الرئيسة \  واحة اللقاء  \  “قانون قيصر” يخلط الأوراق الإماراتية في سوريا ويهدد أحلامها التوسعية في المنطقة

“قانون قيصر” يخلط الأوراق الإماراتية في سوريا ويهدد أحلامها التوسعية في المنطقة

15.06.2020
سليمان حاج إبراهيم



القدس العربي
الاحد 14/6/2020
الدوحة ـ”القدس العربي”:  تغوص الإمارات العربية المتحدة مجدداً، في مستنقع أزمات المنطقة، وهذه المرة في وحل المياه السورية الراكدة، بعد نسف قانون قيصر الأمريكي، الذي يستهدف حلفاء وداعمي نظام بشار الأسد، آمال شركاتها وأذرعها الطامحة للتوسع والباحثة عن نفوذ لم يعد متاحاً تحقيقه في أي مكان.
 وتجد أبو ظبي نفسها في مأزق صعب، تبحث لها عن مخرج من مغامرتها الجديدة، بالتزامن مع ورطتها في ليبيا، واحتراق أوراق حليفها المشير خليفة حفتر.
وخلط قانون قيصر، أوراق الإمارات التي كانت تسارع الخطى لتطبيع شامل للعلاقات مع النظام السوري، وتخطط سراً لسحب عواصم أخرى لمحورها، أملاً في تثبيت دعائمه والاستئثار بقراره، خدمة لأجنداتها.
الخطة الإماراتية في التغلغل في بلاد الشام لم تدرس بعناية تفاصيل المشهد الملغوم، وغابت عن صانع قرارها تحولات الملف لأولوية حيوية للرئيس دونالد ترامب الذي يبحث بدوره عن متنفس لأزماته الداخلية.
مغامرة أبو ظبي في سوريا خرجت للعلن مع الاتصال الذي أجراه ولي عهدها حاكم الإمارات الفعلي الشيخ محمد بن زايد مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، وهو أول اتصال علني من زعيم خليجي منذ بدء الأزمة السورية قبل 9 سنوات. لكن قبل الاتصال لم تكن العلاقات بين أبو ظبي ودمشق انقطعت خلال السنوات الماضية؛ بل كانت على قدر عالٍ من التنسيق المتبادل والدعم السياسي والمالي الذي قدمته الإمارات للنظام السوري.
التقارب الإماراتي السوري العلني، كان يستند على مناورات سرية بدأت تفاصيلها تكشف علناً، لتتضح خبايا دور أبو ظبي في تمويل جزء كبير من الحملات الروسية، والدعم المادي للنظام الذي كان يعاني عزلة دولية. وحافظت الإمارات على التبادل المالي، مع أركان النظام، وكانت بنوكها تشكل متنفساً لبشار الأسد.
ولم تجد أبو ظبي حرجاً في التأكيد أن علاقاتها مع النظام السوري ظلت قائمة حتى في ذروة التصعيد الدولي ضد جرائمه المرتكبة ضد المدنيين.
وأعلن القائم بأعمال دولة الإمارات العربية المتحدة في دمشق، المستشار عبد الحكيم إبراهيم النعيمي “أن العلاقات بين بلاده وسوريا متينة ومتميزة وقوية”.
وأضاف خلال حفل استقبال سابق، بمناسبة العيد الوطني للإمارات العربية في سفارتها بدمشق “علاقات البلدين تقوم على أسس واضحة وثابتة قاعدتها لم الشمل العربي عبر سياسة مُعتدلة”.
 الرياض في مفترق طرق
انتقال الأذرع الإماراتية من طرابلس الغرب نحو الشام، يتم في ظاهره العلني، من دون أي توافق مع حليفتها السعودية التي تجد نفسها في مفترق طرق، ومأزق صعب، يجعلها تخشى الانغماس في لعبة أبو ظبي والتماهي مع خططها. وتخشى الرياض أن تلسعها نيران واشنطن على ضوء ملفاتها المتراكمة. وحتى الآن، فإن المملكة وإن كانت ترغب في تطبيع العلاقة مع نظام الأسد “نكاية” في تركيا حليفة غريمتها الدوحة، إلا أن هذه الرغبة لا يمكنها أن تقفز على الإرادة الأمريكية، خصوصاً وأن ملف اغتيال جمال خاشقجي في قنصلية الرياض في اسطنبول، لا يزال مفتوحاً.
