الرئيسة \  كتب  \  عناوين من المكتبة العالمية والعربية في أسبوع

عناوين من المكتبة العالمية والعربية في أسبوع

25.04.2017
Admin

 
إعداد مركز الشرق العربي
24/4/2017
 
عناوين الكتب
  1. عرض كتاب “الاستجواب المعزز: داخل عقول ودوافع الإرهابيين الإسلاميين الذين يحاولون تدمير أمريكا
  2. عالم ما بعد الصين:كيف يمكن احتواء تهديدات نهاية القرن الآسيوي؟
  3. رأسمالية الجماهير:لماذا تصاعدت أنماط اقتصاد المشاركة في العالم؟
  4. كشف أسرار "الاقتصاد الصيني" بمعرض أبو ظبي
  5. خطر «الفريكسيت».. بعد «البريكسيت»؟!
  6. العدو الداخلي.. قصة بريطانيا المسلمة!
  7. آسيا.. وتاريخ التمحور الأميركي
  8. الشعبوية السياسية واستفحال تأثيرها
  9. أفق فلسطين : نحو سلام عادل
  10. «مخيم كاليه».. قصة بشر يعيشون في «غابة»
  11. أزمة اللاجئين والدِّين.. بحث في العلمانية والأمن والضيافة
  12. نظرة جديدة لدور المحافل الماسونية لحظة غروب الدولة العثمانية



 
 
عرض كتاب “الاستجواب المعزز: داخل عقول ودوافع الإرهابيين الإسلاميين الذين يحاولون تدمير أمريكا
الكتاب: الاستجواب المعزز: داخل عقول ودوافع الإرهابيين الإسلاميين الذين يحاولون تدمير أمريكا
المؤلف: جيمس ميتشل، بيل هارلو
الناشر: كراون فورَم
تاريخ الإصدار: 29 نوفمبر 2016
عدد الصفحات: 320
في أواخر نوفمبر 2016، أصدرت دار “كراون فورَم” كتاب “الاستجواب المعزز: داخل عقول ودوافع الإرهابيين الإسلاميين الذين يحاولون تدمير أمريكا” لمؤلفَيْه جيمس ميتشل وبيل هارلو، في 320 صفحة باللغة الإنجليزية.
تعريف بالمؤلفَيْن
عنوان الكتاب ينبئ بالكثير لأول وهلة، لكن من المفيد أيضًا التعريف بالمؤلفَيْن قبل استعراض المحتوى:
د. جيمس ميتشل؛ حاصل على درجة الدكتوراه في علم النفس السريري من جامعة جنوب فلوريدا. خدم لمدة 22 عاما في سلاح الجو الأمريكي، وتقاعد برتبة مقدم. في الفترة من أغسطس 2002 إلى يناير 2009، شارك د. “ميتشل” في تطوير برنامج الاستجواب المعزز في وكالة الاستخبارات المركزية CIA، وعمل كأحد محققيه منذ إنشائه إلى أن أغلق بموجب أمر تنفيذي في 22 يناير 2009.
بيل هارلو؛ كاتب ومستشار ومتخصص في العلاقات العامة يتمتع بأكثر من ثلاثين عاما من الخبرة. أمضى سبع سنوات كمتحدث باسم وكالة الاستخبارات المركزية، وأربعة أعوام فى البيت الابيض يتعامل مع قضايا الإعلام القومى في عهد رئيسين. وشارك في تأليف ثلاثة من أفضل الكتب مبيعا بحسب قائمة نيويورك تايمز.
كشف حساب مباشر
طبيعة الخبرة التي يمتع بها المؤلفان تجعل هذا العمل بمثابة كشفِ حسابٍ مباشرٍ لبرنامج الاستجواب المثير للجدل الذي اتبعته وكالة الاستخبارات المركزية، واشتمل على تقنياتٍ أشهرها الإيهام بالغرق.
لكنه كشف حسابٍ من وجهة نظر شخصٍ (د. ميتشل) يشعر بالارتياح حيال الممارسات التي تضمنها برنامج الاستجواب واستُخدَمَت للتعامل مع الإرهابيين المشتبه بهم في السجون السرية التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية في الخارج.
