الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عندما ينكشف وهم جمهور نظام الأسد

عندما ينكشف وهم جمهور نظام الأسد

03.06.2018
راتب شعبو


العربي الجديد
السبت 2/6/2018
مع تراجع الخطر العسكري الإسلامي الذي كان يهدّد بإسقاط نظام الأسد في سورية، بدأ يتراجع خوف جمهور النظام من زحف الإسلاميين، وبدأ هذا الجمهور يتحسّس الأرض التي يقف عليها، ليكتشف هؤلاء أنهم كانوا وقود حربٍ قذرة، لا مصلحة فعلية لهم فيها. فهم يلتفتون حولهم، ويجدون أن الحضور الديني طاغٍ ويتمدد أكثر من أي وقت سابق، وبرعايةٍ "كريمةٍ" من نظام الأسد نفسه.
يكتشف الجمهور السوري الذي انحاز إلى نظام الأسد في الصراع، المستمر منذ حوالي سبع سنوات ونصف، أن انحيازه ذاك لم يكن أقل سوءاً وقصر نظر من انحياز المراهنين على الفصائل الإسلامية في تحرير سورية من نظام الأسد. استند قطاع كبير من المنحازين إلى نظام الأسد إلى حجة أساسية، أن النظام يقف في وجه الخطر الإسلامي، وحاججوا بأن تزايد مظاهر الفساد والتمييز والقمع، وتزايد فظاعة الإجرام الذي يحميه النظام، أكان بحق مواليه أو بحق معارضيه، هو مما تفرضه الظروف الحربية أو من ضرورات المعركة، أو أنه ينبغي السكوت عنه، لكي لا نشوّش على "الصراع الأساسي" إلى أن يتمكّن النظام من دحر الخطر الإسلامي، ذلك أنه "ليس هذا هو الوقت المناسب لنقد النظام"، العبارة التي كرّرها الموالون على مسمع كل من حاول أن يقول يوماً إن سياسة نظام الأسد تجاه ثورة السوريين تقود سورية إلى الدمار.
هؤلاء الذين تماهوا مع نظام الأسد، وسكتوا على بؤسهم وموتهم، من أجل أن يتفرّغ النظام
"المد الإسلامي يكون خطراً إسلامياً فقط حين يكون ضد النظام الذي لا يهمه أن يكون المجتمع سليماً" "العلماني" لصد المد الإسلامي، يكتشفون اليوم أن المد الإسلامي يغمر بلدهم. وهم، للمفارقة، يكتشفون هذه الحقيقة في وقتٍ يحتفل إعلام النظام فيه بهزيمة "المد الإسلامي" في الغوطة وفي محيط العاصمة. هناك مد إسلامي ينهزم في سورية، ومد آخر ينتصر. لا يدور في خاطر جمهور النظام أن أولويات نظامـ"هم" لا تتطابق مع أولوياتهم، وأن المد الإسلامي يكون خطراً إسلامياً فقط حين يكون ضد النظام الذي لا يهمه أن يكون المجتمع سليماً، بل أن يكون قابلاً للسيطرة. لا يريد أن يرى هؤلاء أن نظاماً سياسياً، كنظام الأسد، لا يستطيع أن يستمر من دون مد إسلامي، لأنه يفتقد لدعامة شرعية سياسية، يستند إليها وتمكّنه من أن يقف فعلاً في وجه اقتحام الدين الحياة العامة، ويمنع تغلغله في مؤسسات الدولة.
يدرك نظام الأسد أنه يفرض نفسه على المجتمع السوري بالقوة، وأنه لا سيادة للقانون في دولةٍ تحوز السيادة المطلقة فيها طغمةٌ عائليةٌ وماليةٌ وأمنيةٌ. وعليه، يعمل النظام بوعيٍ على استقطاب الأكثرية الدينية في البلد، عبر تواطؤات غير وطنية بينه وبين نخبةٍ دينيةٍ سنيةٍ موالية. ما يفتقده النظام من شرعية سياسية، يحاول تعويضه في صفقاتٍ قذرة مع رجال دين نافذين، على مبدأ المنفعة المتبادلة. وهكذا نجد انتشارا غير مسبوق لمد إسلامي "أسدي" أو موالٍ، مقابل دعوة رجال الدين النافذين هؤلاء للنظام بطول العمر. هذه الصيغة التي تجهز سورية لجولات دمار متجدّدة، حين سيجد المد الإسلامي المعادي للنظام تربة خصبة في المد الإسلامي "الأسدي". يحتضن نظام الأسد مدا إسلاميا مواليا، ثم ينقلب هذا أو بعضه إلى خطر إسلامي (مد غير موالٍ) تتم مواجهته بالعنف وبالتواطؤ مع مد إسلامي جديد موالٍ، وتعود الكرة من جديد حتى يتمكّن الخطر الإسلامي من اقتلاع النظام بالفعل. هكذا ينحصر الصراع بين نظام الأسد والإسلاميين، ويجد جمهور كل طرفٍ أنه مجرد وقود لصراعٍ لا مصلحة له فيه.
