الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كيف بدأت إيران تخسر إقليميّاً بفعل سياسة ترامب وأخطائها معاً؟  

كيف بدأت إيران تخسر إقليميّاً بفعل سياسة ترامب وأخطائها معاً؟  

17.10.2020
جورج عيسى



"النهار" 
الخميس 15/10/2020 
لا تنتظر #إيران نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركيّة من أجل معرفة آفاق رفع العقوبات عنها وحسب. فالمسألة غير متعلّقة بالمشاكل الداخليّة كانهيار العملة وانكماش الاقتصاد والتضخّم فقط. يرتبط رفع العقوبات بالقضيّة الأهمّ لنظام "ثوريّ" اهتمّ منذ نشأته بتصدير الثورة إلى دول الجوار: النفوذ الإقليميّ. 
منذ إطاحة صدّام حسين سنة 2003، استطاعت إيران تعزيز نفوذها أكثر في المنطقة عبر دعم وكلائها ماليّاً وعسكريّاً. حين كان الرئيس الأميركيّ الأسبق جورج بوش الابن يسعى إلى بناء عراق أميركيّ التوجّه، حصل العكس مع انضمام البلاد إلى محور إيران. وساهم الرئيس السابق باراك أوباما في تعزيز النفوذ الإيرانيّ إقليميّاً، أوّلاً حين رفض قلب الموازين خلال الحرب السوريّة خصوصاً عندما أتيح له ذلك بعد استخدام سوريا السلاح الكيميائيّ في الغوطة، وثانياً، عندما أغدق الاتّفاق النوويّ الذي رعته تلك الإدارة أكثر من 150 مليار دولار على #طهران سرعان ما استخدمتها مجدّداً لإعادة تمويل وكلائها. غير أنّ دخول قطب العقارات دونالد #ترامب البيت الأبيض كان من شأنه قلب الكثير من المقاييس، إن لم يكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. 
حين "تغيّرت الحسابات الإقليميّة" 
هذا ما يُستشفّ من دراسة حديثة لـ"معهد لوي" الأوستراليّ الذي أشار إلى أنّ النفوذ الإيرانيّ الإقليميّ يتراجع. تزامن ذلك مع اشتداد العقوبات، والأهمّ، مع اغتيال قائد "قوة القدس" قاسم سليماني ممّا أدّى إلى "تغيّر الحسابات الإقليميّة". ويتمتّع رئيس الوزراء العراقيّ مصطفى الكاظمي بعلاقة إيجابيّة مع البيت الأبيض وقد استقبله ترامب في آب الماضي، وهو لم يوقف محاولته الحدّ من تأثير وكلاء إيران في العراق. ولم يبقَ سوى سوريا كمكان وحيد بإمكان إيران "رؤية وجه ودّيّ" فيه، غير أنّها بالمقابل تحلّ في المرتبة الثانية من حيث النفوذ بعد الروس. 
وقبلت طهران بمطالب أمميّة تقضي بالسماح لمفتّشي الأمم المتّحدة بدخول منشأتين عسكريّتين لضمان امتثالها للاتّفاق النوويّ، فيما يتلقّى "حزب الله" انتقادات متزايدة بعد انفجار الرابع من آب وفقاً للمعهد نفسه. ويضيف أنّ المشاكل الداخليّة المتزايدة قد تدفع إيران إلى التركيز عليها عوضاً عن صبّ جهودها على أهدافها الإقليميّة. 
المعضلة الأبرز 
كان للحرب العراقيّة-الإيرانيّة دورٌ أساسيّ في دفع طهران إلى الاعتماد على الوكلاء في المنطقة لأنّ ذلك يبعد خطر الحرب المباشرة عن أراضيها كما يؤمّن لها القدرة على إنكار مسؤوليّتها عن الهجمات التي تُشنّ في الخارج عبرهم. وبات البعض يتّهم اليوم تركيا بأنّها تستخدم الأسلوب نفسه عبر إرسال المرتزقة إلى ميادين القتال خصوصاً في ليبيا وناغورنو قره باغ. لكن لهذا الأسلوب حدوده. فبوجود الصحافة الاستقصائيّة بات بالإمكان كشف عمل الوكلاء والمرتزقة بسرعة، الأمر الذي يحوّل هؤلاء إلى "واجهة عدوانيّة" تصعّب على الدول التي ترعاها توقّع مزايا طويلة الأم وفقاً للمعهد. 