من ناحيةٍ، يرى الرجل أن هذه الجهود كانت تهدف إلى منع المزيد من الهجمات الكارثية، لكن على الرغم من ذلك فإنه من ناحية أخرى لا يتفق بالضرورة مع كل هذه الممارسات، التي شملت أيضا: الحرمان من النوم، والأوضاع المجهدة، والضوضاء العالية.
رؤية تحاول أن تكون متوازنة
في هذا الكتاب، لا يتفق “ميتشل” مع “الأشخاص الذين لا يفهمون ما فعلناه، وكيف فعلناه، أو لماذا فعلناه”، الذين يقولون إن أعمال البرنامج تتعارض مع المبادئ الأمريكية”.
على الرغم منذلك، هو يعتقد بحدوث إفراط في استخدامها، وهي النقطة التي يستعرضها بإسهاب عبر  هذا الكتاب. ومثلما ينتقد الطريقة التي صُوِّر بها البرنامج، فإنه ينتقد أيضًا الطريقة التي تم تنفيذه بها في بعض الحالات.
وبالتالي فإن من يرغبون في قراءة دفاع كاسح أو نقد شامل للبرنامج عليهم البحث في مكان آخر، حسب نصيحة ستيف هيرش في ذا شيفر بريف؛ مشيرًا إلى أن الكتاب ليس منقوعًا في مستخلص الإسلاموفوبيا (وإن كان العنوان يوحي بغير ذلك لأول وهلة) كما أنه ليس مُشَجِّعًا أعمى لبرنامج الاستجواب.
معلومات من الداخل
سوف يتبع القراء “ميتشل” داخل “المواقع السوداء” (سجون CIA خارج الولايات المتحدة) وخلايا الإرهابيين والمشتبه فيهم حيث قام هو شخصيًا بتطبيق تقنيات الاستجواب المعزز.
استجوب ميتشل شخصيا 13 من كبار المعتقلين ذوي القيمة العالية المحتجزين لدى الولايات المتحدة، بمن فيهم أبو زبيدة زين العابدين محمد حسين، وعبد الرحيم الناشري، أمير أو “قائد” عملية تفجير المدمرة “كول”، وخالد شيخ محمد العقل المدبر وراء هجمات 11 سبتمبر 2001.
وبالتالي يوفِّر “ميتشل” وجهة نظر فريدة من نوعها، ومعلومات قيِّمة ينبغي النظر فيها من قبل أي شخص- بما في ذلك أولئك الذين يختلفون معه- يريد الحكم على هذا البرنامج، لكن في نهاية الكتاب- على حد قول “هيرش”- سيتعين على القارئ الوصول إلى استنتاجه الخاص حول الحكمة من هذا البرنامج وأخلاقياته وفائدته.
أساليب الاستجواب القاسية ما بين “أوباما” و”ترامب
وقَّع الرئيس أوباما أمرا تنفيذيا في عام 2009 يمنع استخدام أساليب الاستجواب القاسية التي كانت تتبعها وكالة الاستخبارات المركزية؛ “لأن إحدى أدواتنا الأكثر فعالية في مكافحة الإرهاب والحفاظ على أمن الأميركيين هي أن نظل أوفياء لمُثُلنا ومبادئنا في الداخل والخارج”.
وقال وزير الخارجية جون كيري: “لقد طوى الرئيس أوباما صفحة هذه السياسات حينما تولى منصب الرئاسة، ومنذ الأسبوع الأول منع استخدام التعذيب وأنهى برنامج الاحتجاز والاستجواب. وكان من الصائب إنهاء هذه الممارسات لسبب بسيط ولكنه قوي: إنها تتناقض مع قيمنا. إنها لا تمثل هويتنا، ولا تدخل في نطاق مَن وماذا نريد أن نكون؛ لأنه ليس لزامًا على أقوى دولة في العالم أن تختار بين حماية أمننا والدعوة لقيمنا”.
