الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كلمة السر في التوتر الأمريكي الإيراني

كلمة السر في التوتر الأمريكي الإيراني

09.01.2020
عباس شريفة



نداء سوريا
الاربعاء 8/1/2020
نطالع الكثير من المنشورات التي تفسر قيام الولايات المتحدة بعملية استهداف كل من أبي مهدي المهندس نائب قائد الحشد الشعبي العراقي، واللواء قاسم سليماني قائد لواء القدس في عملية نوعية انتهت بقتلهما مع عدد من مرافقتهما، على أنه مؤامرة أمريكية إيرانية للتخلص من شخصية تم استهلاكها تماماً من إيران وتمتلك أرشيفاً مرعباً عن أسرار العلاقات والتعاون الأمريكي الإيراني في ملفات أمنية تخص المنطقة، وأن إيران استفادت من حادثة مقتل سليماني من عدة وجوه في :
- توحيد الجبهة الداخلية الإيرانية ونهاية الاحتجاجات الشعبية.
- التضييق أكثر على الثورة العراقية وتحويلها لساحة مواجهة أمريكية-عراقية.
- فرص أكبر للتفاوض والمناورة.
- فرص أكبر لاستهداف الدول المحيطة دون الخوف من الرد الأمريكي.
فهل هذا التفسير صحيح ؟
والحقيقة أن هنا لا أنفي أن تكون إيران حققت بعض الفوائد من خلال الاستثمار بالخسائر وإدارتها، وهذا شأن كل الساسة في العالم الذين يحسنون استثمار الاستهداف الخارجي لتقوية الجبهات الداخلية المزعزعة.
لكن هل يعني ذلك وهل يشير هذا الأمر إلى أن إيران فعلاً هي جزء من صناعة الحدث (مقتل سليماني وأبو مهدي المهندس) قطعاً لا.
بالمقابل هناك من يريد أن يقول لي إذاً أنت تعتقد أن الولايات المتحدة وإيران أعداء.
أيضاً الحكم ليس كذلك فأمريكا وإيران ليستا أعداء لدرجة العداء الصفري وليستا حلفاء لدرجة التحالف الإستراتيجي.
وهنا حتى نفهم طبيعة العلاقة الإيرانية الأمريكية لا بد من فهم سياسة الولايات المتحدة في الاحتواء ولا بد من التمييز بين الصراع مع الولايات المتحدة والصراع على الولايات المتحدة.
فإيران لا تصارع الولايات المتحدة مصارعة أنداد، ولن تستطع أن تدخل في صراع من هذا النوع مع الولايات المتحدة للفارق الكبير بالقوة والذي تدركه إيران تماماً، وإنما تريد الدخول في صراع من داخل الولايات المتحدة .
وهذه الفكرة يفهمها من يدرك طبيعة عمل لوبيات الضغط والقوى الإعلامية ومراكز صنع القرار داخل الولايات المتحدة والتي تستثمر فيها الكثير من الدول للتأثير على صانع القرار في داخل مؤسسات الإدارة الأمريكية وهو الأمر الذي أتقنت إيران لعبه خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي بارك أوباما عندما استخلصت التوقيع على الاتفاق النووي بشروط لم تكن تحلم بها إيران، هذا الاتفاق الذي لم يستطع اللوبي الإسرائيلي أن يوقفه رغم إنفاقه ملايين الدولارات في حملة إعلامية مركزة ضد الاتفاق.
بمعنى أن صراع إيران اليوم هو مع شخص وإدارة الرئيس ترامب بالتحديد مع ترامب الذي اتجه في سياساته إلى منحى تأثير اللوبي الإسرائيلي والإماراتي السعودي في محاصرة إيران .
وابتعد لحد كبير عن الخط الذي كان ينتهجه الرئيس الأمريكي السابق بارك أوباما الذي قدم لإيران هدية ما كانت لتحلم بها من خلال الاتفاق النووي الذي أعطى لإيران الإذن بالتمدد في المنطقة مع رفع الحصار الكامل مقابل الاتفاق النووي.
وهو الذي انقلب عليه ترامب عندما ألغى الاتفاق النووي مع إيران مع الإصرار على منع إيران من التمدد في المنطقة ومنعها من استكمال أحلامها النووية.
وهو الأمر الذي خنق إيران تماماً ودفعها للبحث عن مواجهة غير مباشرة مع الولايات المتحدة وتأليب الرأي العام الأمريكي على الرئيس ترامب الذي يستعد لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة.
وهو ما يرجح مصداقية الرواية التي قدمتها المخابرات الأمريكية أن عملية قتل سليماني كانت عملية دفاعية وقائية أكثر منها هجومية ولو تأخرت فإن سليماني كان يخطط من خلال أذرع إيران للهجوم على أهداف أمريكية في العراق والتي لو تمت فستحقق إيران منها هدفين.
الأول: خفض شعبية الرئيس ترامب عند الناخب الأمريكي الذي لم يستطع حفظ حياة وسلامة الجنود الأمريكيين في العراق، وهو ما يعني تقليل حظوظه المرتفعة الآن من الفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة، والعودة للتفاهم مع إدارة ديمقراطية تعود بها إلى نفس الاتفاق الذي أبرمته مع إدارة أوباما، وهو أمر يشير له كمية المعارضة من الأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس لسياسة الرئيس ترامب ضد إيران.
والثاني: وهو تابع ونتيجة للأول أن يدفع استهداف الجنود الأمريكيين بإدارة ترامب وتحت الضغط الشعبي والحاجة لإرضاء الناخب الأمريكي إلى أن تسحب الولايات المتحدة قواتها من المنطقة والتي بوجودها تعيق عملية التمدد الإيراني واستثمار حربها في سوريا والعراق على وجه التحديد.
وهذا التفسير قد يساعدنا على تنبؤ واستشراف طبيعة الرد الإيراني القادم على العملية الأمريكية وهو في ظني سيأخذ مسارات متعددة:
1ـ وضع المتابعين والمترقبين السياسيين في حالة من الحيرة بحيث لا يتوقعون تماماً كيف ستكون طريقة وطبيعة الرد الايراني.
2ـ اعتبار مقتل سليماني استهدافاً لكل محور المقاومة (الميليشيات الإيرانية ) وهو ما يعني توسيع دائرة المواجهة على كامل المنطقة.
3ـ اعتبار العملية انتهاكاً للسيادة العراقية ودفع البرلمان والحكومة العراقية لاستصدار قرار يطالب الولايات المتحدة بسحب قواتها من العراق وهو ما حدث فعلاً.
لكن يبقى الهدف والقصد الإستراتيجي أن الرد الإيراني سيكون بطريقة عميقة واستثمار إستراتيجي يهدف لزعزعة المشهد السياسي داخل الولايات المتحدة والتأثير على الانتخابات الأمريكية وتقليل فرص الرئيس ترامب بالنجاح لولاية ثانية .