الرئيسة \  تقارير  \  كيف تستخدم إسرائيل الغاز لتعزيز مكانتها في الشرق الأوسط؟ ‏

كيف تستخدم إسرائيل الغاز لتعزيز مكانتها في الشرق الأوسط؟ ‏

22.06.2022
النهار العربي


النهار العربي
الثلاثاء 21/6/2022
اعتبرت صحيفة "جيروزاليم بوست" أن الغزو الروسي لأوكرانيا فتح ‏ما يسميه البعض "فرصاً تاريخية" للدولة اليهودية لزيادة لعبتها في ‏مجال الطاقة، وفي المقابل زادت من قيمتها الدبلوماسية ومكانتها في ‏الشرق الأوسط وخارجه.       ‏
في آذار (مارس) الماضي، سافر الرئيس ‏الإسرائيلي اسحق هرتسوغ إلى تركيا والتقى الرئيس رجب طيب ‏أردوغان. والشهر الماضي زار وزير الخارجية التركي مولود ‏جاويش أوغلو تل أبيب، لإجراء محادثات مع وزير الخارجية يائير ‏لابيد.‏
وقالت الصحيفة: "تعتمد أنقرة بشكل كبير على روسيا في الطاقة – بما في ذلك ‏‏45 بالمئة من غازها الطبيعي و17 بالمئة من نفطها. المصالحة مع ‏إسرائيل وتحسين العلاقات أمران أساسيان لتركيا لتكون قادرة على ‏تنويع مورديها وتقليص اعتمادها على روسيا، التي لم تعد مصدراً ‏موثوقاً للطاقة.  أما المثال الثاني هو التقليب الذي قامت به وزيرة ‏الطاقة الإسرائيلية كارين الحرار في 30 ايار (مايو) الماضي عندما ‏أعلنت أن وزارتها ستصدر تراخيص للتنقيب عن الغاز الطبيعي في ‏‏"المياه التي تسيطر عليها إسرائيل"، كان هذا تحولاً حاداً".‏
أضافت الحرار: "في العام المقبل سنركز على المستقبل، على الطاقة ‏الخضراء وعلى تحسين الطاقة المتجددة، وأثناء قيامنا بذلك، سنضع ‏جانباً تطوير الغاز الطبيعي، والذي كما هو معروف، يعتبر حلاً قصير ‏الأمد".   ‏
وبحسب الصحيفة الاسرائيلية، كانت الحرار تفكّر في أمر مختلف ‏مفاده أن "أزمة الطاقة العالمية توفّر فرصة لدولة إسرائيل لتصدير ‏الغاز الطبيعي، إلى جانب القلق الجدّي والحقيقي لما يجري في ‏أوروبا".  ‏
ما الذي تغير خلال ستة أشهر؟
ووفقا لـ"جيروزاليم بوست"، يشهد  العالم أزمة طاقة عالمية وإسرائيل ‏تدرك أنها قادرة على لعب  دور للمساعدة في التخفيف من حدّتها وفي ‏الوقت عينه تحسين مكانتها الدولية".   ‏
 وقال مدير وزارة الطاقة الاسرائيلية ليور شيلات: "العالم تغيّر ولا ‏يمكننا تجاهله، هناك ارتفاع في الطلب على الغاز خاصة في أوروبا ‏منذ الوضع الروسي، وهم بحاجة إلى إمدادات ثابتة، وقد أجرت ‏الوزيرة إعادة تقييم في منتصف العام بدلاً من نهاية العام، لأننا نعتقد ‏أنه من الممكن زيادة العرض".    ‏
في المقابل، تحدّث عوديد عيران سفير إسرائيل السابق لدى الاتحاد ‏الأوروبي للصحيفة  قائلاً إن "التطورات في أوروبا هي فرصة ‏تاريخية لإسرائيل، ويجب النظر إلى انعكاس سياسة وزيرة الطاقة من ‏خلال هذا المنظور، وأن القرار الشعبوي في كانون الأول ‏‏(ديسمبر) الماضي قضى بوقف التنقيب بهدف وضع إسرائيل ‏على المسار الصحيح مع تغيّر المناخ وتجاهل الفرص الاقتصادية ‏والدبلوماسية التي يوفرها الغاز للدولة".‏
وأضاف عيران: "حتى الآن لم يكن يُنظر إلى إسرائيل على أنها ‏لاعبة دولية في مجال الطاقة، بل كلاعب إقليمي فقط، ولكن الآن مع ‏الحرب في أوكرانيا، يمكنك أن ترى أن إسرائيل أصبحت ذات ‏أهمية".  وتابع: "إسرائيل تصدر 10 مليارات متر مكعب من ‏الغاز الطبيعي إلى الأردن ومصر".  ‏
الخريطة