لكن الرئيس دونالد ترامب لوَّح بإمكان استعادة “أساليب الاستجواب القاسية” التي تشمل الإيهام بالإغراق لانتزاع اعترافات من “المقاتلين الأعداء”، وإن تعهَّد بأنه سوف يتبع نصيحة فريق الأمن القومي الذي يعارضها.
وبالفعل قال مسؤولون أمريكيون لوكالة رويترز إن إدارة ترامب تراجعت عن مسودة أمر تنفيذي كان سيدعو إلى مراجعة ما إذا كان يتعين على الولايات المتحدة إعادة فتح سجون في الخارج تستخدم فيها أساليب استجواب غالبا ما تدان بوصفها تعذيبا.
========================
عالم ما بعد الصين:كيف يمكن احتواء تهديدات نهاية القرن الآسيوي؟
تأليف : مايكل أوسلن
الخميس, 13 أبريل, 2017
عالم ما بعد الصين:
عرض: مروة صبحى منتصر، مدرس مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة
أثار صعود التيارات القومية اليمينية الرافضة للعولمة وسياسات الارتداد للداخل في الدول الغربية، وتوجهات تقييد حرية التجارة والاستثمار، جدلا متصاعدًا حول مدى قدرة الدول الآسيوية الكبرى على الحفاظ على صعودها العالمي؛ إذ باتت اقتصاديات هذه الدول تواجه تباطؤًا في معدلات النمو بالتوازي مع تهديدات للاستقرار السياسي والأمني، وصعود في ممارسات الفساد، وسوء تخصيص الموارد.
وفي هذا الإطار، وعلى نقيض الاتجاهات السائدة في الأدبيات حول الصعود الآسيوي، وانتقال مركز القوة العالمية نحو آسيا بقيادة الصين الصاعدة التي تملك ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم من حيث حجم الناتج المحلي الإجمالي؛ فإن مايكل أوسلن (الباحث المقيم بمعهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة AEI)، يقدم رؤية بديلة في كتابه المعنون "نهاية القرن الآسيوي: الحرب، الركود، ومخاطر أشد منطقة ديناميكية في العالم"، الصادر في عام 2017؛ حيث يرى أوسلن أن القرن الآسيوي يُشارف على الانتهاء، وأن الصين لا تعدو أن تكون "قوة عظمى هشة".
بداية الانحدار الآسيوي:
يبدأ أوسلن أطروحته بنقض كافة التوقعات حول مستقبل الصعود الآسيوي، معتبرًا إياها غير مقنعة؛ إذ تركز كافة هذه التوقعات على النمو الاقتصادي والاستثمارات الضخمة في البنية التحية، وتغفل عوامل عدم الاستقرار في القارة الآسيوية، مثل: انتشار الفقر، والتهميش الاجتماعي، والفساد السياسي، وتباطؤ معدلات التحديث في المناطق الطرفية البعيدة عن المدن، بالإضافة إلى التهديدات الأمنية، مثل: امتلاك كوريا الشمالية أسلحة دمار شامل وتهديدها دول الجوار، وسعي الصين للهيمنة على بحر الصين الجنوبي.
ويؤكد أوسلن أن القارة الآسيوية باتت مجالا لتهديدات خطيرة متعددة غير مرئية نتيجة التركيز على المظاهر التنموية والتفاعلات السلمية التي تبدو على السطح، وتتمثل أهم هذه التهديدات التي ستؤثر على مستقبل القارة الآسيوية والعالم فيما يلي:
1- انهيار المعجزة الاقتصادية: على الرغم من إقرار الكُتَّاب بأهمية النمو الاقتصادي السريع الذي حققته الدول الآسيوية، وخاصة الصين؛ إلا أن هذا النمو الاقتصادي يفتقد التوازن في توزيع عوائد النمو، بالإضافة إلى التفاوت الاقتصادي بين الدول الآسيوية ذاتها، وعدم قابلية النمو للاستدامة بسبب اعتماده على التصدير وحرية التجارة العالمية، بالإضافة إلى بدء مطالبة العمالة في الدول الآسيوية برفع الأجور، وهو ما سيزيد من تكلفة الإنتاج ويقلل من تنافسية المنتجات.
