الرئيسة \  واحة اللقاء  \  قواعدها "خلف الكواليس".. لعبة شطرنج جديدة ترتسم على ميدان إدلب 

قواعدها "خلف الكواليس".. لعبة شطرنج جديدة ترتسم على ميدان إدلب 

07.11.2020
ضياء عودة


إسطنبول 
الحرة 
الخميس 5/11/2020 
في مارس من عام 2020  وعلى متن طائرةٍ كانت تقله من العاصمة الروسية موسكو إلى أنقرة حدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان مصير نقاط المراقبة التي ثبتها جيشه في محيط محافظة إدلب، في الشمال الغربي لسوريا، موضحا أنها "لن تسحب وستبقي على وضعها الراهن، ولن يتغير أي شيء بخصوصها".  
كان ذلك قبل ثمانية أشهر من الآن، وفيها تبدلت الظروف فيها على الميدان، وعلى طاولة المفاوضات أيضا، التي كان لها وقع خاص على إدلب.. المحافظة التي ومنذ دخولها ضمن تفاهمات "أستانة"، وبعدها اتفاقيات "سوتشي" لم ترسم لها خريطة دائمة ومستقرة، بناء على عدة عوامل، أبرزها الطرق الدولية (دمشق- حلب، حلب- اللاذقية)، والمصير الذي ستكون عليه التنظيمات الجهادية المقاتلة فيها، على رأسها "هيئة تحرير الشام" وتنظيم "حراس الدين".  
وكغيرها عن باقي المناطق السورية كانت لإدلب لعبة تبديل مواقع خاصة، في السنوات الماضية، وعلى عدة فترات، ويبدو أنها ما تزال مستمرة حتى الآن، ولاسيما مع شروع الجيش التركي بإخلاء نقطة المراقبة في "مورك" بريف حماة مؤخرا، بالإضافة إلى نقطة المراقبة في "شير المغار" ومنطقة "معرحطاط" الآن، وذلك حسبما قال قيادي عسكري في المعارضة لـ "موقع الحرة".  
ويوضح القيادي، المطلع على عمليات الإخلاء، أن 21 آلية عسكرية دخلت إلى نقطة "معرحطاط" الواقعة في الريف الشرقي لإدلب، الثلاثاء، وبالتزامن مع ذلك دخلت 16 آلية أيضا إلى نقطة المراقبة في "شير المغار" بالريف الغربي، من أجل التجهيز لعمليات النقل في الساعات المقبلة، سواء إلى منطقة جبل الزاوية، أو إلى داخل الأراضي التركية. 
إخلاء نقاط المراقبة التي كان أولها "مورك" (كبرى النقاط) يأتي بصورة مفاجئة، وبالتزامن مع استمرار روسيا ونظام الأسد بالتصعيد على مناطق سيطرة فصائل المعارضة في إدلب. 
النقطة اللافتة هو أن أنقرة وحتى الآن لم تصدر أي تعليق رسمي حول الأسباب التي دفعتها لسحب نقاط المراقبة، سواء أكان هذه على خلفية ضغوط من قبل موسكو، أو أنه خيار استراتيجي قد يسبق أي انفجار عسكري، في الأيام المقبلة. 
ماذا يجري خلف الكواليس؟  
عند الحديث عن النقاط التي تعمل أنقرة على إخلائها من محيط إدلب، فقد كانت قوات الأسد قد حاصرتها بشكل كامل، في الحملة العسكرية الأخيرة لها على مدن سراقب ومعرة النعمان، وعدة مناطق في الريفين الشرقي والجنوبي لإدلب، بالإضافة إلى الريف الغربي لحلب. 
ومنذ عام 2017 نشرت تركيا 12 نقطة مراقبة رئيسية، في مناطق: "مورك بريف حماة والصرمان وشير مغار واشتبرق والزيتونة وتل طوقان في إدلب"، إلى جانب "تل العيس والراشدين وعندان وجبل عقيل ودار عزة وصلوة في حلب". 
النقاط المذكورة سابقا تعرضت في عدة فترات لقصف من جانب قوات الأسد، ما أدى إلى مقتل جنود أتراك، الأمر الذي دفع أنقرة للرد في أوقات معينة وللتهديد في أوقات أخرى، مؤكدة تمسكها بها، على الرغم من محاصرتها بشكل كامل، وبالتالي فقدانها لأي قيمة عسكرية على الأرض لصالح فصائل المعارضة التي تدعمها.  
يقول أستاذ القانون والعلاقات الدولية، سمير صالحة، في تصريحات لـ "موقع الحرة" إن "عملية إخلاء بعض نقاط المراقبة التركية في محيط إدلب يحمل معه أكثر من علامة استفهام". 
ويضيف صالحة: "هل ما يجري مرتبط بتنسيق تركي- روسي جديد حول إعادة تموضع ميداني عسكري- سياسي في التعامل مع الملف السوري، وتحديدا ملف شمال سوريا؟. أم هي عملية سحب للقوات قد تسبق انفجارا أمنيا عسكريا واسعا في المنطقة". 
ويوضح أستاذ العلاقات الدولية أن هناك عدة سيناريوهات مطروحة لما يحصل في محيط المحافظة، ولا يمكن فصلها عن التطورات الأخيرة، التي كان أبرزها القصف الروسي على فصيل "فيلق الشام"، الذي تدعمه أنقرة، وهي نقطة تحمل إشارات استفهام أيضا. 
ويشير صالحة إلى أن القصف الأخير على الفصيل الذي تدعمه أنقرة لا يمكن فصله عن عملية الانسحاب وإعادة التموضع التركي الجديد في بعض المناطق الجديدة في شمال غرب سوريا. 
انسحاب أم إعادة تموضع؟  
