الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "كورونا في سوريا".. لماذا ينفي نظام الأسد وجوده؟

"كورونا في سوريا".. لماذا ينفي نظام الأسد وجوده؟

21.03.2020
الخليج أونلاين


لندن - الخليج أونلاين
الخميس 19/3/2020
الإنكار، هو المعيار الأساس الذي يعتاش عليه النظام السوري منذ أن تأسس بعد انقلاب 1970 وحتى الآن، ويُتهم النظام باستخدامه مع الجميع وفي كل الظروف، خصوصاً في أثناء الثورة التي اندلعت بالبلاد قبل تسع سنوات؛ وواجهها بآلته العسكرية، وهو ما خلّف مئات الآلاف من القتلى والجرحى وملايين اللاجئين، وتدمير مدن ومحافظات بأكملها.
وفي ظل انتشار فيروس كورونا بالعالم، وإعلانه وباءً عالمياً وتصنيفه باعتباره "جائحة"، ما زال النظام يؤكد عدم تسجيل أي إصابات بالفيروس في البلاد، إلا أن كثيراً من المؤشرات تؤكد انتشار الفيروس وبشكل كبير.
ولا يُعرف السبب الأساسي وراء التكتم على وجود إصابات بالفيروس في بلدٍ يعاني نظامه الصحي ضعفاً كبيراً، خصوصاً بعد الحرب التي ما زالت جارية في البلاد، وامتلاء المستشفيات، على مدار 9 سنوات، بملايين الجرحى والمصابين.
هل يوجد "كورونا" في سوريا؟
وكان مستغرباً للغاية عدم تسجيل أي حالات إصابة بالفيروس حتى الآن في كل المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد، رغم انتشاره بشكل كبير في العالم، والإعلان عنه في جميع الدول المحيطة بسوريا، فقد سُجلت حالات إصابة في لبنان والأردن والعراق وفلسطين المحتلة، ودولة الاحتلال الإسرائيلي وتركيا.
كما أن إيران، التي انطلق منها الفيروس إلى أغلب الدول العربية، تتمتع بعلاقات قوية مع نظام الأسد بحكم الدعم العسكري الذي تقدمه للنظام، وعدم انقطاع رحلات الطيران اليومية بين طهران ودمشق رغم حجم الإصابات الهائل والوفيات في إيران، وقطع كل دول العالم الرحلات معها.
النظام السوري تنَّبه إلى الأمر في 8 مارس الجاري، أي بعد نحو عشرين يوماً على إعلان الإصابات وتفشي الفيروس في عموم المحافظات الإيرانية، وقرر وقف الرحلات الجوية مع إيران.
وكان أول مؤشرات ظهور الفيروس في سوريا، انتشار خبر اعتقال النظام للدكتور سامر الخضر مدير مستشفى "المجتهد" بدمشق؛ على خلفية تصريحه بظهور أول إصابة بـ"كورونا" في المشفى الذي يديره؛ وتم إجباره بعدها على الظهور على وسائل الإعلام الحكومية لينفي الخبر، ويبرر ما نشره سابقاً عن الموضوع بأنه كان مجرد اشتباه في إصابة أحد المرضى بـ"كورونا"، ولكنه أخطأ في التشخيص.
وفي بداية مارس الجاري، تم إرجاع حافلة سورية مليئة بالركاب كانت متوجهة إلى لبنان عن طريق معبر المصنع الحدودي؛ وذلك للاشتباه في إصابة راكبة ضمن الحافلة بالفيروس، بحسب صحيفة "المدن" اللبنانية.
وعلى الرغم من انتشار الخبر، فإن وزارة الصحة السورية لم تتخذ أي إجراءات لفحص ركاب تلك الحافلة والتحقق من سلامتهم، وإنما عادوا من الحدود السورية بشكل طبيعي، دون أي تدابير وقائية تُذكر.
وفي 9 مارس الجاري، أعلنت سلطات إقليم "السند" الصحية بالجنوب الباكستاني، عن اكتشاف الفيروس في 9 من الواصلين جواً على مراحل إلى كراتشي، بينهم 6 جاؤوا من سوريا، بحسب صحيفة The News International المحلية.