2- انتشار شبكات الفساد: يمثل الفساد تحديًا رئيسيًّا لاستمرار النمو الاقتصادي في ظل استشراء علاقات المنفعة المصلحية بين السياسيين ورجال الأعمال؛ حيث كشفت التحقيقات في كوريا الجنوبية عن شبكات الفساد الاقتصادي بين الشركات الصناعية والتجارية الكبرى والقيادات السياسية للدولة، وينطبق الأمر نفسه على الصين التي شهدت حملات مكثفة لمكافحة الفساد والتحالف بين بعض قيادات الحزب الشيوعي ورجال الأعمال لتبادل المنافع والإثراء على حساب المصلحة العامة.
3- الاحتكارات الاقتصادية: لا يزال يسيطر على اقتصاد عملاق -مثل الاقتصاد الصيني- النمط السوفيتي لاحتكارات الدولة؛ حيث لا تزال تهيمن على اقتصادها الشركات المَدِينَة غير الفعالة المملوكة للدولة، وهو ما قد يدفع الاقتصاد الصيني نحو الهبوط الحاد. ولأن الاقتصاديات الآسيوية مترابطة على نحو متزايد، فإن تداعيات التراجع الصيني ستمتد عبر القارة الآسيوية بأكملها، وستصيب الاقتصاد العالمي. فعلى سبيل المثال، شهدت الأسواق المالية العالمية تراجعًا ملحوظًا عندما انهارت أسواق الأوراق المالية والسندات في الصين العام الماضي.
4- مخاطر الاختلال الديمغرافي: ركز الكتاب على مخاطر "معضلة التناقض الديمغرافي"، أي أن يشهد أحد البلدان الآسيوية كثافة سكانية متزايدة، أو تقلصًا سكانيًّا متزايدًا، فبالنسبة لدول مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان واليابان، فإن شيخوخة السكان تُنذر بتقلص عدد سكانها، ومن ثم وضع أعباء الضمان الاجتماعي على عدد متراجع من القوى العاملة.
وبالنسبة للسكان في الهند وإندونيسيا، فإن ارتفاع عدد السكان من الشباب في سن العمل يجعل تحقيق مستوى التشغيل الكامل لهم أمرًا مستحيلا، مما يزيد من التحديات المستقبلية أمام ما حققته تلك الدول من إصلاح اقتصادي. كذلك تؤثر تكاليف التحديث السريع التي شهدتها آسيا، وأهمها حجم الدمار البيئي، سلبًا على التركيبة السكانية بقدر ما تفعل معدلات الخصوبة.
5- بوادر الثورات السياسية: تواجه الدول الديمقراطية الراسخة في القارة الآسيوية (مثل اليابان والهند) تصاعدًا في أزمات الثقة بين السلطة السياسية والمواطنين، بالإضافة إلى انتشار الفساد، وسوء تخصيص الموارد، مما يزيد من عدم رضاء المواطنين عن السلطة.
ويرى أوسلن أن من المرجح أن تشكل الصين أكبر خطر للاضطرابات السياسية في المنطقة؛ حيث ترتفع معدلات التقلبات والاضطرابات السياسية، فهناك 180.000 مظاهرة ضد النظام في كل عام، وهو ما يدل على تقلص شرعية القيادة السياسية والحزب الشيوعي الحاكم وفق رؤيته.
كما شهدت دول أخرى -مثل: كوريا الجنوبية، وإندونيسيا- ارتفاع مستويات الفساد والفضائح السياسية، والتي كان آخرها الاحتجاجات التي اجتاحت كوريا الجنوبية لاتهام رئيسة البلاد بتورطها والدوائر المحيطة بها بالفساد السياسي. ودفعت تلك المؤشرات إلى ترجيح الكاتب حدوث موجات من الثورات السياسية الممتد في دول آسيا.
