الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عندما خطف البعثان القرار العربي 

عندما خطف البعثان القرار العربي 

16.09.2020
خيرالله خيرالله
المستقبل



النهار العربي 
الثلاثاء 15/9/2020 
هناك خريطة جديدة للشرق الأوسط ولدت من رحم الهزائم العربية المتتالية التي تكرّست في حرب العام 1967 وما تلاها من Yطلاق لشعارات، لا علاقة لها بالواقع. من بين هذه الشعارات "لا صلح، لا اعتراف، لا مفاوضات" نادت بها قمّة الخرطوم التي انعقدت مباشرة بعد احتلال إسرائيل أراضي ثلاث دول عربيّة، هي مصر وسوريا والأردن. 
بقيت الدول العربية، في مقدّمها مصر أسيرة لهذا الشعار طوال عشر سنوات. لم يستطع معظم العرب، في تلك المرحلة، استيعاب أنّ ليس في الإمكان إزالة إسرائيل من الوجود، خصوصاً أنّ الاتحاد السوفياتي الذي راهنوا عليه للحصول على السلاح من أجل شنّ حرب تحرر الأرض الفلسطينية كان بين أوائل الدول التي اعترفت رسميّاً بإسرائيل لدى إعلان ديفيد بن غوريون قيام الدولة في 14 ايّار (مايو) من عام 1948. 
 لم يستطع أحد كسر حلقة "لا صلح، لا اعتراف لا مفاوضات" غير رئيس مصر أنور السادات الذي القى خطاباً في العام 1977 أعلن فيه من قاعة مجلس الشعب المصري انّه ذاهب الى الكنيست الإسرائيلية في القدس. 
كان ياسر عرفات حاضراً وصفّق للسادات وخطابه. قال لي "أبو عمّار" عندما سألته هل صحيح انّك صفقت للسادات وقتذاك: "نعم صفقت له. لم أحسب أنّ الأمر جدّي. لم أدرك جدّيته إلّا عندما مسكني (السادات) من يدي وهو خارج من قاعة مجلس الشعب وقال لي: "ياسر، ما تخفش من صحف بيروت". 
 لم يستطع ياسر عرفات مرافقة السادات الى القدس. وقع مثله مثل آخرين ضحيّة البعثين السوري والعراقي اللذين فرضا على العرب الآخرين مقاطعة مصر، علماً أنّ هذه المقاطعة لم تكن مع مرور الزمن سوى قرار خاطئ ومتهوّر في الوقت ذاته. 
لم يكن مطلوباً في أيّ وقت السير على خطى الرئيس المصري الراحل بمقدار ما كان مطلوباً اعتماد الهدوء والرويّة والابتعاد عن الشعارات الفارغة التي قادت الى هزيمة 1967. كانت لدى السادات حسابات خاصة به نابعة من عوامل عدّة. من أبرز هذه العوامل الوضع الاقتصادي المصري الذي دخل مرحلة الانهيار من جهة وحاجة مصر الى استعادة سيناء وثرواتها النفطية من جهة أخرى. ثمّة بعد آخر للتصرّف المصري يتمثّل في أنّ أنور السادات كان يؤمن، وهذا ما قاله علناً أنّ 99 في المئة من الأوراق في المنطقة هي في يد أميركا.. 
 بالتهديد والابتزاز قامت جبهة عربية ضدّ مصر وذلك بعد مصالحة مفاجئة بين حافظ الأسد من جهة وكلّ من أحمد حسن البكر (الرئيس العراقي وقتذاك) والرجل الثاني في العراق صدّام حسين من جهة أخرى. لعب حافظ الأسد بالبكر وصدّام ووضعهما تحت جناحيه. كان كلّ همّه المحافظة على نظامه الأقلّوي.. أما الجولان المحتلّ وفلسطين فكانا مجرّد تجارة سياسية عرف كيف يمارسها بدهاء ليس بعده دهاء. كان هدفه الدائم وضع اليد على لبنان وعلى القرار الفلسطيني وحماية النظام العلوي. هذا ما فات البعث العراقي الذي لم يكن متصالحاً سوى مع الغباء والشعارات الفضفاضة ذات المضمون الفارغ. 
لم يطل شهر العسل بين البعثين السوري والعراقي طويلاً، ذلك أنّ التقارب بينهما لم يكن طبيعياً. كان هناك سياسي محترف اسمه حافظ الأسد في سوريا وكان هناك ساذجان اسماهما البكر وصدّام لا يعرفان شيئاً عن المنطقة والسياسات الدولية من جهة أخرى. لم يأخذ أي منهما علماً أنّ مقاطعة مصر لن تحرّر فلسطين وأنّ عليهما الاهتمام بمصلحة العراق اوّلاً. 
 خطف البعثان القرار العربي. لا يوجد حالياً في المنطقة، خصوصاً بين قادة دول الخليج العربي أغبياء. يعرف هؤلاء معنى ما يدور في المنطقة. تعرف دولة الإمارات العربيّة المتحدة ما هو على المحكّ فيها. تعرف تماماً ما هي إيران وتعرف أيضاً ما هي تركيا وطبيعة طموحاتها على الصعيد الإقليمي. لعلّ أكثر ما تعرفه أنّ هناك فراغاً عربياً وأنّ على كل دولة إعادة حساباتها في ضوء ما يمكن أن يحصل من تغيير في الولايات المتحدة في حال خروج دونالد ترامب من البيت الأبيض. 
أمّا البحرين التي ستوقع اتفاق سلام مع إسرائيل قريباً، فهي تدرك أنّها مستهدفة إيرانياً وأنّ هذا الاستهداف ليس من النوع الذي يمكن الاستخفاف به. تستطيع البحرين في نهاية المطاف أن تسأل نفسها عن موقف القيادة الفلسطينية عندما تعرّضت لتهديد مباشر وضع مصيرها على المحكّ عام 2011 بفعل تدخل إيراني مباشر في شؤونها الداخلية. كان ذلك تدخلاً مبنيّاً على إثارة الغرائز المذهبية. ما الموقف الذي اتخذته القيادة الفلسطينية آنذاك حيال الأخطار المباشرة التي هدّدت البحرين والتي تصدّت لها قوات خليجية؟ 
 هناك أوضاع جديدة كلّياً في المنطقة وفي الخليج تحديداً. هناك حسابات مختلفة تفرض نفسها. هناك دول تعرف جيّداً أين مصلحتها وكيف تدافع عنها. أمس، دولة الإمارات العربية المتحّدة، واليوم مملكة البحرين، وغداً سلطنة عُمان على الأرجح. من في إيران وخارج يران سيتجرّأ قول كلمة في حق سلطنة عُمان التي استقبلت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في تشرين الاوّل (أكتوبر) 2018 وكان السلطان قابوس لا يزال حيّاً؟ 
 هناك مرحلة مختلفة في الشرق الأوسط والخليج. من يتمسكّ بمفاهيم قديمة، إنّما يفعل ذلك من أجل خدمة إيران أو تركيا وليس في خدمة مصلحة بلده. ماذا فعلت إيران غير خدمة السياسات الإسرائيلية؟ ماذا فعلت تركيا غير المزايدة على العرب، فيما أبواب السفارة الإسرائيلية مفتوحة على مصاريعها في أنقرة وصورة رجب طيب أردوغان مع آرييل شارون راسخة في الاذهان؟