يُفاجأ الموالون اليوم بكم التسهيلات التي يحظى بها الإسلاميون "الأسديون"، وبمقدار الحفاوة التي يلقونها في أعلى مستوى سياسي من النظام الذي دفعوا حياة أولادهم دفاعاً عنه، بوصفه حصن العلمانية، وبوصفه سداً في وجه الإسلاميين، فإذا هو حاضنةٌ لإسلاميين يوالونه، ويقبضون في المقابل نفوذاً سهلاً إلى مجالاتٍ واسعةٍ ومؤثرةٍ في المجتمع.
في سياق مفاجأة هؤلاء، نقرأ على صفحات التواصل الاجتماعي مشروع رسالةٍ موجهة من "عيّنة من الشعب السوري تؤمن بسوريا وطناً للجميع" إلى "السيد الرئيس"، تشكو فيها من "وزارة الأوقاف بوزيرها وقبيسياتها وشبابه الديني وداعياتها"، لأنها تعمل على "أخونة المجتمع السوري بكل الوسائل"، و"تتحكّم بالمناهج التعليمية". وتقول الرسالة: "السيد الرئيس: من حقنا عليك أن تلتفت إلينا.. أن توقف هذه المهزلة التي تهدّد مستقبلنا وأمننا وتكاتفنا كسوريين". ويرى أصحاب الرسالة أن وقف هذه المهزلة يكون "بإقالة وزير الأوقاف ووقف نشاط قبيسياته وشبيبته الدينية". والقول "من حقنا عليك أن تلتفت إلينا" يعني الشعور ليس فقط بغضبٍ تجاه ما يشهده أصحاب الرسالة من تمدّد إسلامي، بل الشعور بغضب تجاه إهمالهم من "السيد الرئيس" الذي "لا يلتفت إليهم".
يحظى مشروع الرسالة باهتمامٍ لا بأس به من الموالين الذي يشعرون بالخيبة والغضب، وتعطي التعليقات على مشروع الرسالة فكرةً عما يعتمل في أذهان "جمهور النظام" من أوهامٍ وغضبٍ وخيبات. إحدى المعلقات، وهي من تيار سياسي يساري اختار الوقوف مع النظام ضد الخطر الإسلامي، تقول: "قد نكون فعلا تأخرنا أو تباطأنا وتقاعسنا وتخاذلنا"، ويقول آخر "نحن نخلق بأيدينا وسكوتنا ماردا نربيه ليسحقنا"، في الأمر خيبةٌ واستدراكٌ متأخر.
"المشكلة ليست في وزير الأوقاف بل في الوزارة نفسها"، يقول أحدهم، فيتجرأ آخر ويقول:
"يكتشف الموالون أن أولوية النظام الذي ضحوا من أجله لا تتطابق مع أولوياتهم" "لو كانت المشكلة في وزارة الأوقاف، لكان من السهل حلها.. هي سياسة دولةٍ برمتها". هل يقود هذا الوعي المتأخر إلى معارضة "سياسة الدولة برمتها"؟ وبين المعلقين من يقدّم مداخلةً طويلة تحلل خطر الإسلاميين، ثم يختم بالقول: "يا ترى رح يسمعنا السيد الرئيس؟". لا ندري قصد المعلق، هل يشك في استجابة "السيد الرئيس"، أم في بلوغ الكلام إلى مسامعه، لكن هذه التعليقات تشير إلى ظهور خط انفصال بين النظام وجمهوره، يمكن أن يشكل خط صراعٍ لاحق، ولا سيما أن أصحاب الرسالة دفعوا أثمانا غالية للحفاظ على "دولة سيادة الرئيس".
التعليق الأكثر دلالة هو التالي: "أحبائي، يمكن إيصال فكرتنا إلى الأصدقاء الروس الذين بدورهم ينقلون تطلعاتنا إلى السيد الرئيس الذي من المرجح أن قصصا كثيرة وأمورا تجري بدون علمه". هكذا يشعر الموالون أنهم، بعد كل تضحياتهم، مهملون، ويحتاجون إلى الروس كي يخاطبوا "دولتهم". أصبح الروس، في ذهن هذا الرجل، واسطةً ما بين جمهور النظام ورئيسهم.
يكتشف الموالون أن أولوية النظام الذي ضحوا من أجله لا تتطابق مع أولوياتهم. ظنوا أنهم يسيرون في اتجاه، واكتشفوا أنهم يصلون إلى حيث لا يريدون، وسوف يشكل هذا خط صراع في مرحلة ما بعد تحرّرهم من الشعور بالخطر الإسلامي.