انحسار التضامن الإقليمي:
رصد الكتاب وجود حالة من الضعف والتفكك في المؤسسات الإقليمية في القارة الآسيوية التي لم تعد قادرة على تنسيق السياسات بين هذه الدول، وفرض الالتزامات على بعض الدول الآسيوية التي تهدد الأمن والاستقرار في القارة، مثل كوريا الشمالية، وهو ما زاد من وتيرة التدخلات الخارجية في شئون القارة، بالتوازي مع الانتشار العسكري الأمريكي المتزايد في المحيط الهادي وبحر الصين الجنوبي، واختراق المجال الحيوي لكافة الدول الآسيوية الكبرى.
وعلى مستوى الأمن الإقليمي، يرى أوسلن أن القارة الآسيوية تقع أسيرة لحلقة مفرغة من عدم اليقين، وانعدام الأمن، وعدم الاستقرار، مما يُنذر بتفجر صراعات إقليمية ممتدة في مناطق، مثل: بحر الصين الجنوبي، وعلى الحدود الهندية-الباكستانية، والحدود بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية.
كما أثار صعود الحزب الديمقراطي التقدمي في تايوان وانتخاب تساي إنج ون التوتر مرة أخرى في مضيق تايوان، حيث تبنى القائد الجديد توجهات قومية متشددة يمكن أن تثير التوترات مع الصين حول مسألة استعادة تايوان إلى إقليمها مرة أخرى. وتوقع الكاتب اشتداد التوترات بين البلدين أكثر مما كان عليه الوضع عام 1949. كما تنبأ أوسلن أن حروب المياه في المنطقة ستقود إلى مواجهات عسكرية.
استراتيجية احتواء التهديدات:
ركز الكاتب على طرح مجموعة من التوصيات لصانع القرار الأمريكي للتعامل مع التهديدات النابعة من التراجع الآسيوي المتوقع؛ حيث ركز على ضرورة اتباع الولايات المتحدة الأمريكية استراتيجية تقوم على الدمج ما بين الاحتواء للتهديدات المتزايدة وتعزيز التحالفات الأمريكية في القارة الآسيوية لمواجهة هذه التهديدات. وتمثلت أهم التوصيات التي طرحها الكاتب للإدارة الأمريكية فيما يلي:
1- نشر المزيد من القوات البحرية الأمريكية في المحيط الهادئ، وتعزيز التعاون الدفاعي مع اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا والهند لمعالجة القضايا الأمنية الهامة، ومحاولة وضع معايير وقواعد إقليمية.
2- تعزيز التجارة والاستثمار بشكل أوسع بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الآسيوية، خصوصًا الصين، لبناء الثقة بين الطرفين. ووفقًا للخبير الاقتصادي مارك بيري، فإنه في 2010 تمتعت الولايات المتحدة الأمريكية بفائض تجاري بقيمة 32 مليار دولار كقيمة مضافة مع الصين، مما يعني وجود مكاسب متبادلة للتجارة الحرة بين الدولتين.
3- تشجيع ورعاية قيم الليبرالية والديمقراطية في آسيا؛ حيث يرى أوسلن أن المدخل الأساسي للتأثير في الدول الآسيوية يجب أن يكون دعم منظمات المجتمع المدني لتعزيز التيارات الليبرالية في المجتمعات الآسيوية، وهو ما يمكن اعتباره إحدى آليات الاختراق الناعم للمجتمعات الآسيوية.
وادعى أوسلن أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع أن تشكل نظامًا دوليًّا ذا قواعد ليبرالية وحرة من دون نشر الليبرالية في الدول الآسيوية الكبرى. ووفقًا للكاتب "ترتبط رعاية الديمقراطية داخل بلد ما ارتباطًا وثيقًا بتشكيل مجتمع الدول الليبرالية، ومن النادر للديمقراطية أن تزدهر في حديقة عقيمة".
وفي ذلك يقترح على الإدارة الأمريكية أن تتخذ سياسات متنوعة، منها: تقديم حزم من المساعدات، وتنسيق السياسات، وعقد مؤتمرات لمنظمات المجتمع المدني، ودعم البرامج التعليمية والثقافية التي تعزز القيم الليبرالية بدعوى أن ذلك يمثل وقاية للدول الآسيوية من مخاطر الثورات السياسية الكامنة التي تهدد الأمن والاستقرار.