وتوجد في سوريا مليشيات باكستانية وأفغانية وعراقية شيعية، وهو ما يرجح وجود إصابات في صفوف عناصرها، بسبب استمرارهم في التنقل والسفر، وعدم خضوعهم لأي إجراءات احترازية.
وفي هذا السياق، أكّد المرصد السوري لحقوق الإنسان في (15 مارس 2020)، وجود عشرات الإصابات بـ"كورونا" في محافظات سورية عديدة، لافتاً إلى وجود إصابات بين بعض عناصر المليشيات الإيرانية.
إلا أن الأمر الذي ينبئ بوضع خطير في البلاد، هو الإعلان عن حالتي وفاة لشخصين مشتبه في إصابتهما بفيروس كورونا في مستشفى "الحوراني" بمدينة حماة وسط سوريا، أحدهما يبلغ 70 عاماً والثاني يبلغ 55 عاماً، حيث أُرسلت عينات منهما لتحليلها في دمشق، لكنهما توفيا قبل صدور النتائج.
وأوضح مصدران لوكالة "سمارت" المحلية، أن سبب الوفاة هو التهابات رئوية حادة، ولفتا إلى أنَّ العاملين في المستشفى ممنوعون من التصريح بوفاة المرضى بالفيروس.
وقال الطبيب السوري زياد رملاوي: إنه "بالتأكيد توجد حالات إصابة بفيروس كورونا، إلا أن النظام يخفي ذلك، حيث إنه لا تهمه حياة الناس موالاة قبل معارضة، وليست لديه رغبة في إنفاق المال لمواجهة مثل هذه الأزمة".
وأضاف رملاوي في حديث مع "الخليج أونلاين"، أن انتشار الفيروس في سوريا سيؤدي إلى إرهاق كثير من الأرواح، لافتاً إلى أن مرضى العناية المركزة في مشفى تشرين بدمشق والموضوعين على أجهزة التنفس الصناعي يتم قتلهم بفصلهم عن جهاز التنفس في أي لحظة؛ للتوفير!".
مثير للسخرية
وأثار النظام السخرية والجدل بالأوساط السورية، بسبب طريقة إدارته لأزمة "كورونا" غير الموجود في البلاد، بحسب وصفه.
فقد عقَّمت شركة النقل الداخلي الحكومية عشرات الحافلات العامة التابعة لها، عن طريق موظفين انتشرت لهم صور على مواقع التواصل، حيث كانوا يرتدون ثياباً غير مرتبطة بالتعامل مع الأمراض، إنما لها علاقة برواد الفضاء، أو تلك التي تظهر في أفلام الخيال العلمي.
وعقّم أصحاب الزي الغريب الباصات بأدوات تُستخدم عادة في رش المبيدات الحشرية على الأشجار والنباتات المزروعة في الحقول.
وسبق ذلك إصدار حكومة الأسد قراراً يقضي بتعطيل الدراسة في المدارس والجامعات والمعاهد كافة، حتى بداية شهر أبريل القادم، من ضمن ما وصفها بحزمة إجراءات لمكافحة تفشي كورونا.
وأعلنت وزارة الصحة أيضاً إغلاق جميع المطاعم والمقاهي؛ خشية وقوع إصابات بالفيروس غير الموجود في البلاد.
ومع إصرار نظام الأسد على عدم وجود مصابين بالفيروس، يبرز تأكيد منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن المعتقلين والنازحين في سوريا أكثر عرضة للإصابة فيروس كورونا.
وقالت المنظمة في تقرير صدر في (16 مارس 2020): "مع إعلان جميع جيران سوريا عن حالات إصابة، تصرُّ حكومة الأسد على عدم وجود أي حالة. من الواضح كم سيكون كارثياً لو سُجِّلت إصابة واحدة فقط في السجون السورية المكتظة".
وطالبت بالضغط الأممي على النظام بشكل عاجل؛ للوصول إلى مرافق الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية؛ لتزويد المعتقلين بمساعدات تنقذ حياتهم، لافتةً إلى أن حكومة الأسد بالتأكيد لن تفعل ذلك.
