الرئيسة \  واحة اللقاء  \  قمة سوتشي 2019: نحو حلف قوي صاعد وصامد

قمة سوتشي 2019: نحو حلف قوي صاعد وصامد

24.02.2019
فؤاد الصباغ


القدس العربي
السبت 23/2/2019
إنعقدت مؤخرا في مدينة سوتشي الروسية قمة اقتصادية وأمنية بين الحلف الثلاثي الاستراتيجي المتكون من روسيا الإتحادية وتركيا العثمانية والجمهورية الإسلامية الإيرانية. فبالتوازي مع مؤتمر وارسو، إنعقدت في المقابل هذه القمة وفقا لأجندة بعيدة الأمد لتقف صدا منيعا أمام حلف الشرق الأوسط أو بالأحرى حلف الناتو العربي-الإسرائيلي- الأمريكي. فهذه القمة لم تأت من فراغ بل كان لها تخطيط مسبق يشمل ملفات استخباراتية لدراسة الأوضاع العسكرية، السياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط.
التعاون المالي والتجاري
فالرئيس فلاديمير بوتين شديد الحرص على توطيد علاقاته مع شركائه وحلفائه الدائمين في المنطقة مع تشبثه بتثبيت التواجد الروسي في المنطقة مهما كان الثمن ولو كان ذلك بالضربة القاضية والساحقة. أما مخرجات هذه القمة كانت في مجملها تراهن على حلف صاعد اقتصاديا وصامد عسكريا شملت ملفات التعاون المالي والتجاري وأيضا التعاون الأمني والعسكري البعيد الأمد. بالإضافة إلى ذلك رفعت قمة سوتشي الشعارات نفسها التي رفعت في مؤتمر وارسو وقمة ميونيخ وهي بالأساس الراهن على السلم والأمن.
مما لا شك فيه تعد روسيا دولة قوية لا تقهر في منطقة الشرق الأوسط ويمتد نفوذها المالي والتجاري على معظم تلك الدول خاصة منها سوريا وإيران وتركيا. أما إنتماؤها إلى مجموعة البريكس فهو يعزز من قوتها مع الاقتصاديات الصاعدة التي تحقق نسب نمو إقتصادية مرتفعة جدا مقارنة مع بقية دول العالم. فهذا الفضاء الذي يجمع البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا يمثل قطبا اقتصاديا قويا ومنافسا حقيقيا للاقتصاد الأوروبي والأمريكي. بالنتيجة جاءت ولادة هذا الحلف الثلاثي الجديد لتعزيز نواة القوة الاقتصادية الصاعدة والواعدة في المنطقة خاصة منها في مجال المبادلات التجارية في قطاع الطاقة أو المواد الاستهلاكية والصناعية والنسيج وغيرها. إن هذا التعاون في مجال الطاقة كالنفط والغاز بين تركيا وإيران وروسيا يعتبر قوة مستقبلية ضاربة في مختلف المبادلات التجارية والتعاون الدولي.
التعاون الأمني والعسكري
كما أن الممرات الاستراتيجية لأنابيب الغاز والنفط في المنطقة تمثل المحور الأساسي للتعاون بين تلك الدول في منطقة تشهد فوضى عارمة وحروبا طال أمدها خاصة في سوريا واليمن. إن رهان الكرملين على تلك الرؤية الاستشرافية في مجال التعاون المالي والتجاري المنصهر في هذا الحلف الجديد يعد ثمرة نجاحات إستراتيجية تحقق المردودية العالية والنجاعة الفاعلة. كما يساهم هذا الحلف الصاعد في رفع نسق التنافسية الإنتاجية الإقليمية ويساهم أيضا في تطوير البنية التحتية خاصة منها في مجال الطاقة والتكنولوجيا التي تعتبر مصدر تراكم الثروة الوطنية الهامة لدى روسيا وإيران. أما في المقابل تمثل تركيا المعبر الرئيسي لجميع المبادلات التجارية التي تربطها مع روسيا الإتحادية من جهة ومنطقة الشرق الأوسط من جهة أخرى.
ركزت قمة سوتشي بالأساس على حفظ الاستقرار في المنطقة الآمنة في مدينة إدلب السورية مع مد خط تعاون عسكري إقليمي خاصة على الحدود التركية الروسية من جهة والحدود التركية السورية من جهة أخرى. كما تناولت هذه القمة ملف إنسحاب القوات الأمريكية من سورية بحيث كانت التقارير العسكرية سلبية لدى مكتب بوتين والتي تشير معظمها إلى عدم الخروج الكلي للقوات العسكرية الأمريكية من المنطقة مع تزايد ضعف التغطية الدفاعية في القواعد الجوية الروسية السورية المشتركة. إن التعاون الأمني والعسكري بين هذا الحلف الصامد يمثل قوة الردع والدفاع عن المصالح الاستراتيجية البعيدة الأمد في المنطقة. بالتالي يعتبر الملف السوري جزءا لا يتجزأ من الصراع الإقليمي على النفوذ وبقاء الأسد في السلطة هو بالأساس مرهون بالتواجد الإيراني والروسي في منطـقة الشرق الأوسـط.
من سوتشي… إلى وارسو وميونيخ