وإجمالا، يركز الكاتب على تعزيز المصالح الأمريكية في مواجهة دول القارة الآسيوية، وهو ما تجلى في تركيزه على اختراق المجتمعات ونشر القيم الليبرالية في الدول الآسيوية وخاصة الصين، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة لمواجهة بعض الدول التي تتبنى سياسات مستقلة عن النهج الأمريكي مثل روسيا والصين.
========================
رأسمالية الجماهير:لماذا تصاعدت أنماط اقتصاد المشاركة في العالم؟
آرون سنداراراجان
الجمعة, 21 أبريل, 2017
رأسمالية الجماهير:
عرض: مريم محمود، باحثة متخصصة في الاقتصاد
أدى انتشار الاندماجات الاقتصادية، وصعود أهمية الابتكار والتطوير والمشروعات الناشئة Start Ups في الاقتصاد العالمي، إلى تغير ثوابت مركزية في التفاعلات الاقتصادية على مستوى العالم؛ إذ لم تعد الملكية للأصول الثابتة المادية والبشرية -مثل: رأس المال، والعمل- من ضمن العناصر الرئيسية لدورة الإنتاج، وبات بمقدور الأفراد تشغيل مشروعات كاملة دون امتلاك الأصول اعتمادًا على الأنماط غير التقليدية لاقتصاد المشاركة.
وفي هذا الإطار، يؤكد آرون سنداراراجان في كتابه المعنون "اقتصاد المشاركة: نهاية التوظيف وصعود الرأسمالية الجماعية" على استفادة الرأسمالية الحديثة من بعض أنماط الإنتاج التي روّجت لها النظم الاشتراكيّة سابقًا لتقليل تكلفة الإنتاج، وتعظيم عوائد المشروعات، بحيث يمكن للأفراد العاديين تنفيذ مشروعات ابتكارية دون امتلاك الأصول ذات التكلفة العالية.
تكنولوجيا المشاركة:
يُقصد بمفهوم "اقتصاد المشاركة" Sharing Economy، النظم الاقتصادية القائمة على التشارك في الأصول المادية والبشرية بين أكثر من مشروع لتقليل تكلفة الإنتاج، وتمكين الأفراد من تنفيذ مشروعاتهم، واستغلال الطاقات المهدرة؛ حيث باتت مشروعات اقتصاد المشاركة تعتمد على الاستفادة من منصات إلكترونية للتمويل الجماعي Crowd Funding، ومواقع للحصول على خدمات العمل بصورة مؤقتة لتنفيذ مهام محددة دون تعاقدات طويلة الأمد Gig Economy، بالإضافة إلى إسناد مهام التوزيع والاتجار والتسويق لشركات أخرى، بحيث يركز المشروع فقط على مهام الإنتاج للسلع والخدمات وضبط جودة المنتجات.
وظهر مفهوم اقتصاد المشاركة ضمن التحولات التي شهدها العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والتي تصدرها محاولة تقليل إهدار الموارد واستنزاف الأصول الاقتصادية ومكافحة الاحتكار، وهو ما دفع بعض الاقتصاديين لطرح أفكار غير تقليدية حول أهمية التشارك في الأصول الاقتصادية، مثل العمل ورأس المال، وأعقب ذلك انتشار منصات إلكترونية عالمية للتشارك في الموارد والتمويل الجماعي.
ويرتبط ذلك بالتحولات العالمية من الاعتماد على الأصول الثقيلة إلى الأصول الخفيفة، فبدلا من أشرطة التسجيلات أصبحت هناك خدمات الموسيقى المتدفقة عبر الإنترنت، مثل iTunes، وبجانب صفوف العاملين بدوام كامل في مقرات ومراكز رئيسية أصبح هناك سوق العمل الحر عبر الإنترنت. بالإضافة إلى ظهور منصات مثل ليفت Lyft وأوبر Uber التي تربط السائقين وأصحاب السيارات والراغبين في الانتقال لمسافات صغيرة بمقابل مادي، والمنصات الخاصة بشراء المنتجات وتوصيلها، ومنصات أداء الأعمال المنزلية وغيرها، مما يساعد في التشارك في استخدام الأصول، ويتيح للأفراد العمل في أكثر من وظيفة.