ولفتت "جيروزاليم بوست" الى أن "إسرائيل تشغل حاليا ثلاثة حقول ‏غاز رئيسة "تمار" وهو أول حقل عثر تم العثور عليه عام 2009، ‏على مسافة 90 كم غربي مدينة حيفا في الجزء الشمالي من المياه ‏الاقتصادية التي تسيطر عليها إسرائيل، وحين اكتشافه تم تقدير أنه ‏يحتوي على حوالي 240 مليار متر مكعب من احتياطيات الغاز، ‏وهي كمية يمكن أن توفّر وحدها كميات لاستهلاك الغاز المحلي في ‏إسرائيل لعدة عقود".‏
أضافت الصحيفة: "بعد عام، قامت إسرائيل بأكبر اكتشاف لها عندما ‏تم العثور على حقل "ليفياثان" في المياه العميقة، على بعد 30 كم ‏غرب "تمار"، وأشار التحليل الأولي إلى أنه يحتوي على 450 مليار ‏متر مكعب، لكن هذا الرقم ارتفع لاحقاً إلى 500، وكان ذلك أكبر ‏اكتشاف للغاز بالعالم في حينها، وتم إجراء المزيد من الاستكشافات ‏بنجاح والعثور على حقلي "كاريش" و"تانين" ، الذين بلغت قيمتهما ‏حوالي 100 مليار متر مكعب".‏
كما أشارت الصحيفة الى أنه "قبل بضعة أسابيع، كانت "إنيرجيان" ‏‏– وهي شركة مقرّها بريطانيا ستقوم بتطوير الحقول – إشارة بارزة ‏مع وصول منصة الغاز العائمة – المسماة ‏FSPO‏ – الى كاريش، ‏وبالتالي من المتوقع أن يبدأ تدفّق الغاز في نهاية العام".‏
وذكرت "جيروزاليم بوست" أن "إسرائيل تقوم حالياً بتصدير غازها ‏إلى دولتين: الأردن ومصر اللتان زادتا مؤخراً كمية الغاز التي تتلقاها ‏من إسرائيل لتلبية الاحتياجات المحلية، ويتم اعتماد تراخيص ‏التصدير من قبل الحكومة الاسرائيلية بالتنسيق مع الشركات التجارية ‏مثل شيفرون، من ناحية على إسرائيل أن ترغب في البيع لدولة ‏معينة، ومن ناحية أخرى، يتعين على شيفرون أن ترى ما إذا كان ‏بإمكانها تلبية الطلب عملياً".     ‏
وفقاً لبيانات وزارة الطاقة تمتلك إسرائيل حالياً ما يقرب من 1000 ‏مليار متر مكعب من احتياطيات الغاز بينما من غير المرجح أن ‏تتجاوز الاحتياجات المحلية للبلاد 500 مليار متر مكعب لعقود قادمة، ‏على افتراض أنه لا يزال هناك 500 مليار متر مكعب أخرى لم يتم ‏العثور عليها بعد، بحسب الصحيفة التي أضافت أن "الشركات تتنافس ‏بالفعل على تراخيص الاستكشاف الآن بعد أن غيّرت الحرار رأيها – ‏وهذا يعني أنه يمكن لإسرائيل أن يكون لديها ما يصل إلى 1000 ‏مليار متر مكعب متاحة للتصدير إلى العالم.  وهذه هي بالضبط ‏الفرصة التي تجد إسرائيل نفسها أمامها". ‏
ماذا ستفعل بكل هذا الغاز؟
ورأت الصحيفة أن "التحدي الأساسي هو كيفية نقل الغاز من البحر ‏الأبيض المتوسط إلى أوروبا، حتى قبل بضع سنوات، بدا أن لدى ‏إسرائيل خطة واضحة تسمى خط أنابيب شرق البحر الأبيض ‏المتوسط (إيست ميد)، وهو مشروع طموح ومكلف من شأنه أن يربط ‏حقول الغاز بأوروبا القارية بالشراكة مع قبرص واليونان، لكن بعد ‏ذلك في كانون الثاني (يناير)، تراجعت إدارة بايدن عن الخطة، بسبب ‏العقبات الاقتصادية والبيئية. هنا دخلت تركيا على الخط، بعد الإعلان ‏عن أن واشنطن لم تعد تدعم "ايست ميد"، ادعى الرئيس التركي ‏رجب أردوغان أن الطريق الوحيد القابل لنقل الغاز إلى أوروبا هو ‏عبر تركيا".‏
وقال الرئيس التركي في ذلك الوقت: "إذا تم جلب الغاز الإسرائيلي ‏إلى أوروبا، فلن يتم ذلك إلاّ من خلال تركيا، هل هناك أي أمل الآن؟ ‏يمكننا الجلوس والتحدّث عن الظروف".‏
وأردفت الصحيفة: "وهناك خيار آخر يتمثل في التصدير إلى أوروبا ‏عبر محطتي تسييل حاليتين في مصر ثم شحنه إلى أوروبا حيث سيتم ‏تحويله مرة أخرى إلى غاز. وتتم أيضاً مناقشة منشأة غاز طبيعي ‏مسال عائم (‏FLNG‏) والتي ستسمح بالشحنات إلى أوروبا مباشرة من ‏إسرائيل".‏
