الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "قيصر" والأسد.. المواجهة الأخيرة

"قيصر" والأسد.. المواجهة الأخيرة

23.06.2020
أسامة عجاج



العرب القطرية
الاثنين 22/6/2020
كشفت لنا الحقب الأخيرة أن فرض العقوبات وإعلان الحصار الاقتصادي قد لا يُسقطان أنظمة، ولكنهما قد يعجّلان بنهايتها. صدام حسين استمر في الحكم 12 عاماً بعد تحرير الكويت، ولم يسقط إلا بالتدخّل العسكري المباشر. إيران نفسها استطاعت التعايش مع سنوات طويلة من الحصار والعقوبات، وما زال النظام يقاوم، يعاني نعم ولكنه يملك أدوات وآليات مختلفة لتفادي تبعات تلك القرارات وتجاوز آثارها. وفي كل الأحوال، الشعوب هي من تدفع الثمن؛ تدنٍّ في الخدمات، وزيادة معدلات الفقر، وأزمات اقتصادية مستمرة. ومن المهم أن نتساءل هنا: هل يستطيع النظام السوري الصمود في مواجهة البدء منذ أيام في تنفيذ قانون حماية المدنيين في سوريا، والمعروف اختصاراً باسم "قانون قيصر"؟
وقبل الإجابة بالتأكيد أو النفي، دعونا نتفق أن جرائم الأنظمة في حقّ شعوبها لم تعد قضية داخلية تخضع للعلاقات بين الطرفين الشعب والنظام، وتحوّلت إلى شأن ذي طابع دولي، إذا وصلت إلى محكمة الجنايات الدولية، كما أنها تخضع لعلاقات بين الدول، خاصة الكبرى منها؛ فالعقوبات على سوريا تم إقرارها بقانون من "الكونجرس" الأميركي، وهي أيضاً جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، فقد دخلت حيز التنفيذ بعد تسع سنوات من إجرام النظام، وبوسائل مختلفة، وبعضها مبتكر مثل البراميل المتفجّرة، والكشف عنها قد يكون نتيجة أسباب هيّنة. وفي الحالة السورية، تمت عن طريق مصوّر كان يعمل لدى الجيش السوري، انشقّ عن النظام وهرب، بعد أن استطاع توثيق آلاف الصور لعمليات تعذيب واسعة للآلاف من السوريين داخل سجون النظام، والهرب بها وعرضها أمام لجنة استماع "الكونجرس" الأميركي، طالباً منهم التدخّل كما فعلت واشنطن من قبل في يوغسلافيا السابقة، وتم التأكد من صحتها عن طريق لجنة تحقيق دولية، ومرّ بمراحل عديدة حتى تمّت الموافقة عليه من "الكونجرس"، والمصادقة عليه من الرئيس الأميركي ترمب في العام الماضي.
جدية التزام واشنطن بتنفيذ القرار واضحة وجلية، كما طالب بذلك الأعضاء الأربعة في "الكونجرس" من الديمقراطيين والجمهوريين الذين راعوا القرار؛ حيث طالبوا الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي بعدم التعاون تجارياً واقتصادياً مع نظام الأسد القاتل، حسب البيان الصادر عنهم. كما أن صياغة القانون سدّت كل المنافذ أمام النظام السوري للتملّص أو الهروب من العقوبات المفروضة، والتي تضمّنها القانون، والذي لم يقتصر على النظام السوري فقط في قطاعات اقتصادية مهمة، وتجميد أصول النظام ومؤسساته في أميركا، وحظر تعامل الأميركيين مع النظام؛ بل ستطال العقوبات كل الداعمين للنظام أو يرتبط معه بتعاملات مالية أو استثمارات أو أنشطة تجارية، من كل الجهات الدولية والإقليمية، لقطع الطريق عليه لتجاوز العقوبات، وبالطبع المقصود بذلك روسيا وإيران، وكذلك الميليشيات والجماعات العاملة والتابعة لها.
الخناق يضيق على نظام الأسد حتى قبل تنفيذ القانون -الذي بدأ منذ أيام- وأحد مؤشّراته الضائقة الاقتصادية التي وصلت إلى الانهيار الكامل لليرة السورية؛ حيث فقدت حوالي 70% من قيمتها خلال الأشهر الماضية، والنتيجة ارتفاع جنوني في أسعار المواد الأساسية، وهذا يعني بالضرورة دخول شرائح جديدة من السوريين حتى حدّ الفقراء، الذي وصل أساساً حسب التقارير الدولية إلى 90%، مما تسبّب في مظاهرات في العديد من المدن السورية؛ احتجاجاً هذه المرة على صعوبة الأوضاع المعيشية، ناهيك عن سدّ منافذ مساعدة النظام السوري، فهم إما معرّضون للعقوبات ذاتها، أو يعانون أصلاً من أزمات اقتصادية. مثال ذلك إيران التي لم يعد لديها الكثير لتقدّمه لنظام الأسد، بعد أن وصل حجم إنفاقها طوال سنوات الأزمة التسع إلى حوالي 30 مليار دولار، وفقاً لتقارير موثّقة.
الصفقة الأميركية المعروضة على الأسد للخروج سالماً من الأزمة وضمان البقاء صعبة، وقد تكون مستحيلة، والتي تم إبلاغه بها عبر طرف ثالث؛ فهي تقتضي -كما كشف المبعوث الأميركي لسوريا جيمس جيفري- العودة إلى عملية سياسية بشروط، منها تغيير سلوك النظام، وعدم تأمينه مأوى للمنظمات الإرهابية، وعدم توفيره قاعدة لإيران لبسط هيمنتها على المنطقة، وهكذا فالطريق الوحيد المتاح الآن هو خروج الأسد من المشهد السوري، مما يسمح بمسار سياسي يسهّل حلّ الأزمة.
فهل يفعلها الأسد؟ أشك! وهو من دفع أنصاره منذ تسع سنوات إلى رفع شعار "الأسد أو لا أحد"، فهذه أنظمة قد تضحّي ببلادها؛ استقلالها وسيادتها وشعبها وحقّه في الحياة، مقابل البقاء في السلطة ولو ليوم واحد.