الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كابوس تدمر

كابوس تدمر

14.12.2016
عيسى الشعيبي


الغد الاردنية
الثلاثاء 13/12/2016
بقدر ما كانت لسيطرة تنظيم "داعش" على مدينة تدمر، قبل نحو عامين، من تداعيات أعادت تشكيل المشهد السوري، ولو إلى حين، وكان لطرده من المدينة في آذار (مارس) الماضي وقع مؤثر في مسار التطورات المتسارعة في جغرافيا البلد الممزق، بقدر ما تشكل عودة هذا التنظيم الإجرامي إلى المدينة الأثرية، رغم قصف القاذفات الاستراتيجية الروسية، كابوساً مؤرقاً لسائر القوى المحلية، والأطراف الإقليمية والدولية، المشتبكة في قتال كسر عظم لا هوادة فيه.
ومع أن التطورات الكارثية في سورية لا تكف عن التواتر، أحياناً في كل ساعة على مدى نحو ست سنوات دامية، وأن المشهد الراهن في تدمر وجوارها قد يتغير في أي لحظة، فإن عودة "داعش" المفاجئة إلى المدينة التي أُكره على الانسحاب منها قبل نحو ثمانية أشهر، تظل أكبر من حدث تفصيلي عابر بين أحداث متشابهة، إن لم نقل إنه كابوس ثقيل، يحبس أنفاس جميع المنخرطين في هذه الحرب التي لا نهاية لها.
بالنسبة للنظام الذي استعجل إقامة الأفراح والليالي الملاح بـ"انتصاره" على معارضيه في حلب، جاءت عودة "داعش" إلى لؤلؤة البادية السورية، كعمل تخريبي مباغت، يشبه إطفاء الأضواء في ذروة ليلة الزفة، مع أن المخرب هنا ليس من "الأعداء" الحلبيين، ولا هو من ذوي النخوة وأصحاب الفزعة، الأمر الذي أوقع بيد المحتفلين بالعرس، وكشف في الوقت ذاته هشاشة عوامل القوة التي جرى تركيزها على جبهة واحدة.
وفيما يصعب على نظام الأسد مداراة حرجه إزاء هذه اللطمة التي أتت في غير أوانها، فإنه يستحيل على داعميه الكثيرين، وعلى رأسهم روسيا، وهي ربة البيت، تبرير عودة "داعش" إلى المكان الذي نجحت قواتها الجوية في إجبار مئات المسلحين المتوحشين على الهرولة منه قبل أشهر فقط، وهو أمر لا يليق أبداً بهيبة دولة كبرى رمت بثقلها العسكري الوازن، تسويغاً لتدخلها الحربي ضد من يجمع العالم بأسره على ضرورة محاربتهم حتى النهاية.
غير أن الاضطراب الذي تسبب به هذا الكابوس المفاجئ، لم يتوقف عند حدود نظام الأسد وداعميه، بمن فيهم الإيرانيون ومليشياتهم متعددة الجنسيات، وإنما امتد إلى خصوم النظام وأعدائه، ولا سيما معارضيه من فصائل عسكرية ومعارضة سياسية، هؤلاء الذين أسقطت بأيديهم قفزة "داعش" الواسعة إلى قلب خشبة المسرح المضاءة في حلب، وأحدثت فارقاً عسكرياً بهذه السرعة، في الوقت الذي يخذلون فيه أنفسهم ويكابدون داخل المدينة المحاصرة.
إذ فيما يتمسك هؤلاء المعارضون على اختلاف توجهاتهم بنظرية سقيمة، مفادها أن عمليات الكر والفر في تدمر، مجرد عمليات تسليم وتسلّم بين النظام و"داعش" متفق عليها سلفاً، ذهب كثير من نشطائهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ممن يكرهون نظام الأسد حتى نخاع العظم، إلى إبداء الإعجاب بوثبة التنظيم من الرقة المعزولة، حسب التوصيفات الأميركية، إلى تدمر دفعة واحدة، عاقدين المقارنات بتحسر، بين أداء قوات المعارضة المشتتة، وبين أداء العدو المشترك لهم وللنظام معاً.
وأحسب أن الولايات المتحدة التي قالت، قبل أيام معدودة، إن تحالفها الدولي قتل خمسين ألفاً من قوات "داعش" قد أصيبت بالحرج أيضاً، وربما غشيها الكابوس ذاته، وهي ترى عدوها رقم واحد وقد جدد بعضاً من ملامح الصورة الأولى، التي راجت حول قدرته على الانبعاث من العدم، وأخذ زمام المبادرة، كلما بدا في انحسار ودارت عليه الدوائر. وليس أكثر من واقعة عودته إلى تدمر ذات الرمزية، برهاناً حسياً على مثل هذه المقدرة، التي قد تعيد إليه تلك الجاذبية التي فقدها في الأنبار وفي تدمر تباعاً.
ولعل ما ينطبق على الأميركيين من حالة عدم يقين إزاء ظهور "داعش" في تدمر، في ظل الحضور الروسي المكثف، ينطبق بهذه الدرجة أو تلك على الإيرانيين والأتراك والأكراد والعرب وغيرهم من الأقوام المتورطة في الحرب الدولية على الإرهاب من دون طائل، الأمر الذي يمكن معه القول إن الكابوس الذي بدا مع مرور الوقت، ومع تتالي الضربات الموجعة، مجرد حلم مزعج، قد أخذ يسترد صفته الأولى من جديد، وهو ما يتطلب إعادة المراجعة، وإجراء مقاربات مختلفة، لمتطلبات خوض حرب متعددة الأبعاد، ضد هذه الظاهرة المميتة.