الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عن أي تحالف تركي - إيراني يتحدثون؟!

عن أي تحالف تركي - إيراني يتحدثون؟!

30.08.2017
علي حسين باكير


العرب
الثلاثاء 29/8/2017
هناك مبالغة دائمة في توصيف العلاقات التركية- الإيرانية في العالم العربي، وسواء كان ذلك مقصوداً أو غير مقصود، فإن التوصيف غير الدقيق لطبيعة هذه العلاقات يعمل على ترسيخ صورة خائطة لدى العامة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى صانع القرار الذي غالباً ما يبني قراراته على الانطباعات السائدة، بدلاً من المعلومات الدقيقة.
لا شك أنّ الزيارة التي قام بها رئيس هيئة الأركان الإيرانية محمد حسين باقري إلى تركيا، على رأس وفد رفيع المستوى، ضم عدداً من القادة العسكريين، هي زيارة في غاية الأهميّة، لكن القول إن العلاقات التركية- الإيرانية تحوّلت بعد هذه الزيارة إلى علاقات تحالف استراتيجي، ينم عن سطحيّة، ربما هي أقرب إلى سياق التفكير بالتمنّي.
نعم.. هناك تخوّف مشترك يجمع الطرفين إزاء تطلعات الميليشيات الكردية المسلّحة داخل كل منهما، وفي الإطار الإقليمي أيضاً، وهو ليس كافياً بتاتاً للحديث عن تحالف استراتيجي، حتى في إطار هذا الملف المحدود، وذلك لأنّ هذا التخوّف المشترك ليس طارئاً أو جديداً، فهو موجود دائماً، وبالتالي لا مبرر لاستحضار الحديث عن شيء استراتيجي الآن، كما أنّ الركون إليه لتضخيم المصالح المشتركة بين البلدين هو أمر غير حقيقي ولا يصح.
هناك شريحة واسعة من المسؤولين الأتراك لا تثق بالجانب الإيراني بتاتاً، سواءً تعلّق الأمر بالملف الكردي، أو بغيره من الملفات ذات الاهتمام المشترك. لم يكن الأمر كذلك قبل عام 2011، ولكنّه أصبح واقعاً وحقيقة راسخة في عملية صناعة القرار في تركيا. أضف إلى ذلك أن قائمة الخلافات الاستراتيجية بين البلدين على الصعيد الإقليمي أكبر من أن يمحوها تعاون مشترك ضد الميليشيات الكردية، علماً أن هذا التعاون لا يزال في إطاره النظري حتى هذه اللاحظة، بالرغم من كل ما يقال.
كما هو معلوم، فإن زيارة الوفد الإيراني جاءت بناءً على دعوة من الجانب التركي، ولذلك فإن جزءاً مما جرى هو رسالة إلى أطراف أخرى، يقصد المسؤولون الأتراك من خلالها المناورة، في ظل قلّة الخيارات المتاحة أمامهم لمواجهة التحديات المتراكمة في المسرح السوري والعراقي. الرسالة كانت موجّهة إلى الجانب الأميركي تحديداً، وقد أثارت بالفعل حساسية واشنطن، لا سيما عندما تحدّث رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان عن احتمال إطلاق عملية عسكرية مشتركة مع الجانب الإيراني.
في المقابل يدرك الإيرانيون هذا الأمر جيداً، ولذلك فقد قاموا بشكل سريع بنفي تصريح الرئيس أردوغان لحرمان أنقرة من الاستفادة منه في الحصول على دعم أميركا. لكن لا يمكن للأميركيين كذلك المخاطرة في الافتراضات، وهم غير متأكدين حتى هذه اللحظة إذا ما كان التوجه التركي للعمل أمنياً مع إيران حقيقياً أم للمراوغة فقط. لقد زار وزير الدفاع الأميركي ماتيس تركيا بعد أيام قليلة من زيارة الوفد الإيراني، وملف الميليشيات الكردية كان حاضراً خلال الزيارة، وهناك من يشير إلى أنّ الجانب الأميركي وعد تركيا بتفعيل التعاون الاستخباراتي فيما يتعلق بقيادات الميليشيات الكردية في سوريا والعراق، لا بل إنّ البعض تحدّث -نقلاً عن مصادر- إمكانية تنفيذ عمليات اغتيال ضد قيادات حزب العمال الكردستاني في الخارج.
خلاصة القول، مهما كان حجم اللقاء التكتيكي الآني بين تركيا وإيران في بعض الملفات، فإن الحديث عن علاقات استراتيجية أمر بعيد المنال، لا يقرّبه إلا دفع الأطراف الإقليمية والدولية تركيا إلى اليأس من جدوى وفوائد العلاقة معهم.;