الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عودة بشار للجامعة العربية: حاجة في نفس بوتين سيقضيها

عودة بشار للجامعة العربية: حاجة في نفس بوتين سيقضيها

31.01.2019
نزار بولحية


القدس العربي
الاربعاء 30/1/2019
بين إشارة وزير الخارجية التونسي، السبت الماضي في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده مع نظيره الروسي، إلى "المكان الطبيعي لسوريا" وتأكيدات الرئيس قائد السبسي لسيرغاي لافروف في اليوم نفسه على ضرورة الحصول على "قرار توافقي" عربي يتيح عودة دمشق لذلك المكان، هناك خيط رفيع يسمى مسافة الأمان الدبلوماسي في التعامل التقليدي لتونس مع العروض المقدمة من موسكو، بما فيها العرض الأخير الذي طرحه الموفد الروسي بالسعي لدعوة النظام السوري لقمة تونس العربية، بالأصالة عن القيصر الروسي وبالنيابة ايضا عن بشار الأسد، الذي يبدو أنه صار شبه متيقن من أن أبواب الجامعة التي أقفلت في وجهه ستشرع أمامه من جديد بعد شهرين من الآن، وسيكون بمقدوره إن لم يجازف هو بالحضور بنفسه أن يرسل وفدا برئاسة وليد المعلم على الارجح، ليشغل المقعد السوري في القمة، بما انه لم تعد هناك كما يبدو عقبات كبرى بوجه تلك العودة.
وربما كان متوقعا من لافروف أن يطرح على مضيفيه، الذين يستعدون لاحتضان القمة العربية أواخر مارس المقبل مثل ذلك الموضوع، رغم انه كان يعلم جيدا أنهم كثيرا ما رددوا أن مسألة عودة النظام السوري للجامعة أو توجيه الدعوة له لحضور القمة المرتقبة في تونس ليست بيدهم، بل هي من الناحية الشكلية، على الاقل، بيد وزراء الخارجية العرب الذين أخذوا القرار بتجميد عضوية ذلك النظام. ولكن الدبلوماسي الروسي الرفيع، لم يوضح بالمقابل في المؤتمر الصحافي الذي عقده بتونس، ما الذي يطلبه منها بالتحديد، وما الذي يعنيه لما قال "مثلما تحدثت في الجزائر والمغرب فإنني تحدثت مع الاصدقاء التونسيين عن ضرورة العمل لعودة سوريا إلى الجامعة العربية". فهل كان يأمل أو يتصور مثلا أن تضغط تونس أو الدول المغاربية الأخرى، التي زارها، من جانب واحد وتحاول فرض قرار عودة النظام السوري للجامعة على باقي الاعضاء؟ أم أنه أراد فقط من التونسيين أن يحسموا ما يبدو ترددا من جانبهم في تطوير علاقاتهم المحدودة مع ذلك النظام في اتجاه تطبيعها بشكل كامل، ضمن سياق أشمل لإعادة ترتيب وصياغة تحالفاتهم الاقليمية من جديد؟
لقد كان لافتا أن وزير الخارجية الروسي وضع ذلك الطلب بالذات على طاولة لقاءاته بكبار المسؤولين في العواصم المغاربية الثلاث التي زارها. ولسائل أن يسأل عن سر ذلك الحرص، أو عما يمكن أن تستفيده روسيا مثلا في حال ما إذا اقرت القمة العربية المقبلة عودة النظام السوري لشغل مقعده الفارغ فيها؟ فهل أن تلك العودة ستصب في صالح العرب أولا وأخيرا؟ أم أنها ستخدم بالاساس قوى خارجية مثل روسيا، ولن تكون بالنهاية ترجمة لحاجة قومية، مثلما قد يدعي من مازال يؤمن بشيء يدعى البيت العربي الرسمي المشترك على قصوره وعلاته العديدة؟ ربما سيكون من الضروري قبلها أن نعود للسبب الذي حدا بالانظمة العربية لطرد النظام السوري من الجامعة، أو بالاصح لتعليق عضويته فيها. فالقرار الذي اخذه وزراء الخارجية العرب في القاهرة قبل أكثر من سبع سنوات من الان بـ"تعليق مشاركة وفود سورية في اجتماعات مجلس الجامعة العربية، وجميع المنظمات والاجهزة التابعة لها" كان مرتبطا حينها بمدى استجابة النظام السوري لجملة من الشروط، وهي"التنفيذ الكامل لتعهداته وتوفير الحماية للمدنيين السوريين"، وكان يشمل أيضا مجموعة من العقوبات السياسية والمالية، من أهمها الدعوة لسحب السفراء العرب من دمشق. وربما يذكر البعض في ذلك الوقت كيف خرج مندوب النظام السوري في الجامعة ليعلق على التلفزيون الرسمي بأن القرار كان "غير قانوني ومخالف لميثاق الجامعة ونظامها الداخلي" وانه "ينعى العمل العربي المشترك وإعلان فاضح بأن إرادتها أي الجامعة تخضع لأجندات أمريكية غربية".
