ومشروعها الذي لم يكتمل بعد؛ ومن هنا إرادتهما بوأد استانا قبل أن تولد عبر استمرار القتل.
     تركيا، بخذلان الغرب لها، و بكل طيف معاناتها المتمثل بهذه السلبية الغربية تجاهها وبمحاولات خنق اقتصادها واحداث هزّات أمنية في قلبها؛ تسعى الى استدرار شيء من القوة عبر بعض الدفء الروسي والأمن الإقليمي والانخراط الأكثر بالمسالة السورية؛ علّ كل ذلك ينجيها سياسياً وأمنياً وإقتصادياً.
     روسيا، صاحبة مشروع أستانا، تطمح لامتلاك ورقة قوة جديدة كقطب عالمي على الساحة الدولية ينشد اعترافاً عالمياً- وخاصة غربياً- والغرب لا يمنحها هذا الشرف. ولكن روسيا لا تزخّم اللقاء بفعل استراتيجي حاسم (كوقف كلي لاطلاق النار في سورية)؛ وهي قادرة، ولكن لأسباب غير واضحة المعالم لا تفعل، وبيدها تضعفه. فبدل أن تكون الأستانا محطة قوة تستمد منها روسيا تلك القوة السياسية التي تحتاجها، تراها تضعفها بيدها؛ فتراها تظهر بانها تستطيع الانفراد بإنجاز سياسي ، وتجدها مضطرة إلى إسناد ظهرها الى الأخرين وعلى رأسهم أمريكا؛ فتتخبّط مثلاً بدعوة إدارة “ترامب” القادمة، وإدارة أوباما لاتزال في الساحة؛ وهي من مكّنها من الورقة السورية. وإن كانت هذه الخطوة تكتكة فهي رخيصة؛ والأمريكييون أول من يدركون ذلك. وتراها تصرُّ على معادات الهيئة العليا للمفاضات السورية، وفي الوقت ذاته تتحدث عن توسيع طيف محطة استانة. تتصرف بمبدأ رفع العتب تجاه أصدقاء سورية وجنيف؛ وفي الوقت نفسه تريد ان تنال الاعتراف الدولي كقطب عالمي. وكاننا بروسيا تريد إيصال الوضع السوري إلى واقع جديد يقدم لمَن له القول الفصل عالمياً كورقة اعتماد تحملها موسكو الى الملعب السياسي العالمي. ولكنها في الوقت نفسه تغفل الألغام التي تحملها حقيبة الإعتماد تلك، والمصنوع معضمها بأيدي روسية بمعرفة أو بغفلة.
     كي تكون أستانا ورقة تستمد منها موسكو وغيرها قوة يلهثون وراءها، لا بد من أخذ جوهر المسالة السورية بعين الاعتبار؛ إنه صراع شعب من أجل الحرية والأمان والكرامة في وجه استبداد استراتيجيته حكم سورية أو تدميرها. إن لم يكن ذلك هو السمت والأساس الذي يأخذ من محطة استانا أساسا وتمهيداً لعملية انتقال سياسي حقيقي في سورية، فلا أستانا سيكون لها فرصة نجاح، ولا فريق يمكن أن يستمد منها أية قوة؛ بل على العكس تماما، ستكون حلقة أخرى في الحبل الذي يشتد على أعناق منخرطة في المسألة السورية. إذا كان ما يُراد من استانا مجرد ورقة إضافية استنزافية تكتيكية؛ فليبشر المنخرطون بالمسألة بالمزيد من الحريق الذي سيطال الجميع. من هنا فإن أي تعويل كبير عليها ليس إلا وهماً آخر اهتماماته مصير سورية وأهلها. وحده ذلك يعطي قوة للجميع؛ ولا يتحقق إلا بإرادة دولية وقرار دولي دون فيتو يعيد سورية لأهلها برعاية دولية.
     أخيراً حق السوريين الذين أُصليوا العذاب والدمار لست سنوات يقف كالرمح، وما من قوة يمكنها تجاوزه. وإن لم تكن الثورة وجماهيرها وفصائلها حالياً في أحسن حالها، إلا أنها بأي لحظة يمكنها التحوّل إلى الحلقة الأقوى، وما هي بهاوية أن تهيء للسيد بوتين ورقة قوة إضافية يقدمها كجزء من أوراق اعتماده للسيد ترامب. لا بد لهذه الحلقة أن تجهز نفسها للدفاع عن شعبها، حتى لو ذهبت إلى الاستانا.
      لن يستقيم مُنجز سقيم مبني على التكتيكات البوتينية الرخيصة. قضية شعب سورية الذي ينشد الحرية والكرامة دون وجود استبداد جلب الاحتلال لسورية أكبر منه. سعيُ بوتين ليكون فاعلاً في جنيف وفي الجهد الدولي لحل حقيقي في سورية مرحب به، عندما يقوم بواجبه المتمثل بوقف آلة دماره وآلة القتل الايرانية الاسدسة في سورية. ويستطيع. تلك هي ورقة قوته الوحيدة التي يمكن أن يُقبل على أساسها.