وفي تقرير قُدِّم إلى كل من وزارة الخارجية الإسرائيلية والبرلمان ‏الأوروبي، خلصت مستشارة الغاز جينا كوهين إلى أن "مصر ستكون ‏أسرع طريق إلى أوروبا بينما تقدم ‏FLNG‏ الاستقلال عن أي دولة ‏عبور"، وقالت إن "خط الأنابيب المباشر سيوفر أرخص سعر ‏للمستهلك النهائي، لكن بناءه يستغرق سنوات"، بحسب الصحيفة ‏الاسرائيلية.‏
وقالت كوهين: "يجب على إسرائيل أن تتصرّف بأسرع ما يمكن ‏وتصبح مورداً مهماً للغاز إلى أوروبا لأن نافذة توقيع العقود لن تفتح ‏إلا لفترة محدودة".‏
اما جيف إيوينغ العضو المنتدب لوحدة أعمال شرق البحر الأبيض ‏المتوسط التابعة لشركة شيفرون فقال إن "ليفياثان قادرة على زيادة ‏إنتاجها بآبار جديدة، وإضافة مرافق على منصّة الحفر والبنية التحتية ‏الإضافية تحت سطح البحر، وإن فرق المشروع تعمل بالفعل على ‏وضع خيارات للشركة لتقديمها إلى إسرائيل".‏
وأضاف إوينغ: "نريد الاستفادة من المرفق إلى أقصى حد، نحتاج إلى ‏إمداد السوق المحلي وبعد ذلك نريد استخدام ما تبقى للتصدير".  ‏
 محادثات أوروبا
وأوردت الصحيفة أن الرجل الأساسي في المحادثات مع أوروبا ‏اليوم، هو مدير وزارة الطاقة الجنرال ليئور شيلات، رئيس معهد ‏القدس لبحوث السياسة سابقاً، وقبل ذلك بسنوات، كان مستشاراً ‏لرئيس الوزراء السابق أرييل شارون.‏
وتجري المحادثات على مستويات متعددة – على المستوى الوزاري ‏وبين الشركات والدول العميلة المحتملة – ولكن يقودها في الغالب ‏مجموعة عمل ثلاثية بين إسرائيل ومصر وأوروبا.‏
وقال شيلات إن "جزءاً من سبب التغيير في سياسة الحرار يعود إلى ‏التطورات في أوروبا. وفي المحادثات مع الأوروبيين، أصبح من ‏الواضح أنه بدون إمدادات غاز بديلة، ستحتاج أوروبا إلى العودة إلى ‏حرق الفحم، وهي خطوة من شأنها أن تكون ضارة للقارة وسيئة ‏للمناخ".‏
أضاف شيلات أن "سوق الغاز الإسرائيلي سوق "فتيّة"، فحقل "تمار" ‏عمره عشر سنوات فقط، و"ليفياثان" تنتج الغاز منذ عامين ونصف ‏ولم تصل كاريش بالأنبوب بعد".‏
وتابع: "هذه ميزة لأن صناعتنا يمكن أن تنمو ولدينا الكثير من ‏المشاريع لزيادة السعة".‏
وأوضحت "جيروزاليم بوست" أنه "على المدى القصير، تمضي ‏إسرائيل بالفعل في خططها لبناء خط أنابيب ثالث يمكنه نقل الغاز إلى ‏مصر عبر نيتسانا حالياً، ويتم نقل الغاز إلى مصر عبر أنبوبين – ‏أحدهما تحت الماء والآخر فوق الأرض عبر مستودع في الأردن".‏
وشرحت ان "الأنبوب الثالث سيمكّن إسرائيل من زيادة قدرتها، ‏بمجرد وصول الغاز إلى مصر، وسيتم تسييله في منشأتين مختلفتين ‏للغاز الطبيعي المسال، وتحميله على سفن شحن ثم إرساله إلى أوروبا ‏حيث يمكن تحويله مرة أخرى إلى غاز واستخدامه في الكهرباء".‏
ومضت قائلة: "على المدى الطويل، تتم مراجعة خيارات أخرى من ‏منشآت ‏FLNG‏ بالقرب من منصات الغاز إلى خط أنابيب ضخم ينقل ‏الغاز إلى أوروبا، مباشرة من البحر الأبيض المتوسط، المحادثات ‏جارية بين الحكومة والشركات التجارية حول هذه المقترحات ‏المختلفة".‏
وأوضح مصدر حكومي أن "السعة ستزداد بشكل كبير ويمكننا ‏مضاعفة ما نصدره بالفعل في غضون السنوات الأربع المقبلة. وهنا ‏تكمن المشكلة – هذه هي البنية التحتية الكبيرة التي تستغرق وقتاً للبناء ‏والعمل، فما تقرره إسرائيل اليوم لن يكون متاحاً إلا في بعد سنوات، ‏في غضون ذلك يكون اقترب فصل الشتاء بالنسبة لأوروبا وستزداد ‏احتياجات الطاقة بشكل كبير".‏