مندوب السعودية لدى الأمم المتحدة، عبد الله بن يحيى المعلمي، لم يغلق الباب في تصريح صحافي، في وجه إمكانية إعادة بلاده فتح سفارتها بدمشق على غرار الإمارات. لكنه تدارك الأمر بالتأكيد أنه لا توجد حالياً أي نية لدى الرياض لاتخاذ خطوة مشابهة لما فعلته دولة الإمارات بإعادة فتح سفارتها بدمشق، موضحاً أن الوقت لم يحن بعد.
وأضاف أن “العلاقات السعودية السورية يمكن أن تعود ببساطة في أي يوم وأي لحظة؛ إذا انتهت الأزمة السورية وتم التوافق بين الشعب السوري على التوجهات المستقبلية في البلاد” مشيراً إلى أن “سوريا لا بد أن تعود يوماً إلى جامعة الدول العربية وهذا بحاجة لعدة خطوات” وفق تعبيره.
تحول الموقف السعودي حول الملف السوري، تزامن مع وصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الحكم في المملكة، ومن لحظتها تغيرت لهجة السعودية بشأن الرئيس السوري بشار الأسد ومصيره.
وبدا ذلك في جليا آب/اغسطس 2017 حيث دار الجدل حول ما إذا كانت المملكة مارست ضغطا على المعارضة أثناء اجتماعها مع وزير الخارجية السابق عادل الجبير الذي طلب – حسب تسريبات المعارضة – التنازل عن الثوابت الأساسية المتعلقة بضرورة رحيل الأسد قبل أي عملية انتقالية.
وهو ما يتناقض والتصريحات السعودية السابقة ونبرة الرياض الحادة، والتي أكدت مرارا وتكرارا في وقت سابق بأنه لا مكان للأسد في سوريا.
التردد السعودي حيال نظام الأسد، لم يثن أبو ظبي التي تريد الذهاب بعيداً في خطتها الرامية لإنقاذ الأسد، وتراهن عليه، خدمة لأجندتها وبحثاً عن موطئ قدم في المنطقة الملغومة، ولتكون دوماً نداً لأنقرة.
وتفتش الإمارات بعد تصاعد لهجة واشنطن مع سريان قانون قيصر، عن أي ثغرة من شأنها الولوج من خلالها، وتفادي أي حرج أو عتب من الإدارة الأمريكية. وتقوم استراتيجيتها أساساً على تطويع “القانون الجديد” والتأكيد على الفرق بين الشركات التي لها أنشطة عسكرية، وتلك المتخصصة في أعمال البناء والهندسة المدنية أو التكنولوجيا.
هذه المحاولات تأتي على خلفية تزايد وتيرة زيارة وفود وممثلي شركات المقاولات الإماراتية دمشق، منذ أغسطس/آب 2019.
ونشر عدد من المراكز البحثية المتابعة للشأن السوري، تقارير عن النشاط الإماراتي في سوريا.
وتشير المتابعات إلى أنه وقبل بضعة أشهر من إعادة فتح أبو ظبي بعثتها الدبلوماسية في دمشق قبل عام، زار مسؤولون إماراتيون سوريا عدة مرات لمناقشة دور بلادهم في الاستثمار في إعادة الإعمار بعد الحرب. وبطبيعة الحال، تريد روسيا أن تستخدم دول الخليج العربية الغنية مواردها المالية الكبيرة لتمويل عملية إعادة الإعمار، لأن الروس يفتقرون إلى الموارد اللازمة لفعل ذلك بمفردهم، الأمر الذي يقود إلى أهمية تعزيز الشراكة بين أبو ظبي وموسكو.
وتراهن الإمارات على إعادة الإعمار والمصالح المالية في خطواتها المقبلة، ومحاولات الالتفاف على القانون الذي تراهن عليه واشنطن في تضييق الخناق على نظام الأسد، وحلفائه، وتحديداً إيران. وتتطلع الإمارات إلى جانب الصين وغيرها من الدول، إلى مثل هذه الفرص. وتحاول أبو ظبي استخدام قوتها الاستثمارية في مجال إعادة الإعمار لجذب سوريا بعيداً عن تركيا وإيران.
هذه الخطوات أثارت حفيظة وزارة الخارجية الأمريكية، التي عبرت عن علمها بزيارة وفود اقتصادية لدمشق في تغريدات صدرت من حساب تويتر الخاص بموقع السفارة الأمريكية في سوريا.
وتسوق اللوبيات الإماراتية في واشنطن أن هدف تحركاتها في سوريا، مبعثه تشييد سد في وجه روسيا، وإيران، ومناكفتها، طالما أنها حليف موثوق للولايات المتحدة.
