الرئيسة \  واحة اللقاء  \  قراءة هادئة في الجريمة البشعة

قراءة هادئة في الجريمة البشعة

23.11.2013
راجح الخوري


النهار
الخميس 21-11-2013
اعتبر الرئيس نبيه بري ان الجريمة الوحشية التي ضربت السفارة الايرانية تستهدف كل اللبنانيين، ومن الضروري ان نضيف انها جريمة تستهدف كل المنطقة، وتصب في خانة واحدة هي الرعاية المتصاعدة لدفع المسلمين، سنّة وشيعة، الى أتون صراع وجودي.
بعيداً عن الاستنتاجات المأخوذة بهول الدم، وبعيداً عن حسابات الربح والخسارة في السياسة الاقليمية انطلاقاً من الازمة السورية، يتعين ان نتذكر ان استهداف السفارات لم يكن قط في حسابات الصراع المذهبي الاقليمي، الذي وإن احتدم في سوريا او غيرها، فانه التزم دائماً ويلتزم قواعد تضع الديبلوماسيين وسط دائرة الخط الاحمر، ولهذا كان البيان الايراني عن الجريمة اكثر وعياً وهدوءاً من البيان الصادر من دمشق وطوفان التحليلات التي استعجلت توجيه الاتهام الى السعودية وتحديداً الى الامير بندر بن سلطان، على خلفية موقف المملكة الداعم للمعارضة والمنتقد لتورط ايران في سوريا.
منذ اللحظة الاولى وجهت طهران وسفيرها في بيروت الاتهام الى اسرائيل، وقت كان تنظيم "القاعدة" يتبنى الجريمة عبر بيان "كتائب عبدالله عزام"، ومنذ زمن يحاول النظام السوري تصنيف المعارضة ارهابية وربطها بدول الخليج وخصوصاً السعودية وقطر، رغم ان السعودية تشن حرباً شرسة وطويلة على "القاعدة"، التي يمكن ان تضرب في السعودية قبل ايران، ومنذ زمن بعيد باتت "القاعدة" مثل قنبلة عنقودية موزعة على تنظيمات لا تحصى ويمكنها التحرك تلقائياً، لهذا بدت محاولات ربط السعودية بالجريمة مجرد اتهام سياسي مستعجل.
القراءة الهادئة في الجريمة تفرض على المراقب ان يتوقف ملياً امام مجموعة مترابطة من المواقف والتطورات وحساباتها الاقليمية :
١ - حصلت الجريمة عشية جلسة المفاوضات النووية مع ايران، والتي تتجه الى اتفاق مؤكد سيشمل على ما يبدو رسم خريطة هيكلية اقليمية ضامنة للادوار والمصالح تنهي الصراع المذهبي، الذي طالما كان هدفاً جوهرياً عملت اسرائيل على تحقيقه، وحصولها يؤجج الكراهيات ويلهب الاحقاد على مستوى الاقليم.
٢ - حصلت الجريمة عشية اعلان سيرغي لافروف انه من المهم ألاّ نسمح بتفاقم الانشقاق بين ايران والسعودية، الذي يرسم معالم خطيرة بين السنّة والشيعة، وبدا من خلال كلامه ان جنيف - ٢ سيجتهد لوضع حل يقفل الساحة الدموية السورية حيث تقوم مواجهة واضحة بين ايران والسعودية.
٣ - حصلت الجريمة وفق توقيت مرتبط بتطورات الميدان السوري، بحيث يبدو انه تصعيد خطير رداً على مؤشرات معركة القلمون.
٤ - ليس من عبث اتهام اسرائيل و"القاعدة" الموظفة عند الجميع بمن فيهم ايران، لكن هذا لا يمنع التأمل جيداً في ما يمكن ان يفعله مثلاً المتضررون من قيام حكومة انتقالية سورية في جنيف، والمتضررون من نشوء بيئة اقليمية متفاهمة تقرّب بين ايران ودول الخليج .