الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كوباني التي قلبت معادلات راسخة

كوباني التي قلبت معادلات راسخة

25.10.2014
بكر صدقي



القدس العربي
الخميس 23-10-2014
تتحدث مصادر غربية عن وجود عناصر من شركة بلاك ووتر ("أكاديميا" باسمها الجديد) الأمريكية سيئة الصيت، في كوباني التي تدور فيها حرب شوارع بين قوات حماية الشعب ومقاتلين من الجيش الحر من جهة، ومقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من جهة أخرى. وتضيف تلك المعلومات أن تلك العناصر تقوم بتدريب القوات المدافعة عن كوباني على السلاح الأمريكي، وبمهمات استخبارية تتعلق بتزويد المقاتلات الأمريكية بإحداثيات مواقع داعش على الأرض.
يضاف هذا التطور، إذا صحت المعلومات المذكورة، إلى إعلان الإدارة الأمريكية بصراحة عن وجود اتصالات سياسية بينها وبين حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD) الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، وعن الاتفاق مع أنقرة على فتح كوريدور لمرور مقاتلي "البيشمركة السوريين" الذين تم تدريبهم، خلال السنوات الماضية، في إقليم كردستان تحت إشراف بيشمركة بارزاني، إلى كوباني عبر الأراضي التركية؛ فضلاً عن وصول أسلحة وذخائر أمريكية، مصدرها اقليم كردستان، إلى كوباني على متن الطائرات الأمريكية التي ألقتها بالمظلات فوق البلدة الكردية.. ليرسم لنا مجموع هذه التطورات مشهداً ما كان يمكن تخيله قبل أيام قليلة.
لقد حقق الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني الاختراق الدبلوماسي الصعب الذي طالما حلم به مع الولايات المتحدة، هو الذي كان منبوذاً بوصفه على صلة وثيقة بمنظمة على قائمة الإرهاب الأمريكية والقوائم المماثلة لدى الحكومات الأوروبية، أعني حزب العمال الكردستاني (تركيا) الذي يقبع زعيمه في سجن معزول على جزيرة في عرض البحر.
من جهة أخرى، تكللت اجتماعات مدينة دهوك التي جمعت الخصمين اللدودين، حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي في سوريا المدعوم من بارزاني، تحت رعاية هذا الأخير، باتفاقات تسرب منها تشكيل قوة عسكرية مشتركة من التيارين المتخاصمين في الحركة السياسية الكردية في سوريا. الأمر الذي سيسمح، للمرة الأولى، بإدخال عناصر البيشمركة الكرد السوريين إلى كوباني المحاصرة أولاً، لمساندة قوات حماية الشعب المدافعة عن المدينة. وبهذا الصدد وافقت الحكومة التركية، بعد تمنع طويل، على فتح الكوريدور لدخول التعزيزات الكردية من إقليم كردستان شمال العراق إلى كوباني عبر الأراضي التركية. هذا ما كانه مطلب المحتجين الكرد الذين أطلقوا موجة عنيفة من الاحتجاجات في عدد من المدن التركية، قبل أسبوعين، ولم تستجب الحكومة لمطالبهم، بل واجهتهم بتصعيد في العنف والخطاب المتشدد معاً.
لكن تدخل الرئيس الأمريكي باراك أوباما، من خلال اتصال هاتفي مع الرئيس التركي أردوغان يوم الأحد، دفع هذا الأخير إلى المرونة والقبول بما كان رفضه تحت ضغط الشارع الكردي في الداخل.
ربما للتغطية على هذا التراجع الاضطراري، عاد الرئيس التركي إلى تصعيد انتقاداته للولايات المتحدة حول إيصال السلاح والذخيرة إلى القوات الكردية المدافعة عن كوباني. فهذا النقد المتأخر عن الفعل الأمريكي لن يغير شيئاً.
وفي مواجهة الاحتجاجات الكردية المذكورة أعلاه، كانت الحكومة التركية قد لجأت إلى عبد الله أوجلان الذي وحده يملك سلطة معنوية قوية على الشارع الكردي من شأنها المساهمة في تهدئة الوضع. وهذا ما حدث، بناء على وعود من الحكومة بتسريع الخطوات في مسار مفاوضات الحل السياسي السلمي بين الجانبين الحكومي والكردي. حكومة داوود أوغلو المحاصرة بضغوط أمريكية كبيرة جداً لدفعها إلى المساهمة الفعالة في الحرب على داعش، في إطار التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، ما كان لها أن تتحمل انفجار الشارع الكردي في وجهها بسبب سياستها السلبية تجاه مأساة كوباني. وهكذا جمع رئيس الوزراء داوود أوغلو لجنة الحكماء المشكلة منذ بداية الحل السياسي، في مقره في قصر دولمة بهتشة في اسطنبول، لتبادل الرأي حول التحديات التي تواجه الحكومة والحل السلمي معاً. استمر الاجتماع 11 ساعة كاملة تحدث خلالها كل أعضاء لجنة الحكماء المؤلفة من أكاديميين وكتاب وصحافيين وفنانين ومثقفين من مختلف المشارب. وكان الميل العام، وفقاً لشخصيات شاركت في الاجتماع، هو نحو التهدئة في الداخل وتحكيم العقل بدلاً من العواطف، والتمسك بالحل السلمي. وهذا ما تقاطع أيضاً مع الرسالة الأسبوعية التي يوجهها أوجلان من سجنه إلى الرأي العام.
تبدو الحصائل، إلى الآن، لمصلحة اللاعب الكردي عبر الاقليم، سواء التيار البارزاني في العراق وسوريا أو التيار الأوجالاني في تركيا وسوريا. وربما هذا ما سهَّل الاتفاق بينهما بعد مباحثات طويلة ومضنية في دهوك، شارك فيها مستشارون أمريكيون من مجلس الأمن القومي. حتى نظام الأسد الكيماوي لم يشأ أن يفوت الفرصة، فصرح وزير إعلامه بأن نظامه لم يتخلّ عن عين العرب وزعم أنه قدم لهم مساعدات عسكرية، في محاولة جديدة لمغازلة الأمريكان بالقول إنهما في صف واحد في محاربة داعش.
تبدو تركيا، بالمقابل، الخاسر الأكبر أمام حجم التحديات غير المسبوقة في الداخل والخارج. والحال أنه يمكنها تحويل هذا الوضع إلى فرصة إيجابية إذا مضت قدماً، كما وعد داوود أوغلو لجنة الحكماء، في مسار الحل السلمي, وبدلاً من الضغط على صالح مسلم ليقطع علاقاته بنظام الأسد، يمكنها كسبه إلى جانبها – بمساعدة من أوجالان نفسه – ليصبح التموضع الجديد لحزب الاتحاد الديمقراطي، بعدما بات مقبولاً لدى أمريكا، تحصيل حاصل.
٭ كاتب سوري