وحسب تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي، فإنه عند “التأمل في المصالح الإماراتية التي دفعت أبو ظبي إلى إعادة دعم حكومة الأسد بهذا الوضوح، فثمة العديد من العوامل التي يجب أخذها في الحسبان”. وشدد المصدر على أن الإمارات مقارنة بالسعودية وقطر على الأقل، لم تكن أبداً متمسكة بالإطاحة بالنظام البعثي في سوريا. وباعتبارها دولة مجلس التعاون الخليجي الأكثر عداءً لجماعة الإخوان المسلمين وقوتها الإقليمية، أدرك المسؤولون في أبو ظبي رغم كل خلافاتهم مع حكومة الأسد حول مجموعة من الملفات (إيران، وحزب الله اللبناني، إلخ) أن انهيار النظام السوري كان سيفيد على الأرجح جماعة الإخوان المسلمين السورية.
ووفقاً لتقارير إعلامية تركية، نسقت الإمارات مع دمشق لمساعدة جيش الأسد لقتل بعض قادة الجماعات المناهضة للنظام في الفترة بين عاميّ 2012 و2014 مثل زهران علوش وحسان عبود وأبو خالد السوري، وعبدالقادر صالح. وفضلاً عن ذلك، طوال الحرب الأهلية السورية، لم يكن سراً أن الإماراتيين تركوا أبوابهم مفتوحة لرجال الأعمال السوريين الأثرياء المرتبطين بالنظام وأفراد عائلة الأسد.
حامي الثورات المضادة
توجه للسلطات الإماراتية منذ بداية الربيع العربي، أصابع الاتهام، لكونها تعمل على وأد التجارب الديمقراطية في المنطقة، وتقف في وجه تطلعات الشعوب المطالبة بالحرية.
وحتى الآن تنظر أبو ظبي إلى نظام الأسد على أنه أحد الناجين منه. وبعد أن شهد المسؤولون الإماراتيون سقوط الحكومات المتحالفة معهم في تونس والقاهرة عام 2011 خلال موجة الانتفاضات الشعبية التي أدت إلى صعود الأحزاب الإسلامية المحلية إلى السلطة، أصبحوا لا يرغبون في رؤية نظام إسلامي سني يسيطر على دمشق. وحالياً، في فترة ما بعد الربيع العربي، تروج الإمارات لنموذج “الاستقرار السلطوي” المناهض للإخوان المسلمين في الشرق الأوسط، وأكدت دعمها للجنرالات المستبدين “العلمانيين” في القاهرة وشرق ليبيا، حسب ما يرى الموقع الأمريكي.
وتروج أبو ظبي في واشنطن عبر قنواتها غير الرسمية، أن خطواتها في دعم شرعية نظام الأسد، تحت شعار مكافحة “الإرهاب” و”التطرف” وهي تدغدغ بذلك مشاعر التيار اليميني في البيت الأبيض.
عقدة تركيا
الانغماس الإماراتي في مستنقع الأزمة السورية، تدفعه عدد من المحددات الأساسية، إضافة إلى عامل محاربة التيارات الإسلامية، يأتي منها الدور التركي، الذي تحول لمتلازمة للسياسة الخارجية الإماراتية.
ويهمس المسؤولون الإماراتيون المقربون من دوائر صنع القرار في البيت الأبيض في آذان نظرائهم الأمريكيين، أن “السياسة الخارجية الطموحة لتركيا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشكل تهديداً خطيراً لا لمصالح الإمارات فحسب، بل لمصالح الولايات المتحدة أيضاً”.
وتراهن أبو ظبي على دعم علني وسري لنظام الأسد، وتعتبره خطوة من الضروري أن تتخذها الدول العربية لمواجهة هذا “التهديد” المفترض.
ويتباحث ساسة أبو ظبي تزامناً مع تفعيل قانون قيصر الأمريكي، في البدائل المتاحة للالتفاف عليه، من دون إغاظة واشنطن ولا رئيسها الذي يخطط لإبعاد الأنظار عن الضغوط الداخلية التي يواجهها وتنسف خططه للظفر بولاية ثانية.
ولا تزال الإمارات تحلم باليوم الذي تجرى فيه لقاءات رسمية بين بشار الأسد محمد بن سلمان في العاصمة السورية دمشق، لمناقشة خطط إعادة الإعمار، وتحقيق انتصار وهمي يراود أذهان الإماراتيين منذ فترة.
لكن المجريات الميدانية، تؤكد جميعاً أن الأحلام الإماراتية ستظل بعيدة المنال، وتزيد من متاعب ولي عهد أبو ظبي الذي احترقت كل أوراقه في المنطقة، مع احتمال أن تكون المغامرة السورية الأخيرة، في سلسلة الإخفاقات التي تكبدها في كل مكان.