وتُساعد التكنولوجيا في انتشار هذه النوعية من الأعمال، أو ما يُطلق عليه "اقتصاد المشاركة" (Sharing Economy)، فالتكنولوجيا تُساعد المنتجين في التعرف على رغبات الأفراد، وتلقي ملاحظاتهم على المنتجات بشكل فوري مما يساعد في تحسين عملية التغذية العكسية.
كما أن الأفراد -في كثير من الأحيان- يتجهون لإنتاج ما يحتاجونه ويقومون بعرضه على شبكة الإنترنت، فالكثير من المنتجات الرقمية الجديدة المبتكرة الهامة (مثل: الهواتف الذكية، والحواسب اللوحية، ومنصات التواصل الاجتماعي "مثل: يوتيوب، وفيسبوك، وتطبيقات خرائط جوجل") طورها المستهلكون واستخدمها بعد ذلك رجال الأعمال والحكومات وليس العكس. ويُشير مفهوم أسبقية المستهلك في التكنولوجيا الرقمية إلى أن الأجهزة أو تطوير البرمجيات يجب أن تتماشى مع احتياجات الأفراد المستهلكين على حساب احتياجات الشركات والحكومات.
وفي المستقبل غير البعيد، ستتطور التكنولوجيا لتمهد لانتشار "اقتصاد المشاركة"؛ حيث سيؤدي التوسع في استخدام طائرات الدرونز في الأغراض السلمية في انخفاض تكلفة نقل المنتجات بين الأفراد.
وستساعد الطباعة ثلاثية الأبعاد في انخفاض تكلفة التصنيع، حيث سيتم تبادل البيانات والنماذج بدلا من الأشياء المادية، وستقل الحاجة إلى موزعي تجارة الجملة وتجار التجزئة التقليديين.
تحديات متعددة:
تتراوح ساعات عمل المشتغلين في بعض المنصات الإلكترونية بالولايات المتحدة الأمريكية بين 40 - 50 ساعة عمل أسبوعيًّا، ولذا أصبح قياس ما إذا كان الفرد عاملا أو عاطلا أكثر صعوبة، فأصبح على الباحثين إعادة النظر في التعريفات والقياسات التقليدية للتشغيل والبطالة، بيد أن هذه المرونة في التعاقدات أدت إلى تمكين الأفراد على المستوى الاقتصادي؛ حيث لا يستطيع جميع الراغبين في الحصول على وظيفة الالتزام بالعمل في وقت محدد يوميًّا.
كذلك يواجه العاملون في هذا المجال مشكلة تحديد الأجر؛ فقد قام الكاتب بإجراء تحليل لأجور الأفراد العاملين في اقتصاد المشاركة في منطقة خليج سان فرانسيسكو، واتضح من خلال هذا التحليل تفاوت معدلات الأجور في سوق العمل الرقمي لبعض المهن مقارنة بمعدلات الأجر الوطنية.
وهناك عدد من العوامل التي تفسر تقاضي بعض العمال عند الطلب أجورًا أعلى من غيرهم، ومنها: مستويات الخبرة، والموقع الجغرافي الفعلي الذي يتم طلب العمل فيه، وفي بعض الحالات يرتبط انخفاض معدلات الأجر بانخفاض جودة الخدمات المقدمة. من جانب آخر، فإن تقلبات العرض والطلب على مجموعة من التطبيقات تزيد من احتمالات عدم تعزيز المساواة الاجتماعية في المستقبل.
أيضًا، هناك مشكلة تُعرف باسم "رقمنة الثقة". فعلى سبيل المثال إذا كان شخص ما بائعًا جيدًا على ebay فلا يمكنه نقل هذه السمعة أتوماتيكيًّا إلى Airbnb، حيث سيضطر إلى إعادة بنائها من الصفر، وذلك على عكس التقدم للوظائف بشكل تقليدي، حيث يتم أخذ الخبرة في عين الاعتبار عند تعيين الشخص.
