الرئيسة \  واحة اللقاء  \  قفزة بوتين الأخيرة

قفزة بوتين الأخيرة

20.12.2016
د. يحيى العريضي


كلنا شركاء
الاثنين 19/12/2016
بعد حلب، تفوح في المكان رائحة التسوية السياسية للمسألة السورية؛ وناشر الرائحة ليس إلا بوتين صاحب “السوخوي” التي حوّلت حلب إلى نسخة متطورة من “غروزني” بفعل أوبامي. رافق حديث بوتين عن “التسوية السياسية” عبارة سحرية- طالما رددها طاقم بوتين: “وقف إطلاق نار يشمل الجغرافيا السورية كاملة.” من يملك السوخوي- وبجيبه تفويض أمريكي، واستدعاء استغاثي إيراني/ أسدي للحفاظ على كرسي الدم في دمشق- هذا يستطيع أن يخرس البارود في عموم جغرافيا سورية؛ ولكن للأسف نظرياً؛ وربما ليس إلا لفترة مؤقتة، تحول دون استمراريتها وشمولها أسباب لا حصر لها:
* أين يذهب بتبجحات نظام بشار الأسد المستمرة بأنه سيعيد “كل” الأرض السورية التي سيطر عليها “الإرهابيون” إلى حضن الوطن؟ وهل يستطيع أن يفقده المزيد من المصداقية التي أضحت في خبر “ليس”؟
* ماذا عن إيران التي ينتابها إحساس بأن إنجازها لن يكتمل و مشروعها في “الجمهورية الإسلامية” لن ينجح، إلا باكتمال الهلال الممتد من “قُم” إلى “الضاحية الجنوبية” قرب الحبيبة “إسرائيل”؟
* ماذا عن تركيا شريك المزاج الصافي مؤخرا؛ً ولكن ربما المضارب لاحقاً؛ الشريك الذي يعتقده ويريده صلة الوصل بين المعارضة (العسكرية والسياسية) الذين يريد أن يأتي بهم كفريق مفاوض مع”النظام”؟
* وكيف سيتدبّر السيد بوتين أمرالجهات الداعمة للمعارضة السورية؛ والتي لن تتبخر؟
* هل سيتمكن السيد بوتين، الذي ناصب المعارضة السياسية السورية العداء، احتواء صحوتها وإحساسها بالتقصير؛ وسعيها إلى مراجعات نقدية حاسمة وحتمية؟
* ما الذي سيفعله السيد بوتين ب “داعش” التي اتى إلى سورية تحت يافطة محاربتها (وفعلياً لم يمسها بسوء إلى الآن) وخاصة في ضوء ما فعلته أخيراً في تدمر؛ حيث أتى فعلها في لحظة وذروة انتصاره على أطفال حلب؟
* هل لدى السيد بوتين حلولاً سحرية لإطفاء إحساس الفصائل العسكرية المعارضة بالهزيمة وضرورة رد الاعتبار؟ وهل سيتمكن من الحؤول دون تحوّل تلك الفصائل إلى حرب عصابات لا تكترث بالراعي او الممول التركي أو الخليجي؛ وتنشربارودها فوق كل الجغرافيا السورية، التي يريد بوتين وقف إطلاق النار فيها؟
* والأهم من كل ذلك، لا ندري إن كان السيد بوتين ياخذ بعين الإعتبار العقابيل التي تركتها حلب من، إهانات وتمزق إجتماعي وإحساس شديد بالرغبة بالانتقام من ميليشيات إيرانية أفغانية حزبلاتية بشّعت بدم الحلبيين السوريين؟
كي يرى طرح السيد بوتين النور، لا بد أن يكون أولاً جاداً وصادقاً في تحويله إلى حقيقة. أمام السيد بوتين فرصة باستخدام التقارب مع ترامب وفريقه- بموقفه السلبي تجاه ايران- ويحول دون انجاز إيران مخططها واتمام مكسبها الاستراتيجي في المنطقة. ومن هنا لا بد من مصافقة روسية امريكية؛ فإن لم تكن ايران تحت المكبس، لن يكون نظام الأسد تحت ضغط كاف لييّسر مهمة بوتين. ولا يتم إبطال مفاعيل المنغصات السابقة إلا بمعاقبة نظام الاجرام؛ وكل الحجج والأسباب متوفرة له. معروف أنه لا يمكن أن تكون إيران تحت المكبس إلا بتناغم أمريكي روسي اسرائيلي؛ فايران، بقدر نظام الأسد، هي من استنجدت بالروس لمنع سقوط النظام. إن جنى بوتين من كل ذلك يساوي وربما يفوق ما يريد؛ فهو يحقق له تخفيف أحماله وإزاحة ملفاته ابتداءً من اسعار النفط والتدهور في وضعه الاقتصادي الداخلي مروراً بأوكرانيا وصولاً إلى ابتلاعه للقرم.
يقترح السيد بوتين مفاوضات في استانة، عاصمة كازخستان؛ ويقول مرافعاً عن أي اتهام بحرفه مسار جنيف بانها ستكون متممة لا بديلة عن جنيف؛ ولكنه في الوقت ذاته لا بد يدرك أن من يحميه في دمشق – وبمفاعيل إيرانية- كان يحول دون إعطاء السلام فرصة. كل القفزات أو اللعبات البهلوانية ظبطت مع السيد بوتين، ومؤكداً كان شرطها الأساس ذلك التفويض المزدوج الأمريكي-الإسرائيلي. حتى محاولاته الالتفاف على جنيف والقرار 2254 كانت تُمَرَّر بفعل ذلك الشرط الأمرو- إسرائيلي. مع قدوم إدارة أمريكية جديدة تعتمد مصافقات “البزنس” أساساً في السياسة، ومع المنغصات أعلاه، ومع العسل الروسي-التركي؛ إنها فرصة بوتين بذروتها للاقتناص. والثمن الذي على بوتين دفعه ليس إلا رمي تلك الأداة التي استنفدت فاعليتها، وأضحت عبئا عليه وعلى العالم؛ وإظهار العين الحمراء لمنظومة الملالي المارقة؛ وسينال ثناء العالم على ذلك؛ ويضحي ما ليس تحت سيطرته في سورية طوع بنانه. ولكن عليه أن يحسب و يتجرأ على قفزته الأخيرة تجاه أنياب إيران الدموية، ووضاعة نظام مجرم يستحق لاهاي فقط.