إن تعزيز التواجد الروسي بالقواعد العسكرية في المنطقة يمثل جوهر التعاون المستقبلي بين إيران، روسيا وتركيا خاصة منها التغطية الجوية الدفاعية والتنسيق الاستخباراتي على أرض الميدان. كذلك تراهن هذه القمة على دحر قوات تنظيم النصرة الإرهابي والقضاء تماما على ما يسمى بتنظيم الإرهاب الدولي داعش الذي كان داهسا على نفوس السوريين بحيث قتلهم وشردهم في مخيمات اللاجئين في الدول المجاورة أو الأوروبية. عموما يعتبر هذا الحلف الثلاثي القوي ردا واضحا وصارخا على مؤتمر وارسو الذي يعتبر إيران عدوا خطيرا ويجب الحشد الدولي ضده. إذ تبين للعالم أن إيران لها إمتداد إقليمي في الخليج العربي وتحظى بتعاون عربي شامل وكامل ما عدا من قبل دولتين تكن لها العداء الشديد وهما الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
لم تأت قمة سوتشي 2019 من فراغ ولم تكن هي أيضا بعيدة عن طاولة المفاوضات التي كانت تدور في كواليس مؤتمر وارسو أو ميونيخ. إذ ولو إختلفت الأهداف والمحتوى بين تلك القمم، إلا أن جوهرها كان واحدا وهو تعزيز الأمن والسلم العالمي والذي كان شعارا موحدا بينها. ويحرص الرئيس بوتين على حق إيران لإمتلاكها للطاقة النووية لأغراض سلمية منها إنشاء مولدات كهربائية تعمل بالطاقة النووية أو لأغراض علمية وبحثية. أما تطويرها لقاعدة الصواريخ البالستية وغزوها للفضاء يمثل لها حقا مكتسبا لا يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة. ووصولا إلى قمة وارسو التي لم تشارك فيها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والتي كانت مقتصرة فقط على الحضور الخليجي والإسرائيلي كانت تمثل في مضمونها توجيها للإتهامات المغرضة حول البرامج العلمية النووية الإيرانية.
بركان هائج
بالإضافة إلى ذلك كان لشيطنة الأعمال الإيرانية في المنطقة الركن الهام من الحوارات السرية المغلقة عبر تلك الأسطوانة التي كان يرددها نتنياهو دائما وهي "أن إيران هي البعبع المخيف في المنطقة والمحتلة لأربع دول عربية ولا تعترف بمبادئ الديمقراطية والحرية". بالتالي كثرت الشياطين في المنطقة والمواطن العربي أصبح لا يعرف من هو الشيطان الحقيقي. فإيران تعتبر إسرائيل وأمريكا هما الشـيطان الأرعـن وفي المقابل تعتبر إسرائيل وحلفها الشرق أوســطي الجديد المعروف بالناتو العربي أن إيران وروسيا هما الشيطان المرعب. ففي كل دولة يوجد الصالح والطالح ولا أحد يشكك في النوايا السيئة لبعض الجهات بحيث أصبحت الخيانة في كل مكان عبر ذلك التطبيع المسموم والتخلي الكلي من الجانب العربي عن نصرة القضية الفلسـطينية.
عموما من خلال هذا المشهد من الأحداث المأساوية المتراكمة تتجه منطقة الشرق الأوسط نحو المزيد من التشرذم والتشتت في المواقف والعلاقات ونحو التكتلات الإقليمية. فالصراع على النفوذ الإقليمي يعد جرس إنذار مبكر للإنجراف نحو المجهول عبر مؤشرات ملامح حرب إقليمية أو عالمية مقبلة في الأفق، إذا فشلت مجهودات التسوية السلمية.
إن منطقة الشرق الأوسط برمتها تعيش تحت بركان هائج قابل للإنفجار في أي وقت ممكن بحيث تشهد تلك المنطقة تصاعدا متواصلا في لهجة الوعد والوعيد مع التهديد والتصعيد. أما في المقابل نلاحظ هرولة نحو التطبيع الذي أصبح علنا بين الدول الخليجية وإسرائيل مع السعي للتكتل في حلف وارسو المشكل للناتو العربي الجديد ضد سياسات إيران في المنطقة وخاصة منها ضد حقها لإمتلاكها للسلاح النووي.
عموما إذا إستمر هذا التصعيد والتهديد وهذه التكتلات بين حلف سوتشي القوي والصاعد إقتصاديا والصامد عسكريا ضد حلف وارسو المشكل للناتو العربي-الإسرائيلي-الأمريكي والذي يسعي بدوره إلي شيطنة الأعمال الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط مع تكريس مبدأ التخلي عن القضية الفلسطينية بتعلة مبادرة صفقة القرن للسلام تحت الرعاية الأمريكية، فبالنتيجة الأمور في مجملها ستتجه نحو العنف والتصادم والدخول في دوامة الأزمات الدبلوماسية. أما قمة ميونيخ في ألمانيا تحت شعار الأمن والسلم جاءت هي أيضا لتساهم في نسف الإتفاق النووي الإيراني بالكامل وبتحريض أمريكي تدعو فرنسا وبريطانيا وألمانيا للتخلي عن هذا الإتفاق المقيت والسيئ والإتجاه نحو الإندماج في التكتل الجديد المشكل لحلف ناتو وارسو. عموما كل هذه المؤشرات الأولية تشير إلى أن حربا إقليمية مقبلة في الأفق ولربما ستتحول إلى حرب عالمية، إذا فشلت الحوارات العقلانية لتسوية مختلف القضايا العالقة بالطرق السلمية.