الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كرد سورية ومحنة الخيارات

كرد سورية ومحنة الخيارات

30.09.2018
خورشيد دلي


العربي الجديد
السبت 29/9/2018
يعيش كرد سورية الذين يقدّر عددهم بنحو ثلاثة ملايين نسمة في محيط جيوسياسي صعب، يفتقر إلى الاستقرار، ومع أن مناطقهم لم تتعرّض للدمار والقصف، مقارنة ببقية المناطق السورية، إلا أن سكانها يعيشون في حالة قلق مصيري دائم، بسبب عدم وضوح الرؤية المستقبلية، وتزايد المخاطر والتهديدات، فضلا عن صعوبة جلب اعتراف سياسي ودستوري بهويتهم القومية، في إطار هوية الدولة السورية المنشودة. مع أن ثمة من يرى أن الكرد كانوا المستفيد الأكبر من الأزمة السورية، إذ أتيح لهم، وللمرة الأولى، التعبير عن ذاتهم القومية، وتكوين إدارة ذاتية، وبناء تحالفٍ مع الولايات المتحدة، مكّنهم من السيطرة على مناطق واسعة، وامتلاك عديد من عناصر وأوراق القوة، إلا أن ذلك كله لم يمنعهم على الدوام من الإحساس بخطر داهم، يهدد وجودهم ومصيرهم، لأسباب كثيرة، فالحالة الكردية السورية، والتي تبدو متصلةً بما وراء الحدود جغرافيا، تثير قلق الدول الإقليمية التي يوجد فيها الكرد تاريخيا (تركيا، إيران، العراق ، سورية). وعليه، مع كل خطوة كردية في شمال شرق سورية، بدت تركيا الدولة الإقليمية الأولى المعنيةُ أمنيا بها، إلى درجة أنها، في السنوات الأخيرة، حددت سياساتها إزاء الأزمة السورية انطلاقا من العامل الكردي، وارتباط هذا العامل بالخطط والسياسات الإقليمية والدولية، خصوصا بعد أن شكل التحالف الأميركي مع الكرد نقطة خلاف دائمة في العلاقات التركية - الأميركية، إذ زاد الدعم الأميركي للكرد من مخاوف تركيا وهواجسها، وكان سببا في دفعها إلى احتلال عفرين، لقطع الطريق أمام المشروع الكردي، ولعل الخطوة التركية هذه عمقت من المخاوف الكردية، خصوصا في ظل التهديد التركي المتواصل بتكرار عملية عفرين في مناطق أخرى، بما في ذلك مناطق شرقي الفرات، وما يعمّق المخاوف الكردية أكثر فأكثر، تلك التجربة التاريخية السيئة للعلاقات الأميركية – الكردية، على شكل دورة الأقدار، تبدأ الدورة بدعم أميركي تحت الشعارات الإنسانية والأخلاقية، وغالبا ما تنتهي بالتخلي عنهم على مذبح المصالح والصفقات والعلاقات الدولية، على الأقل.
هذا ما حصل مع البرزاني الأب (الملا مصطفى) في أثناء انتفاضة عام 1974، ومع 
"تتعامل أميركا مع الأكراد من زاوية الحاجة الأمنية وليس كقضية سياسية" البرزاني الأبن (مسعود) خلال الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق في سبتمبر/ أيلول 2017، ومع عبد الله أوجلان، وحزبه (العمال الكردستاني) المصنّف إرهابيا من الولايات المتحدة التي عاونت تركيا في الحرب ضده، واعتقال زعيمه من العاصمة الكينية نيروبي عام 1999. وثمّة من يعتقد أن التحالف الحالي بين الإدارة الأميركية وقوات سورية الديمقراطية التي يشكل الكرد عمادها الأساسي لن يشذ عن هذه القاعدة، عندما تجد واشنطن أن الظروف مناسبة لعقد صفقات على حسابهم في إطار تسوية الأزمة السورية. وربما دفعهم هذا الإحساس الداخلي العميق لدى الكرد، أي إمكانية تخلي الحليف الأميركي عنهم، في أي وقت أو منعطف، إلى الإعلان عن استعدادهم للذهاب إلى دمشق، والحوار مع النظام من دون شروط، وهو ما حصل، على الرغم من عدم وجود أي مؤشرات حقيقية، تشير إلى أن هذا الحوار سيفضي إلى الاعتراف بهويتهم القومية وحقوقهم، خصوصا في ظل إحساس النظام بالقوة، عقب استعادته السيطرة على معظم المناطق التي فقد السيطرة عليها خلال السنوات الماضية.
في ظل هذه المعطيات، تبدو خيارات الكرد صعبة، خصوصا أن تعقيدات الأزمة السورية وضعتهم في صدام مباشر أو غير مباشر، مع معظم الأطراف المعنية بالأزمة، فتركيا تصنف إداراتهم وقواتهم على الأرض بالإرهاب، والنظام يتهمهم بالعملاء لأميركا، والتحالف معها في إطار مخططات التقسيم، وأميركا نفسها تتعامل معهم من زاوية الحاجة الأمنية، وليس كقضية سياسية، وروسيا التي لمّحت مرارا إلى الفيدرالية باتت تنظر إليهم من زاوية الصراع مع الولايات المتحدة على النفوذ في سورية والمنطقة.. وهكذا يبدو الكرد كأنهم أمام واقع أكبر من إمكانية تحقيق تطلعاتهم في إطار سورية ديمقراطية، تعترف بهويتهم، وبأهمية مشاركتهم في الحياة العامة للبلاد، من دون ان يعني ما سبق أن خياراتهم في السابق كانت أفضل مما هم عليه الآن.