الرئيسة \  واحة اللقاء  \  “قانون قيصر” محاولة أخيرة من واشنطن لخنق النظام السوري وتحقيق تحولات سياسية

“قانون قيصر” محاولة أخيرة من واشنطن لخنق النظام السوري وتحقيق تحولات سياسية

15.06.2020
رائد صالحة



القدس العربي
الاحد 14/6/2020
واشنطن-“القدس العربي”: يتفق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأعضاء الكونغرس، في مشهد نادر، على شيء واحد يتعلق بالشأن السوري، وهو الحرص على تنفيذ قانون قيصر لحماية المدنيين، الذي يعاقب أي شخص يدعم قطاعات الجيش والطاقة والهندسة السورية ما لم تقم دمشق بسلسلة من الإصلاحات في مجال حقوق الإنسان، ومعاقبة البنك السوري المركزي، الذي وصفته واشنطن بأنه “مصدر قلق رئيسي لغسل الأموال”.
ومن المتوقع، خلال أيام، أن تعلن وزارة الخزانة الأمريكية عن الشريحة الأولى من العقوبات المرتبطة بالقانون، وهو التشريع الأكثر توسعاً حتى الآن في حملة خانقة بالفعل للعقوبات الأمريكية التي تستهدف النظام السوري.
وتبدو طموحات القانون مغرية تماماً في واشنطن، حيث اقترح صناع السياسة تصعيد الضغط الاقتصادي على نظام الأسد بطرق من شأنها معاقبة مجرمي الحرب وتحقيق التنازلات السياسية والمساعدة في تحقيق انتقال سياسي طال انتظاره.
وأوضح العديد من المحللين الأمريكيين أن الإطار السياسي لقانون قيصر يبدو واضحاً، وأشاروا إلى أن القانون ليس معقداً، حيث تراكمت العقوبات الأمريكية على سوريا منذ عام 1979 وتسارعت بشكل كبير مع بداية الثورة السورية والحملة القمعية التي تلت ذلك في عام 2011 وضمن هذه السلسلة تكمن حداثة القانون في نطاقه الواسع.
وأضافوا أن التدابير السابقة استهدفت مزيجاً من الجهات الفاعلة الفردية وقطاعات مختارة، في حين يتعهد قانون قيصر، على النقيض من ذلك، بفرض ما يسمى بالعقوبات الثانوية على الشركات من مختلف الجنسيات، التي تتعامل مع الجهات الخاضعة للعقوبات في قطاعات متعددة من الاقتصاد السوري، خاصة في قطاعات البناء والطاقة، وهكذا يهدف المشروع إلى تعميق عزلة دمشق عن طريق ردع الاستثمار من قبل أي شركة من بيروت إلى دبي إلى بكين.
وأصر مؤيديو القانون على أن العقوبات الجديدة ستمنح صناع السياسات في واشنطن شكلاً، يحتاجونه بشدة، من أشكال النفوذ، حيث لا يمتلكون سوى القليل، في حين قال بعض النقاد إن أنصار العقوبات يبالغون بالفعل في تقدير قوتها كأداة سياسية، بينما يتم تجاهل تأثير العقوبات على المدنيين.
وتتردد، أيضاً، أسئلة في واشنطن بشأن قدرة العقوبات على تغيير سلوك الأسد، وهناك توقعات متشائمة في أن القانون سيدفع الاقتصاد السوري المدمر إلى عمق البؤس، ولكن هناك اتفاقا على أن القانون سيمنع النظام السوري من تحقيق أي نوع من أشكال التعافي الاقتصادي، مع إشارات إلى ضرورة وضع آليات عالمية للرصد والتطبيق تتجاوز تلك المطلوبة في التدابير السابقة.
وأوضح خبراء أن القوة الحقيقية لقانون قيصر تكمن في أن تداعياته ستظهر على المدى الطويل وليست بشكل مباشر، وتعني فقرة “الغروب” في القانون أنه سيبقى صالحاً لمدة 5 سنوات، وربما لفترة أطول، ويمكن للرئيس الأمريكي أن يوقف تنفيذ القانون إذا استجاب النظام لسبعة معايير، من بينها الإفراج عن المعتقلين السياسيين، واتخاذ خطوات يمكن التحقق منها لتثبيت مساءلة ذات مغزى.
وحرص الكونغرس الأمريكي في المجلسين من الحزبين الديمقرطي والجمهوري على إظهار إجماع بشأن تشديد العقوبات الأمريكية، حيث جددت مجموعة من المشرعين الدعوة لإدارة ترامب لتطبيق حزمة عقوبات صارمة على نظام الأسد.
وتعاون رؤساء وأعضاء لجان العلاقات الخارجية في كلا المجلسين على إصدار بيان في هذا الشأن قبل الموعد النهائي في 17 حزيران/يونيو لإصدار العقوبات بموجب قانون حماية المدنيين، الذي أصبح قانوناً في كانون الأول/ديسمبر 2019 وكان من بين الموقعين النائب إليوت إنجل والسيناتور جيمس ريش وبوب مينيندز.
