الرئيسة \  قطوف وتأملات  \  عودة - قصة قصيرة

عودة - قصة قصيرة

13.09.2017
ابتسام شاكوش


خرج مغاضبا
ترك لقدميه مهمة تحديد وجهة سيره
هناك..حيث الكون ما يزال على حالته السديمية الأولى , وقف وسط سحابة  من الغبار , مشهرا جمرة  سيجارته نافثا الدخان حلقات فوضوية رمادية , تدور في الفراغ حول نفسها , تتسع دوائرها ببطء حتى تتلاشى
***************
هناك
حيث خط  دخان التبغ في صدره سطرا عموديا من الألم , يمتد بموازاة عظم القص , ويتمدد ليغمر الرئتين بحرقة خفيفة يحسها في كل شهيق له وزفير , وقف يرسل النظر حائرا , يبحث عن وسيلة  تمكنه من زرع رقاع الشطرنج بأعشاب الملاعب .
**************
هناك
راح يستعرض أدواته , التاريخ هوة ظلماء تسكنها قبائل الجن وعفاريت ألف خيبة وخيبة , الحاضر سوق غاب عنه علي بابا , وانتشر أتباعه انتشار البراغيث , المستقبل بحر مشحون بالضباب . الرؤية غائمة  محدودة المدى , الأفق ينتهي عند حدود النظر , يعاتب البشرية والكون على  سنوات من عمره ضاعت هنا , وهو واقف بينهم منتصب القامة كتمثال للألم لا يشعر بحزنه أحد , يملأ الصدر بحريق السجائر , ويتماهى مع دخانها بين عوالق السديم .
كنانة الألوان محمولة على عاتقه , اللوحة صحراء تدور في بلقعها دوامات الريح العابثة , تجع الرمال لتعود فتذروها من جديد , لاطمة  العيون بما يمنع النظر من الانطلاق , يقبض على بذور الفكر وينظر إلى الأفق المسدود متضرعا , لا سحابة  تبشر بالغيث , يطبق أصابعه بقوة, تتفصد مسامات جلده  عرقا , يتسرب نضح خلاياه إلى الأجنة المخبأة خلف قشورها , تنتش , تمد جذيراتها البيضاء اللامعة  إلى حيث أخبرته قارئة الكف يوما أن خط الحياة لديه طويل ممتد إلى ما لا تدركه عرافة  أو بصارة , وأن خط  السعادة منفصل تماما عنه , البذور النابتة جمعت بين الخطين , شعاع ثاقب انبثق من مكان الوجع خلف عظم القص , تحركت عضلات وجهه , تقبضت في مشروع بسمة , كشفت عن أسنان شارفت على الفناء في زنزانة الكآبة والتشيؤ ,  نفرت سحابة فرح من منطلق دخان السيجارة , استمطرت مأقيه دموعا , أطبق جفنيه , البذور النابتة في كفه  أورقت , نشرت الأخضر بين خطوط الحياة والسعادة والزواج والموت .
ركض , مادا الخطوة إلى حيث يستقر النظر هاتفا : الآن جئتك يا مدينتي ...افتحي مغاليقك
وصل منهكا
توقف مستطلعا
كل البيادق كانت ثابتة في أماكنها
متشبثة برقاعها
ومازالت الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال
ومازال كلبهم باسطا ذراعيه بالوصيد