عبد الرحمن عبّارة، الباحث السياسي السوري، قال لـ"الخليج أونلاين": "لا شك في أن استمرار النظام السوري في العمل بسياسة المعابر المفتوحة بين سوريا والعراق ولبنان وإيران، يجعل من المرجح انتشار فيروس كورونا المستجد في المناطق التي يسيطر عليها، خصوصاً أن إيران تُعتبر من الدول التي انتشر فيها الوباء بصورة كبيرة جداً".
وأضاف "عبّارة": "منذ عام 1970، اعتمد النظام السوري على سياسة التعتيم الإعلامي تجاه كل ما يتعلق بالأوضاع الداخلية، سواء كانت أمنية أو اقتصادية أو اجتماعية أو صحية"، معتبراً حديث أي سوري عن ذلك حتى وإن كان صحيحاً، مساساً بأمن الدولة ويعرّضه للاعتقال التعسفي والأحكام العرفية، والتهمة: بث الشائعات بهدف وهن نفسيَّة الأمة!"، كما قال.
وشدد على أنه "من المُسلّم به أن النظام الأمني بسوريا يتدخل في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بحياة السوريين، حتى إنه يتدخل في أخبار الطقس فيتلاعب بها؛ ومن ثم لن يسمح لأي قطاع صحي في مناطقه بالإعلان عن تفشي وباء كورونا، وفي حال أعلن عن وجود حالات فإنه لن يكشف عن الأرقام الحقيقية، وسيعمد إلى التلاعب بأعداد المصابين والقتلى، وهو ما يعني أن الأرقام الحقيقية أضعاف ما أعلن عنه بعشرات المرات".
كما اعتبر "عبّارة" أن "مماطلة النظام السوري في التصدي المبكر لتفشي وباء كورونا تعني خطورة انتشاره في غضون أيامٍ قليلة، على نطاق واسع بين فئات المجتمع السوري، وإذا استمر النظام في تجاهل الجائحة العالمية وعدم التعامل معها بجدية، فقد نكون في سوريا على موعد مع كارثة صحيّة بحجم ما أصاب الصين"، مستدركاً: "مع الفارق أن في الصين توجد دولة وقدرات بشرية وإمكانات تقنية ومالية ساعدتها على تطويق الوباء في مدة قياسية، عكس المشهد السوري، حيث لا توجد دولة وإنما بضع دوائر حكومية لا تملك الإمكانات البشرية ولا المالية لمواجهة جائحة عالمية مثل فيروس كورونا".
مناطق خارج سيطرة النظام
وفي إطار غياب النظام عن عديد من المدن والقرى السورية بالشمال السوري، تبقى معرفة ما يجري فيها أسهل؛ لعدم سيطرة أي جهة على وسائل الإعلام والمراسلين فيها.
وبحكم عدم وجود مطارات ومعابر حدودية كثيرة إلا مع تركيا في المناطق المحررة (مثل إدلب وريف حلب الشمالي، تسيطر عليهما المعارضة المسلحة)، يبقى الوضع بخطورةٍ أقل مما يجري في دمشق وغيرها من المدن التي كانت مفتوحة طيلة الفترة الماضية.
ونفى الدكتور منذر خليل، مدير "صحة إدلب"، تسجيل أي إصابة بفيروس كورونا في شمال غربي سوريا، يوم الثلاثاء (17 مارس 2020)، مؤكداً في بيانٍ أن تأكيد أي حالة إصابة -لو وُجدت- سيكون بتصريح رسمي.
كما أعلنت الحكومة السورية المؤقتة (معارضة)، في 15 مارس الجاري، أنها ستفتح 3 مراكز للحجر الصحي شمالي سوريا بدعم تركي، في إطار التدابير الوقائية ضد فيروس كورونا.
إدلب
ودعم ذلك تصريحُ ريك برينان، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، بأن المنظمة ستبدأ، في وقت لاحق من هذا الأسبوع، إجراء اختبارات للكشف عن فيروس كورونا بشمال غربي سوريا الذي تسيطر عليه المعارضة، وتابع: "نأمل أن تكون لدينا الأجهزة ومعدات الاختبار حتى نتمكن من بدء الاختبارات.. نشعر بقلق بالغ، وكل الدول المحيطة لديها حالات موثقة".