الرئيسة \  قطوف وتأملات  \  قبسات من غزوة بدر الكبرى 17 من رمضان  2 هـ

قبسات من غزوة بدر الكبرى 17 من رمضان  2 هـ

05.06.2018
محمد عادل فارس




كلما جاء رمضان تراءت للمسلمين بوارق العزّة كلما كانوا "مسلمين". ومن أوائل هذه البوارق غزوة بدر التي قدّمت المسلم جندياً مقاتلاً كما أنه متعبّد مصلٍّ صائم ذاكر، فالعبادة مدرسة للجندية الصادقة، تزاوجُ بين الإدارة الصلبة وبين الإخبات إلى الله تعالى.
قلّة من المؤمنين، وصفهم الله بأنهم أذلّة، نعم: أذلّة في العَدد والعُدد. (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلّة. فاتقوا الله لعلكم تشكرون). {سورة آل عمران: 123}.
ولئن كانوا أذلّة في هذا، فهُم أعزّة بالإيمان. (وأنتم الأعلَون إن كنتم مؤمنين). {سورة آل عمران: 139}. وإذا هؤلاء المجرّدون من القوة التي يعتزّ بها أهل الأرض يحققون نصراً ومجداً وتكون معركتهم فرقاناً بين الحق والباطل... وإذا المستكبرون الذين أقسموا أنهم سيأتون بدراً يتساقون فيها الخمور، وتعزف عليهم القيان... هم بين صريع يُلقى في القليب، وأسير يحتاج إلى من يفكُّ أسرَه.
والقيادة المسلمة التي تمثّلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يتلقّى الوحي من السماء، لا يستنكف عن الشورى بل يقول: "أشيروا عليّ أيها الناس". فيشير عليه المقداد بن عمرو، من المهاجرين، ثم سعد بن معاذ، من الأنصار، ويَطمئنُّ القائد الأعظم إلى ولاء جنوده، وإلى الروح المعنوية العالية في نفوسهم.
بل يتقدّم الحباب بن المنذر فيقول: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل [أي هذا الموضع الذي اتخذته لجنودك] أمنزلاً أنزلكه الله، فليس لنا أن نتقدم عليه أو نتأخر؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟. قال صلى الله عليه وسلم: "بل هو الرأي والحرب والمكيدة". فقال الحباب: فإن هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم فتنزل. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أشرتَ بالرأي". فكان درساً لكل قائد إلى يوم القيامة.
ويظهر أثر العبودية لله، فالأمر له سبحانه، وهو الذي ينصر من يشاء. ويدعو النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد". ويجتهد في الدعاء حتى يسقط رداؤه عن منكبيه.
ويحرّض النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين على القتال: "والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيُقتل صابراً محتسباً، مقبلاً غير مدبر، إلا أدخله اللهُ الجنة". ويسمعه عمير بن الحمام، وبيده تمرات يأكلهن، فيقول: أما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء؟! ويقذف بالتمرات، ويقاتل حتى يُقتَل.
وتبدأ المعركة، بالمبارزة، وكما يقود النبي صلى الله عليه وسلم المعركة بنفسه، يندب أقرب الناس إليه، عمّه حمزة، وابني عمه علي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب. فساعة المبارزة هي الأكثر خطورة، والقائد المسلم يقدّم أهله للمخاطر قبل غيرهم.
وتمضي المعركة ويُستشهَد من المسلمين أربعة عشر: ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار، ويُقتَل من المشركين سبعون، فيهم أبو جهل وعتبة وشيبة ابنا ربيعة... ويؤسر سبعون... ويقول الله تعالى: (قل للذين كفروا: إن ينتهوا يُغفَر لهم ما قد سلف. وإن يعودوا فقد مضت سنّة الأولين). {سورة الأنفال: 38}.
ويقول جل شأنه: (قل للذين كفروا: ستُغلَبون وتُحشرون إلى جهنم وبئس المهاد. قد كانت لهم آية في فئتين التقتا: فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة. يرونهم مثليهم رأي العين. والله يؤيّد بنصره من يشاء. إن في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار). {سورة آل عمران: 12، 13}.