الرئيسة \  واحة اللقاء  \  قطر تستعيد دورها في المشهد السّوري من بوابة الائتلاف 

قطر تستعيد دورها في المشهد السّوري من بوابة الائتلاف 

06.03.2021
عبدالله سليمان علي


النهار العربي 
الخميس 4/3/2021 
بعد تلطٍّ دام سنوات عدة وراء الستار التركي، بدأت دولة قطر تتخذ خطوات علنية لاستعادة دورها في المشهد السوري، بالتزامن مع قدوم الإدارة الأميركية الجديدة. وشكّلت إعادة هيكلة الائتلاف السوري المعارض البوابة التي اختارتها الدوحة لتسجيل حضورها المستجد، وذلك في تكامل واضح مع مساعٍ تبذلها حليفتها أنقرة لإعادة ترتيب أوراق الفصائل المسلحة. 
ويسعى الائتلاف السوري الذي يعتبر الجسم الأكبر في صفوف المعارضة السورية، إلى استغلال مطالب "الإصلاح" التي تنادي بها بعض القوى الشعبية والسياسية السورية المعارضة من أجل تمرير ما يُعتقد أنها أوسع وأعمق عملية إعادة هيكلة يتعرض لها منذ نشأته عام 2012.  
 وبدأت، أخيراً، قيادة الائتلاف ممثلة برئيسه نصر الحريري تنفيذ خطة لوضع هيكلة جديدة للتمثيل العسكري في صفوف الائتلاف. وتتلخص هذه الخطة بمحاولة الاستناد الى المتغيرات التي طرأت على مشهد الفصائل المسلحة منذ عام 2015 من أجل الاستغناء عن الفصائل التي خسرت مناطق سيطرتها، وخصوصاً في ريفي دمشق وحمص وفي الجنوب السوري، وزيادة مستوى تمثيل الفصائل التي تنشط في مناطق الشمال السوري، وأهمها "الجيش الوطني السوري" و"الجبهة الوطنية للتحرير" وكلتاهما مدعومتان من تركيا. 
وجاءت هذه الخطوة بعد أيام قليلة من زيارة قام بها نصر الحريري للدوحة بتاريخ 23 شباط/ فبراير، اجتمع خلالها مع كل من وزير الخارجية القطري والسفير التركي في الدوحة. وقد أعطى هذا التزامن مؤشراً هاماً لبعض المراقبين للاعتقاد أن ما يشهده الائتلاف من تغييرات واسعة في هيكليته إنما جاء بإيعاز قطري مباشر.  
ولا تقتصر الغاية التي تتوخاها قطر من وراء ذلك على اتخاذ الائتلاف منصة من أجل تسجيل حضورها في الساحة السورية وحسب، بل أكثر من ذلك، تريد الدوحة أيضاً أن تضع ثقلها السياسي في الصراع المحتدم بين مكوّنات الائتلاف من أجل حسمه لمصلحة المكوّنات التي تدين بالولاء لكل من قطر وتركيا. 
وكانت الخلافات الأخيرة التي استفحلت بين مكوّنات الائتلاف على خلفية تعيين ممثليَن لكل من منصتي القاهرة وموسكو في اللجنة الدستورية، قادت المملكة العربية السعودية لاتخاذ قرار بإغلاق مكاتب هيئة المفاوضات السورية العاملة في الرياض، بعد تلقيها رسالتين من منصتي القاهرة وموسكو ترفضان من خلالها التعيينات الجديدة.  
وسبقت ذلك محاولة سعودية لإعادة التوازن إلى التمثيل السياسي للائتلاف من خلال ما بات يعرف بأزمة المستقلين، إذ سعت الرياض إلى إدخال ثمانية أعضاء مستقلين إلى صفوف الائتلاف، الأمر الذي رفضته قيادة الأخير. وقد تسبّب ذلك بأزمة كبيرة داخل صفوف الائتلاف لا تزال تداعياتها متواصلة حتى الآن. 