ويظهر بحث آخر ضمن "معهد بروكينغز" أنّ شبكة وكلاء إيران المسلّحين قد تكون أهمّ قدرة ردع ودفاع لدى طهران وربّما تكون أداة ضروريّة لتعويض العزلة الدائمة التي تشهدها الأخيرة بدءاً من الثمانينات. يطرح هذا التحليل تساؤلات عمّا إذا كان بإمكان إيران فعلاً الانصراف إلى حلّ المشاكل الداخليّة على حساب الاهتمام بتمويل شبكة الوكلاء هذه، أو على الأقلّ، إيجاد حدّ أدنى من التوازن بين سياستيها الداخليّة والخارجيّة. هذه هي المعضلة الأبرز التي قد تجد إيران نفسها في مواجهتها حتى لو فاز المرشّح الديموقراطيّ جو #بايدن. فعدا عن أنّ الأخير وصف سلوك إيران الإقليميّ بـ"المزعزع للاستقرار"، سيتوجّب عليه اجتياز عقبات جمّة للانفتاح على طهران. 
ترامب لن يسهّل عليه مهمّته 
إنّ مراكمة إدارة ترامب للعقوبات على مدى الأشهر والسنوات الماضية يعرقل مهمّة مدّ الخطوط مع إيران في حال فوزه بالانتخابات واتّباعه سياسة ليّنة معها. هذا ما يذهب إليه الباحث البارز غير المقيم في "المجلس الأطلسيّ" والمستشار السابق لمدير مكتب مراقبة الأصول الأجنبيّة في وزارة الخزانة (أوفاك) براين أوتول. 
فالعقوبات الأخيرة التي فرضها ترامب الخميس الماضي على 18 بنكاً إيرانيّاً بارزاً ستصعّب على بايدن التفاوض مع إيران، حتى أنّ الباحث استبعد أن يجلس الكونغرس مكتوف الأيدي في حال قرّر بايدن رفع العقوبات المرتبطة بالإرهاب والتي يراها "مبرّرة بشكل كامل". وبعدما كتب أنّ إدارة كلينتون كانت ستعتمد هذه العقوبات لو فازت بالرئاسة سنة 2016، ذكر أنّ استراتيجيّة ترامب قد تعمل بشكل جيّد في تقييد بايدن الذي يريد "بوضوح دفع الوضع إلى الاستقرار في إيران". 
هل من يتذكّر "مبادرة هرمز للسلام"؟ 
حاولت طهران اتّباع سياسة جديدة في المنطقة قائمة على التعاون مع دول #الخليج العربيّ من أجل إحلال الأمن الإقليميّ وفقاً لـ"مبادرة هرمز للسلام" سنة 2019. لم تفشل المبادرة في اكتساب الموافقة الخليجيّة عليها وحسب، بل شهدت المنطقة عكس ما كانت تروّج له من تعاون إيرانيّ-خليجيّ. وكتب الصحافيّ الإيرانيّ رضا ويسي أنّه قبل سنة، وجد القادة الإيرانيّون بلادهم في قوّة تصاعديّة في سوريا والعراق ولبنان واليمن ووصلت إلى غزّة وهاجمت "أرامكو". 
وأضاف في "معهد الشرق الأوسط" أنّ الوضع تغيّر اليوم، إذ إنّ عمليّات التطبيع في المنطقة تظهر أنّ الدول العربيّة تعتمد تعاوناً سياسيّاً وأمنيّاً واقتصاديّاً مع إسرائيل لا مع إيران. والدعم العسكريّ الأميركيّ لدول الخليج يجعل احتمال التحرّك العسكريّ الإيرانيّ الفعّال ضدّها قريباً من الصفر، كما أنّ تحرّكاً كهذا سيوحّد العرب ضدّ إيران. وبما أنّ اقتصادها ضعيف، تابع ويسي، ليست إيران في وارد الضغط على جيرانها العرب. 
لامَ ويسي جزئيّاً أخطاء إيران التي أوصلتها إلى الواقع الجديد. وتناسب ذلك مع ما توصّلت إليه دراسة "لوي" عن آثار "الواجهة العدوانيّة". لكن لسياسة ترامب أثرها أيضاً في قلب موازين القوى. فهل يوفّر فوز بايدن المحتمل فرصة لإعادة القطار الإيرانيّ إلى سكّته الأساسيّة؟ أم أنّ الأضرار التي تكبّدتها وتتكبّدها إيران ذات طبيعة مستدامة؟