وأكد المشرعون في البيان على أنه يجب على الإدارة أن تنخرط في تطبيق صارم ومستدام لقانون قيصر من أجل إرسال رسالة إلى النظام وعناصره مفادها أن الأسد لا يزال منبوذاً، وأضافوا: “لن يستعيد مكانته كرئيس شرعي، يجب على النظام ومن يرعاه أن يوقفوا ذبح الأبرياء وأن يمدوا للشعب السوري طريقاً نحو المصالحة والاستقرار والحرية”.
وظهرت تأكيدات في العاصمة الأمريكية بإن الإدارة تسير في الطريق الصحيح للوفاء بالموعد النهائي، وأن البنك المركزي السوري سيحكم عليه أن يكون مؤسسة مالية ذات أهمية أساسية في غسيل الأموال.
وردد العديد من المشرعين الأمريكيين شهادة المصور “قيصر” أمام لجنة العلاقات الخارجية في وقت سابق من العام الجاري، حيث قال إن القانون هو “شعاع الأمل الأخير للشعب السوري في غياب أي حل سياسي أو إنساني”.
ويعاقب قانون قيصر الأجانب الداعمين للنظام السوري من أشخاص وشركات ودول اقتصادياً وعسكرياً ومعلوماتيا، ويفرض القانون، الذي يدوم لمدة خمسة أعوام، عقوبات على البنك المركزي السوري، في حال احتمال ما وصفته الإدارة الأمريكية بأنه “مصدر قلق رئيسي لغسل الأموال” كما يعاقب منتهكي حقوق الإنسان والمتواطئين معهم، وينص على مساعدة الشعب السوري، ويبحث في سبل حمايته، ويدعم جميع الأدلة والتحقيق لمحاسبة مجرمي الحرب، وهو يربط رفع العقوبات بالتزام النظام السوري بحقوق الإنسان وإيقاف الانتهاكات والإفراج عن المعتقلين.
وعلى الرغم من الحماس الأمريكي لتنفيذ قانون قيصر، إلا أن بعض المخاوف ظهرت في واشنطن بشأن تداعيات القانون على المدنيين، حيث أكد خبراء على أن “جهود إحياء التعليم والإسكان والمستشفيات ستشل بشكل كامل تقريباً” وقالوا إن القانون سيخيف الاستثمار الصيني والروسي والاستثمارات المقبلة من بعض دول الخليج في البلد الذي مزقته الحرب.
وأشار العديد من المحللين إلى أن تطبيق جزء صغير من القانون قد يؤدي إلى تدمير كامل للاقتصاد السوري، حيث يتجاوز الأمر إعادة الإعمار ليصل إلى قضايا فرعية. وعلى سبيل المثال كان للعقوبات ضد إيران تأثير مدمر على إمدادات الوقود في العام الماضي.
وامتدح صانعو السياسات القانون باعتباره خطوة نحو المساءلة عن جرائم نظام الأسد، ولكن هناك اعتقادا بأنه، بدون ضمانات قوية وسياسة أمريكية متماسكة، فإن القانون قد يؤذي المدنيين، الذين يهدف لحمايتهم بينما يفشل في التأثير على النظام نفسه.
وأوضح محللون أن الولايات المتحدة تعتقد بأن تقديم الأموال إلى مشاريع إعادة الإعمار في المناطق التي يسيطر عليها الأسد، ستعني إعادة البناء في ممتلكات أولئك الذين هاجروا للدول الأوروبية، وهذا يعني تدميرها نهائياً، كما أنها قد تؤدي في نهاية المطاف إلى نوع من التطهير العرقي.
وأعرب صانعو السياسة في واشنطن عن أملهم في أن يزيد قانون قيصر من معاناة البلاد بطرق قد تخلق تشققات داخل النخبة الحاكمة أو تزيد من الضغط الروسي على دمشق للإصلاح، على أمل جذب دولارات المساعدات الغربية، في حين أشار بعض الخبراء إلى أن موسكو غير قادرة على استخراج تنازلات ذات معنى من عميلها في دمشق، ولا يوجد سبب مقنع يدعو للقول إن هذا النمط سيتغير.
والعقوبات، هي المصدر الرئيسي لنفوذ واشنطن في سوريا، ولكنها، حسب ما قال العديد من الباحثين، لن تكون رافعة مفيدة إلا إذا اقترنت باستراتيجية شاملة وواضحة وواقعية، ولكن واشنطن ما زالت تتحدث بلغة أهداف غير محددة وغير قابلة للتصديق، من تأمين انتقال سياسي إلى طرد القوات الإيرانية، وعلى أي حال، تداعيات القانون لا تزال غامضة، ولكن الكثير من المدنيين يعتقدون أن الأمور تسير من سيء إلى أسوأ ولا يرون أي أمل في أي تغيير للأفضل.