الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كاراباخ السورية 

كاراباخ السورية 

18.11.2020
بسام مقداد



المدن 
الثلاثاء 17/11/2020 
نهاية المرحلة الراهنة من حرب كاراباخ تترافق ، كما بدايتها ، مع نقاش صاخب بين المحللين والكتاب السياسيين الروس بشأن دور روسيا في هذه النهاية ، وما حصدته من هذه الحرب ، وبشأن أثرها على تطور العلاقات مع تركيا . ودرج الكتاب الروس ، منذ اندلاع هذا الصراع ، على مقارنته بالحرب السورية ، وأثر العامل التركي الروسي ، بتناقضاته وتوافقاته ، في مسار هذه الحرب . وعكست الصحف والمواقع الروسية هذه المقارنة مع الحرب السورية منذ المراحل الأولى لنشوب حرب كاراباخ الراهنة ، فقالت عنها "هذه سوريا أخرى" ، "الحرب السورية تنزلق إلى كاراباخ" ، "المقاتلون السوريون يخشون ثأر روسيا لكاراباخ" ، "إردوغان يحول كاراباخ إلى إدلب ثانية مع نفس الإرهابيين" وسواها من الأقوال . وأكثر ما دفع هذه المواقع لمثل هذا الربط بين سوريا وكاراباخ ، هو المشاركة التركية النشطة في كل من الصراعين على الجبهة المقابلة لروسيا ، والحديث المتداول عن نقل تركيا لمقاتلين سوريين للحرب إلى جانب أذربيجان ضد أرمينيا .  
صحيفة القوميين الروس "sp" ، وفي نص لمعلقها زاور كارايف المعروف بمتابعته لشؤون الشرق الأوسط نشره في 13 من الشهر الجاري بعنوان "إردوغان يحول كاراباخ إلى إدلب ثانية مع نفس الإرهابيين" ، وعنوان ثانوي "النقاش حول من إنتصر في الصراع الأرمني الأذري ، سيستمر لوقت طويل" . يفترض الكاتب،  أن إسقاط الأذريين للمروحية الروسية شكل أحد الأسباب ، التي سرعت نهاية العمليات العسكرية ، إذ ظهرت لدى موسكو وسيلة ممتازة للضغط على الرئيس الأذري حيدر علييف ، وفي الوقت عينه إنقاذ ما كان يمكن إنقاذه من كارباخ . وحصل الكرملين على إمكانية التحدث للطرفين بلهجة أقسى تقترب من الإنذار ، مع توضيب كل ذلك على نحو جعل الأذريين يبتهجون ، من دون أن يبلغوا أهدافهم الأولية ، وجعل الأرمن ، الذين أصابهم الإكتئاب ، يحتفظون بآمال معينة ، مع العلم أن الكثير في كاراباخ يبقى على حاله .  
ويعتبر الكاتب ، أن هذا جعل الكثيرين يفترضون ، أن القوة الفعلية في القفقاز تبقى بيد موسكو ،  وليس بيد الأتراك ، الذين أحاطوا أذربيجان ب"مخالبهم الطويلة" ، كما ليس بيد الأميركيين ، الذين كانوا يبسطون ديموقراطيتهم في "أرمينيا باشينيان" ( نسبة إلى رئيس الوزراء الأرمني غير المريح لموسكو) . كما اعتبر الكاتب ، أن إنتصار موسكو واضح للعيان ، إذ أنه  أصبح لديها رسمياً حامية عسكرية في أذربيجان أيضاً ، وليس في ارمينيا فقط كما في السابق . إلا أن الكثيرين شككوا في ذلك ، وتخوفوا من مخاطر أن يصبح كاراباخ المجمد في المستقبل القريب شبيها بإدلب غير المجمدة للنهاية ، حيث الأتراك والروس اتفقوا في ما بينهم أيضاً ، لكن القوى المحلية المتصارعة تصر على محاولاتها مواصلة الحرب حتى النهاية .  
لقد أصبحت إدلب خرّاجاً شديد الألم على جسد آسيا ، لدرجة أن أدنى الضغط عليه يثير إنزعاج موسكو نفسها ، بل حتى واشنطن . ألن يحدث ذلك في كاراباخ أيضاً ، حيث الكثير من الأمور المتطابقة مع إدلب؟ مثلاً ، بعد الإتفاقية الروسية الأرمنية الأذرية ، أصبح الوضع على تشابه ما مع الحرب بالواسطة بين روسيا وتركيا ، تماماً كما في إدلب . فهنا وهناك الطرفان يدعمان قوى معادية لبعضها البعض ، وهنا وهناك يوجد إنفصاليون ، بل وأكثر من ذلك يوجد جهاديون في كل من إدلب وما وراء القفقاز ، والجهاديون في كاراباخ هم أنفسهم الموجودون في إدلب. ويتوجه الكاتب باللوم إلى إردوغان على نقل "المقاتلين المسعورين" إلى قرب روسيا، لكن يرى بأن تركيا "هكذا عالجت مشاكلها" . وكل هذه الوقائع دفعت الكثيرين إلى الإفتراض ، بأن روسيا لم تحصل على الكثير ، بل الأتراك هم الذين ربحوا في الحقيقة ، برأي الكاتب.  