 ومن غير المستبعد أن تكون إعادة الهيكلة التي يشهدها الائتلاف حالياً بإيعاز من قطر، تهدف إلى قطع الطريق أمام أي محاولات جدية لإصلاحه على نحو يحقق التوازن بين بعض الأدوار الإقليمية. وقد يكون الهدف الأهم هو محاولة الالتفاف على أزمة المستقلين من خلال إدخال ممثلين عن فصائل محسوبة على تركيا مقابل التخلص من ممثلي الفصائل التي كانت تدور في فلك غرفة عمليات الموك والتي كانت كل من الرياض وأبو ظبي عضوين فيها. ويؤدي ذلك في حال تحققه إلى بقاء غالبية الأصوات في الائتلاف بيد المكوّنات المحسوبة على قطر – تركيا حتى لو تم إدخال المستقلين الثمانية الذين تدعمهم الرياض، وبالتالي إبقاء الائتلاف دائراً في فلك سياسات المحور التركي – القطري بعيداً عن تأثير المحيط العربي. 
في المقابل، يبدو أن بعض هيئات المعارضة ومنصاتها أصبحت بفعل الخلافات الداخلية والتأثيرات الخارجية أكثر ميلاً للتواصل مع "الإدارة الذاتية" في منطقة شرق الفرات، بهدف البحث عن احتمالات جديدة للتحالف وبناء جسم سياسي معارض جديد. فقد أعلن في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي عن توقيع مذكرة تفاهم بين حزب الإرادة الشعبية (منصة موسكو) برئاسة قدري جميل، وحزب الاتحاد الديموقراطي، الذراع السياسية لقوات سوريا الديموقراطية المسؤولة عن الإدارة الذاتية في شرق الفرات. كما أعلنت أخيراً هيئة التنسيق الوطنية عن إطلاق حوار مع القوات الكردية بهدف التوصل إلى مبادئ مشتركة وتعزيز العملية السياسية.  
ولعبت السياسة التي تتبعها تركيا بخصوص الملف السوري، دوراً كبيراً في دفع هيئات المعارضة السابقة للتواصل مع عدوّها اللدود قوات سوريا الديموقراطية، لأن أنقرة وضعت هيئات المعارضة أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التماهي مع سياستها أو الخروج من جسم الائتلاف، وقد سبق لكثير من المعارضين السوريين أن اختاروا الاستقالة من الائتلاف على خلفية تزايد النفوذ التركي عليه. ويبدو أن بعض هيئات المعارضة الراغبة في رؤية دور عربي أكبر في مساعي حل الأزمة السورية، لم تجد أمامها سوى خيار وحيد هو تعزيز علاقاتها بـ"قسد" باعتبارها باتت تمثل منصة مفضلة لدى بعض الدول العربية لمواجهة الدور التركي في سوريا. 
وتبذل أنقرة جهوداً كبيرة من أجل إعادة ترتيب صفوف الجماعات المسلحة في الشمال السوري، بالتوازي مع الجهود التي تبذلها الدوحة في إعادة هيكلة الائتلاف المعارض. وفي هذا السياق تحاول أنقرة تهيئة الأجواء المناسبة من أجل تخطي عقبة تصنيف هيئة تحرير الشام على قائمة الإرهاب من خلال السعي الى تشكيل مجلس عسكري موحد يتولى مهمة القيادة العسكرية في منطقة خفض التصعيد في إدلب، على أن تنبثق منه قيادة سياسية تتوخى أنقرة أن يكون لها دور في أي مفاوضات للحل السياسي. كما تضغط على الفصائل المسلحة في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام من أجل التماهي مع سياساتها أو تسليط بعض الفصائل عليها كما حصل مؤخراً مع الجبهة الشامية. 
ومن غير المستبعد أن تكون التغييرات والتحولات التي يقوم بها أبو محمد الجولاني، لا سيما ارتداءه بدلة رسمية عوضاً عن زي الحرب، جاءت بوحي من هذه السياسات التركية والقطرية بغية حجز دور له في مسار العملية السياسية. 
وثمة من يعتقد أن تجديد قطر دورها على الساحة السورية وسعيها الى إعادة صقل أدواتها القديمة، سيكون لهما تأثيرات كبيرة في تطورات المشهد السوري بمجمله، ولكن لا شك لدى هؤلاء في أن المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري ستجد نفسها أثناء ذلك أمام خيارات صعبة للغاية، فإما اللحاق بالمحور القطري – التركي نهائياً أو التعرض لمزيد من الانقسام والتشرذم.