المعلومات الواردة على الأرض حول عمليات إخلاء نقاط المراقبة تفيد بأن الجيش التركي ينقل معداته العسكرية وآلياته إلى منطقة جبل الزاوية في الريف الجنوبي لإدلب، في حين تتوجه أجزاء أخرى من المعدات إلى معبر كفرلوسين الحدودي، وهو معبر عسكري، تدخل جميع التعزيزات العسكرية التركية من خلاله، من وإلى الأراضي التركية. 
سائق إحدى الشاحنات التي تشارك في عمليات إخلاء نقاط المراقبة يقول في تصريحات لـ "موقع الحرة" إن أعدادا كبيرة من الآليات والمعدات التي يتم سحبها تتوجه إلى منطقة "قوقفين"، والواقعة في جبل الزاوية. 
وتطل منطقة "قوقفين" على سهل الغاب في الريف الغربي لحماة، وتعتبر منطقة مرتفعة عن غيرها من المناطق، وتحظى بأهمية استراتيجية في الريفي الجنوبي لإدلب. 
وحسب ما توضحه خريطة السيطرة الميدانية لإدلب فإن الجيش التركي يعمل على حشد عسكري كبير في منطقة جبل الزاوية، وخاصة في المناطق الواقعة جنوبي طريق حلب- اللاذقية الدولي (m4)، وهي المنطقة التي كانت حاضرة في الاتفاق الأخير المعدل لـ"سوتشي"، بين أردوغان ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في شهر مارس الماضي.  
ويضيف السائق، الذي طلب عدم ذكر اسمه أن "من المفترض أن تشهد الساعات المقبلة انسحابا كاملا لنقطتي معر حطاط في الريف الشرقي لإدلب وشير المغار في الريف الغربي". 
وكان أردوغان وبوتين قد اتفقا، في مارس 2020، على وقف إطلاق النار في إدلب، عقب محادثات استمرت أكثر من خمس ساعات بحضور كبار مسؤولي البلدين. 
وقرر الطرفان تسيير دوريات على الطريق الدولي حلب- اللاذقية (M4) مع إنشاء "ممر آمن" بمسافة ستة كيلومترات شمال الطريق ومثلها جنوبه، وبالتالي مرور الدوريات المشتركة الروسية- التركية من مدن وبلدات تحت سيطرة المعارضة، كأريحا وجسر الشغور ومحمبل وأورم الجوز. 
الـ12 كيلومترا على طرفي الطريق، اقتطعت، وفق الاتفاق، مساحات كبيرة من مناطق سيطرة المعارضة، على طول الطريق بين قريتي ترنبة غرب سراقب (ريف إدلب الشرقي)، وعين الحور بريف إدلب الغربي، وهما بداية ونهاية مناطق تسيير الدوريات التركية- الروسية، وهو "الممر الآمن". 
وما يزال الغموض يكتنف مناطق جبل الزاوية جنوبي إدلب، بسبب وقوعها جنوب "الممر الآمن"، ما يؤدي إلى قطع اتصالها مع مناطق المعارضة الأخرى، وبالتالي محاصرة الحشود التركية الموجودة فيها من جديد.  
عملية بناء ممرات آمنة جديدة  
ويرى أستاذ القانون، سمير صالحة، أن القيادات السياسية في البلدين (تركيا، روسيا) تصر على أن التنسيق التركي- الروسي في إدلب مستمر، لكن على الأرض نرى أكثر من مؤشر يقول إن هذه التصريحات حول التنسيق تتعارض مع الواقع الميداني. 
ويوضح صالحة: "حتى الآن لم نرى أي تقدم أو اختراق في التفاهمات الروسية- التركية حول الطرق الدولية، سواء m4 أو m5، وهي أيضا مسألة تناقش بين البلدين دون التوصل إلى تفاهمات حقيقة على الأرض". 
نقطة لافتة يشير إليها صالحة وتحتاج إلى نقاش بوجهة نظره، وهي "هل ما يجري الآن مرتبط بالمنطقة الآمنة التي طرحتها أنقرة وأصرت عليها، أم هي عملية بناء ممرات آمنة جديدة، تكون بديلا عن المنطقة الآمنة، وهذه الممرات مرتبطة بالطرق الدولية". 
ومن جانب آخر لا يستبعد أستاذ القانون عملية ربط بين ملف إدلب وملف أذربيجان، من جانب روسيا وتركيا، مشيرا إلى أن "هذه التطورات لا يمكن فصلها عن تطورات إقليمية في العلاقات الروسية- التركية، وخاصة في ناغورنو قره باخ، وربما في مسألة تمرير رسائل متبادلة بين أنقرة وموسكو في شمال غرب سوريا، على ضوء التطورات المتلاحقة في القوقاز". 
وفي ظل ما سبق يبدو أن التطورات بين موسكو وأنقرة بخصوص إدلب تتجه إلى مرحلة أكثر تصعيدا، ولاسيما بعد القصف الأخير على فصيل "فيلق الشام"، وصولا إلى القصف الجوي الروسي، الأربعاء، الذي استهدف مدينة أريحا في الريف الجنوبي، وأدوى بحياة مدنيين. 
ويوضح صالحة أن "موسكو تواصل الغارات بين الحين والآخر، والنظام في سوريا ما يزال يهدد أنه يريد أن يبسط نفوذه وسيطرته"، مشيرا "لا يمكن القول بأن الأمور تتقدم باتجاه يضمن وجود تفاهم تركي- روسي، لأن المفاجآت التي تقع على الأرض بشكل ميداني عسكري تدفعنا لاستنتاجات مغايرة، خصوصاً على ضوء الغارات والتصعيد الجوي".