وكشاهد على ما يقوله ، ينقل الكاتب عن الخبير البريطاني بشؤون القفقاز توماس دي وال قوله ، بأن هذه الحرب كانت في الحقيقة حرب تحرر من روسيا . هكذا بالذات كان الأذريون ينظرون إلى هذه الحرب حين بادروا إلى إشعالها . ويفترض الخبير البريطاني ، أنه بعد إنتصار أذربيجان ، سوف تنتفي الأسباب لدى أنقره لمواصلة حصار حدود أرمينيا ، مما يصب في مصلحة أذربيجان في تنويع الإقتصاد الأرمني ، الأمر الذي يضعف كثيراً من نفوذ موسكو . ويعتبر البريطاني ، أن تركيا هي الرابح الجدي ، لأنه بنتيجة الإتفاقية الثلاثية بين روسيا وأرمينيا وأذربيجان ، سوف تحصل أنقره على منفذ بري إلى كل آسيا الوسطى ، وبالدرجة الأولى إلى "الإخوة الترك" .  
المستشرق والبوليتولوغ الروسي ، الذي يستضيفه الكاتب ، ليس موافقاً على تحول كاراباخ إلى إدلب ، وأن الوضعين متشابهان . ويقول بأن روسيا في كاراباخ سوف تتواصل مع الأذريين ، الذين توجد معهم علاقات جيدة ، واذربيجان ، في نهاية المطاف ، هي دولة سوفياتية سابقة . أما في إدلب ، روسيا تتفاعل مع تركيا مباشرة ، من دون أن تكون على تواصل مباشر مع الإنفصاليين ، أي أن ثمة الكثير من الفروقات بين الوضعين ، وبالتالي عملية الحل ستكون مختلفة ، برأي المستشرق الروسي .  
صحيفة "MK" الإتحادية نقلت، في 14 من الشهر الجاري، عن بروفسير في أكاديمية الإقتصاد التابعة للرئاسة الروسية قوله ، بأن مشاركة المقاتلين السوريين في حرب كاراباخ تذكر بالحروب الصليبية في القرون الوسطى . وقال البروفسير أ. أمبريان ، بأن المقاتلين السوريين يعلنون ، بأنهم يخوضون حرباً مقدسة في سوريا ، حيث كانوا يقضون على كل من لا يشبههم ، بمن فيهم الأكراد ، إخوتهم في الإيمان . في سوريا تولى أمرهم الجيش السوري ، ومن نفذ من الإرهابيين هرع إلى كاراباخ وأوروبا . هذا الدافع بالذات كان لدى الحملات الصليبية في القرون الوسطى ، حيث جاء الأوروبيون الجوعى ينهبون الشرق الغني . أما الآن فقد تبادل الطرفان مواقعهم . لكن لا حرب مقدسة ، سوى الحرب من أجل الوطن ، برأيه .  
قد يكون هذا البروفسير تأثر بالأنباء ، التي تناقلتها أجهزة الإعلام في أنحاء العالم ، عن أن أرمن كاراباخ ، الذين انتقلت حواضرهم إلى الأذريين ، بموجب إتفاقية وقف العمليات القتالية ، يحفرون قبور موتاهم ، ويحملون معهم رفاة أسلافهم . وكانت صحيفة الكرملين "vz" قد نقلت عن "سبوتنيك أرمينيا" ، بأن سكان البلدات الأرمنية ، لا يحملون معهم فقط ما يملكونه  ، بل ورفاة ذويهم وأقاربهم ، كي "لا يدنس الأذريون قبورهم" . كما نزعوا عن جدران كنيسة داديفانك الأيقونات وجرس الكنيسة ، لأن البلدة انتقلت إلى الأذريين .  
 صحيفة "Novaya" االليبرالية المعارضة ، كانت قد استبقت الإتفاقية الثلاثية لوقف العمليات الحربية في كاراباخ ، ونشرت نصاً مطولاً حول تطور العلاقات الروسية في السنوات الأخيرة بعنوان "العالم المؤذي" ، وعنوان مطول إضافي "سوريا ، ليبيا ، كاراباخ : لماذا توتر روسيا وتركيا دورياً علاقاتهما ، ويبقون ، مع هذا ، شريكين مفيدين لبعضهما" . وقالت ، بأن الضربة ، التي وجهتها روسيا في سوريا ل"فيلق الشام" ، يعتبر معظم الخبراء ، بأن روسيا تعبر بذلك عن استيائها من أنقرة بسبب دعمها العسكري العلني لأذربيجان في النزاع مع أرمينيا بشأن كاراباخ .  
معظم المتابعين للصراع في كاراباخ ، لا يثقون ، بأن الإتفاقية الثلاثية المذكورة ستحمل السلام إلى المنطقة . صحيفة "NG" ، التي تقول بأنها مستقلة ، نشرت نصاً في 12 من الجاري بعنوان "الحرب انتهت ! عاشت الحرب !" ، قالت فيه ، بأن السلام في كاراباخ لن يحمل الإنفراج إلى منطقة ما وراء القفقاز .