مشهد وصول الرئيس السوداني إلى دمشق بطائرة روسية دليل على أن مفاتيح التطبيع العربي مع النظام باتت الآن بيد الروس وحدهم
ومن المؤكد أن الدول العربية التي صوتت لصالح ذلك القرار لم تكن تملك رؤية مشتركة للمرحلة المقبلة، أو تصورا موحدا لأبعاد تلك الخطوة ومآلاتها. ولعلنا لا نبالغ حين نقول إن معظمها لم يبادر للدفع نحو ذلك الموقف من باب حرصه على حماية المدنيين، أو الوقوف مع ارادة الشعب السوري في حقه في اختيار حكامه، لان ذلك كان اخر اهتماماته. فوحدها الحسابات السياسية كانت المحدد الاول في لعبة المصالح والمحاور الإقليمية التي انخطرت فيها اكثر من دولة عربية. وساهمت حالة التفكك وحتى الصراعات المحمومة على كسب المعارضة السورية في شق صفوفها وسحب البساط تدريجيا من تحت أقدام العرب كقوة اقليمية باستطاعتها التأثير على مستقبل التطورات في سوريا. ولاجل ذلك فقد تحولوا بمرور الوقت لمتابعين ومراقبين أكثر من كونهم مؤثرين وموجهين، ولو بشكل محدود لمسار الأحداث فيها. ولم يكن هناك شك في أن ذلك الأمر سمح لقوى اقليمية ودولية أخرى بأن تمارس أدوارا أكبر في سوريا. وهنا لاحظ الجميع كيف أن الدور الروسي الذي تعاظم في بداية الثورة بلغ في السنوات الاخيرة درجة غير مسبوقة، صار فيها من غير الممكن أن يتم الحديث عن النظام السوري بمعزل عن الكرملين. وكان مشهد وصول الرئيس السوداني إلى دمشق بطائرة روسية دليلا إضافيا على أن مفاتيح التطبيع العربي مع النظام باتت الآن بيد الروس وحدهم. ولكن ما الذي ستستفيده موسكو إن أعادت الدول العربية سفراءها لدمشق وسمح لمندوب النظام السوري بان يعود لمقعده الشاغر فيها؟ هناك عدا الكسب المعنوي الذي سيشعر به الروس في ما سيقدم على أنه انتصار ساحق لهم وللنظام الذي وقفوا معه بوجه الثورة السورية ضد كل المطالب المشروعة بالتخلص من حكم سلالة الاسد، إنجازا آخر قد يفوقه قيمة وهو توسع النفوذ الروسي في المنطقة العربية، بما يعنيه ذلك بالطبع من تأمين واسع للكرملين، لما يراها مصالحه الاقتصادية الحيوية في المنطقة. وليست سوريا هنا سوى المطية التي سيحقق بواسطتها الروس جزءا كبيرا من تلك المصالح. فمن باستطاعته أن يقول الان إن المكان الطبيعي لذلك البلد العربي العريق هو في مجال جغرافي وحضاري آخر خارج المنطقة العربية؟ ومن بإمكانه أن يصد الباب طويلا وإلى الأبد بوجه شقيقه حتى لو كان قاتلا؟ إن ذلك المنطق الاخوي الظاهر ليس في الحقيقة سوى الوجه المخادع للحكومات التي ترى في الجامعة هيكلا رسميا لا قيمة فيه لأصوات وآلام وطموحات الشعوب، ولا بقاء داخله إلا للانظمة التي تستطيع ارضاخ شعوبها والسيطرة عليها بأي طريقة كانت. ولاجل ذلك فهي ستستمر بالتغني بالتضامن والأخوة العربية حتى إن ازهقت مئات آلاف الارواح، وشردت وهجرت ودمرت مئات آلاف اخرى. ولأن آخر شيء سيهتم به النظام السوري في حال ما اذا تقررت عودته إلى الجامعة هو إن كان مثل ذلك القرار سيخضع للاجندة الروسية أو حتى الغربية أم لا فإن السؤال الذي سيطرح بعدها هو، ما الذي سيبقى من أفكار الوحدة والتضامن والعمل العربي المشترك بعد أن تتكشف من وراء القشرة البراقة للدعوة لعودة سوريا للجامعة أنياب الدب الروسي النهم والجائع؟ لكم أن تتخيلوا الجواب.
كاتب وصحافي من تونس