الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كيف تحول الأمل إلى ألمٍ لا ينتهي

كيف تحول الأمل إلى ألمٍ لا ينتهي

25.05.2019
رضوان زيادة


سوريا تي في
الخميس 23/5/2019
كان الأمل بنجاح الثورة السورية كبيراً جداً لدى السوريين، فالرهان على التخلص من نظام الإبادة (Genocidal regime)، متمثلا بنظام الأسد كان حلما يراود السوريين، كانوا يدركون أن التكلفة عالية لكن لم يكن لأحد أن يبلغ به الحلم أن الأسد سيدمر سوريا كما وعد شبيحته حقاً (الأسد أو نحرق البلد) فقد اعتقدوا أن ذلك تعبيراً مجازياً تحتاجه البلاغة العربية في شعاراتها خاصة الأيديولوجية منها، بيد أن الأسد نفّذ استراتيجيته في تحويل سوريا إلى دولة فاشلة تماماً عبر دمار بناها التحتية بشكل كامل وعبر استراتيجيته في تدمير كل مدينة أو بلدة أو قرية تمردت على شهوته المرضية في حكم سوريا بالعنف والقوة والإكراه مدى الحياة.
لكن مفاجأة السوريين كانت أكبر من تخاذل المجتمع الدولي الذي يعتقدون صادقين أنه تواطأ مع الأسد لترك سوريا تتحلل رويداً رويداً ويوما بعد يوم حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم. وهو ما شجع روسيا لتتدخل لصالح الأسد وتستخدم قوتها العسكرية بأكملها من أجل تدمير كل مدينة رفت لواء الحرية ضد الأسد يوما ما.
يشير تقرير البنك الدولي إلى أن أكثر من 85 بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر وهم يعتمدون كلياً على المساعدات الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة أو الهيئات الخيرية الدولية
واصطفت الطوابير مجدداً من أجل الحصول على البنزين الذي فُقد تماما من محطات الوقود وشوهدت عربات الحيوانات التي تنقل الركاب بسبب فقدان مادة البنزين بشكل شبه تام، أما الحاجات الأساسية كمياه الشرب والكهرباء والمدارس وغيرها فتبقى معدومة نهائيا داخل المدن التي اصطفت يوما ما مع المعارضة وتعرضت لدمار شبه كامل في كل أبنيتها ومبانيها وبناها التحتية كداريا والمعضمية ومدن الريف الدمشقي وأحياء كاملة في حمص وحلب حيث لم يعد أياً من ساكنيها لغياب الأمان أولا وثانيا لانعدام الموارد كليا عن إعادة إعمار هذه المدن التي دمرها النظام السوري بمروحياته وطائراته وصواريخه وأكمل المهمة فيما بعد الطيران الروسي الذي حول مدنا كحلب ودوما وحرستا إلى مكب كبير للنفايات حيث الانعدام الكامل للقدرة على رفع الأنقاض بسبب كبر حجمها وانعدام الموارد الضرورية للقيام بذلك.
في نفس الوقت يبدو حلفاء النظام الرئيسيون، روسيا وإيران، غير مستعدين لمساعدة النظام السوري في الخروج من محنته، فهم يعرفون أولا أن التكلفة تفوق قدرتهم لا سيما أن الاقتصاد الإيراني اليوم يخضع لضغوط غير مسبوقة مع سياسة تصفير الصادرات الإيرانية التي أعلن عنها الرئيس الأميركي ترمب وهو ما انعكس في زيادة التضخم وارتفاع سعر الريال الإيراني مقارنة بالدولار إلى مستويات مسبوقة (وصل الدولار إلى 42 ألف ريال إيراني) وهو ما رافقه في ارتفاع الأسعار للمواد الأساسية كالغذاء والمحروقات، كل يذلك يؤكد أن إيران لن تكون في وارد مساعدة النظام السوري في محنته الاقتصادية اليوم التي لا يبدو أن هناك أفقاً للخروج منها فالعقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية تزداد شهرا بعد شهر والخزينة السورية شبه خاوية تماما من اية أرصدة أجنبية بعد استنفاد كل الاحتياطي في تمويل الحرب ضد الشعب السوري خلال السنوات الماضية، وهو نفسه النظام الذي لا يعتبر نفسه أنه يخضع للمساءلة أو المحاسبة أمام السوريين بسبب هذه السياسات التي قادت سوريا إلى أن تكون دولة فاشلة كما هي اليوم بكل معنى الكلمة.
هذه سوريا اليوم، يبدو مستقبلها غامضاً جداً بعد أن كان الأمل أن تفتح لها الثورة السورية تاريخا مختلفا ومستقبلا يعكس إرادة السوريين ورغباتهم وآمالهم، لكن قرار الأسد في رفض التغيير الذي أراده السوريون قاد سوريا إلى مؤخرة دول العالم في كل المؤشرات والتقارير الدولية خاصة تلك المتعلقة بها بالأمن أو الصحة العامة أو النمو الاقتصادي أو التعليم، ولا تتفوق إلا في كونها الدولية الأكبر بعدد اللاجئين حول العالم حيث فاق عدد لاجئيها عدد اللاجئين الفلسطينيين بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948.
كشفت الثورة السورية على مدى السنوات الثماني الماضية كيف تطورت الأمور في سوريا وكيف تحولت الثورة السورية من أمل كبير يفخر به السوريين إلى ألم لا ينتهي يعيشه السوريون كل يوم في داخل سوريا حيث فوضى الأمن وهاجس الخوف الذي استطاعت دولة المخابرات تعزيزه وحيث المعتقلون السوريين بالآلاف يموتون تحت التعذيب كل يوم دون أن يكون في قدرة أي شخص أو دولة أو منظمة على مساعدتهم، فنظام الإبادة حر في إبادة السوريين كما يشاء بالسلاح الكيماوي أو القصف بالمدافع والرشاشات الثقيلة أو الصواريخ طويلة المدى أو البراميل المتفجرة أو بالحصار حتى الموت من الجوع، كل ذلك وغيره من وسائل القتل التي سخرها الأسد اليوم لقتل السوريين وتصفيتهم، حيث لا رادع قانوني أو أخلاقي أو سياسي من أي نوع، يشعر بالطمأنينة كلما قتل أكثر وتخلص من معارضيه فرادى وجماعات، ولا يشعر أن جزءا من هذا العالم الذي تحكمه اليوم مفاهيم حقوق الإنسان العالمية ومعايير المحاسبة الدولية.