الرئيسة \  واحة اللقاء  \  قراءة في نكبة حلب

قراءة في نكبة حلب

20.12.2016
عبد الحميد مسلم المجالي


الدستور
الاثنين 19/12/2016
في هذه الحقبة السوداء من تاريخ الامة ، والميوعة غير المسبوقة في النظام العالمي ، كان متوقعا ما جرى في حلب منذ بدأ حصارها . فالعلم العسكري يقول ، انه عندما تحاصر فان عليك في النهاية اما ان تستسلم او تموت ، لان عدوك يزداد قوة ، بينما قوتك تتناقص كل يوم ، وخاصة اذا حوصرت في منطقة جغرافية محددة معرضة للقصف من اعداء يدفعهم الحقد الاسود لفعل اي شئ .
لم يكن متوقعا ان يصمد بضعة الاف من المقاتلين في وجه قوة دولة عظمى هي روسيا ، استخدمت كل ما انتجته ترسانتها العسكرية من اسلحة لتنفيذ “مبدا غروزني” القائم على ابادة كل شئ واعتماد سياسة الارض المحروقة ، بهدف استكمال “مهمتها “ في سوريا قبل ان يتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود في واشنطن ، عندما يتسلم ترمب الرئاسة ، حيث لايزال هناك نوع من الظلال وعدم الوضوح على سياسته الخارجية وخاصة بالنسبة الى سوريا .
ولم يكن من الممكن لبضعة الاف من المقاتلين ان يواجهوا امكانات دولة اقليمية كبرى مثل ايران ، صاحبة المشروع القومي والمذهبي ، والتي تعتبر سوريا الجائزة الكبرى لنجاح هذا المشروع حيث تطل منها على مناطق استراتيجية في الجهات الاربع من الشرق الاوسط . ولاتعتمد ايران على امكاناتها المادية والبشرية فقط ، فهي تعتبر كل الطائفة الشيعية في العالم خزانا بشريا تحت الطلب المستجاب في اي وقت من ازمنة صراعها المستمر لاستكمال مشروعها . لقد اثبتت ايران انها قادرة على تعبئة الشباب الشيعي مذهبيا في اي مكان من العالم ، للذهاب الى جبهات القتال بحماس ، بزعم الدفاع عن مراقد ال البيت ، المهددة بنظرهم من الطائفة السنية .
خطيب الجمعة في طهران يقول، ان الانتصار في حلب انتصار للمسلمين على الكفار . هكذا يعبئون شبابهم بتكفير الاخرين لاقناعهم بشرعية حربهم الطائفية .انهم تكفيريون مثل داعش تماما ، ويزعمون انهم يحاربون التكفيريين .
فبهذا التضليل وغيره ، يسيطر قادة طهران على الشباب الشيعي عبر العالم ، ويصلوا بهم الى الطاعة العمياء للولي الفقيه ، لاستخدامهم في تحقيق المشروع الايراني الامبريالي واضح المعالم ، والذي تتركز بداياته ونهاياته في المنطقة العربية وحدها ، باعتبارها المنطقة الرخوة في الشرق الاوسط امنيا وديمغرافيا وتكوينا سياسيا .
نكبة حلب لا تتركز في بعدها العسكري فقط ، بل في بعدها الديمغرافي الاكثر اهمية ، حيث ينطبق عليها ما جرى في مناطق اخرى من سوريا التي تم تهجير سكانها وجلهم من السنة ، في عملية تطهير مذهبي قسري لتغيير معالم سوريا الديمغرافية والمذهبية بما يخدم اهداف النظام المذهبية والسياسية ، لضمان الولاء السياسي على اساس طائفي ، كما يخدم المشروع الايراني الذي يسعى للاهداف ذاتها .
واهمون اولئك الذين يعولون على ما يسمى بالمجتمع الدولي او الاقليمي . فالسنوات الخمس التي تقترب من نهايتها في سوريا ، اثبتت ان ما يسمى بالمجتمع الدولي مجتمع منافق غير جدير بالثقة ، ويفتقد الى المصداقية ، حيث مضت تلك السنوات مليئة بثرثرة لم تتوقف من قبل قادة المجتمع الدولي وعلى راسهم ادارة اوباما المستعدة للرحيل غير مأسوف عليها ، بينما كانت روسيا تعمل بشراسة ضد الثورة السورية ، وتصم اذنيها عن ثرثرة ادارة اوباما والقارة العجوز ، لانها تعلم ان لديهم قرارات نهائية بالاكتفاء بالاقوال بعيدا عن الافعال ، وهو ما اعطى موسكو مساحة من الحرية لتفعل ما تشاء في مجلس الامن الدولي ، وعلى الارض في سوريا .
ليس صحيحا ان الحرب في سوريا هي الحرب في حلب رغم اهميتها الاستراتيجية والمعنوية . فالصراع في سوريا سيستمر طالما ان الشعب السوري قادر على تقديم التضحيات من اجل وطنه وحريته . وسياخذ هذا الصراع اشكالا عديدة مبتكرة ، لان الدم الذي جرى انهارا على الارض السورية ، لن تنطفئ حرارته بمعركة في مدينة واحدة او اكثر . انه صراع السنوات الطويلة من اجل مستقبل سوريا وشعبها ، بل من اجل المنطقة كلها .