شبكات الأمان الافتراضي:
أصبحت هناك حاجة ضرورية لبناء شبكات أمان اجتماعي جديدة للأفراد العاملين بهذه النوعية من الأعمال الحرة، بحيث تعمل هذه الشبكات لحماية حقوق الأفراد، وتضمن لهم حدًّا أدنى من الدخل، ومعاشًا تقاعديًّا عند وصولهم إلى سن معينة، ويقترح الكتاب أن تقوم الحكومات بالإشراف على صناديق التقاعد.
كما يمكن أن تسهم بدور أكبر عن طريق توفير برامج تدريب تُتيح للأفراد الانتقال من منصة إلكترونية إلى أخرى، الأمر الذي يضمن استقرار الدخل خلال فترات الانتقال بين الوظائف، ويقلل تقلبات الدخل خلال عدد من الأسابيع أو الشهور.
ومن المرجَّح، كما كان في الحال في الماضي، أن تعتمد حماية العمال في هذا المجال على ظهور أنواع جديدة من تحالفات العمال. ومن المحتمل أن يُنشئ عمال المنصات نقابات عمالية جديدة تضع معايير خاصة بها، وتركِّز على حماية مصالح العمال وتحقيق توازن السلطة بين موردي الخدمات والمنصات.
وتُعتبر داروينية البيانات Data Darwinism أحد المفاهيم المرتبطة بالمنصات الرقمية، وتشير إلى كيفية تقييم الموردين والقوى العاملة في اقتصاد المشاركة. ويرى الكتاب أن هذه التقييمات الإلكترونية ستتحول لتصبح بمثابة خطابات توصية؛ حيث من الممكن أن تكون الخطوة المقبلة السماح لمورِّدي الخدمات في السوق بأخذ بياناتهم (التقييمات والمراجعات والصور وقوائم الدخل، وغيرها) في حالة تركهم العمل في منصة ما؛ مما قد يساهم في تمكين العمال ومنحهم أداة تساعد في إعادة توظيفهم.
وختامًا، هناك عالَمان محتملان لمستقبل العمل في ظل اقتصاد المشاركة، أحدهما مثالي لمنظمين متمكنين يحددون عدد ساعات عملهم ودخلهم تبعًا لرغباتهم، ويحققون أقصى استفادة ممكنة من الأصول المملوكة لهم، والآخر لطبقة عاملة روتينية بدخول متقلبة ومحرومة من الحقوق والأمان الاجتماعي. وعلى الرغم من أن كلا العالمين المستقبليين غير حتميين، إلا أن الاستعداد للتصدي لعددٍ من القضايا بما في ذلك إعادة تصنيف العمل، وتمويل شبكات الأمان الاجتماعي، وإنشاء هياكل ملكية جديدة؛ سيحدد أيهما سيكون سائدًا في المستقبل.
========================
كشف أسرار "الاقتصاد الصيني" بمعرض أبو ظبي
الأحد، 23 ابريل 2017 01:56 م
ينظم مشروع “كلمة” للترجمة في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، يوم الأربعاء المقبل، أول أيام معرض أبوظبي الدولي للكتاب، حفل توقيع الترجمة العربية لكتاب “قراءة في الاقتصاد الصيني: كشف أسرار أقوى اقتصاديات العالم” للكاتب الصيني البروفيسور‏‏‏ لين يي فو النائب السابق لرئيس البنك الدولي وأشهر خبير اقتصادي صيني، مراجعة وتقديم الدكتور أحمد السعيد، وذلك بحضور مسؤولين من جامعة بكين ووفد صيني رفيع المستوى ولفيف من الإعلاميين والكتاب، ويقام الحفل في الساعة: 5:30- 6:15 مساء، في مركز أبوظبي الوطني للمعارض، مجلس الحوار منصة 10/‏‏‏C05.
في هذا الكتاب الذي يضم 12 باباً كبيراً، وتذييلاً به ثلاثة ملاحق مهمة، يتحدث «لين يي فو» عن كل ما يهم الباحث والقارئ العادي فيما يتعلق بالاقتصاد الصيني، فيتطرق إلى الفرص والتحديات التي واجهت وتواجه الاقتصاد الصيني منذ بدايات القرن الجديد، ويقارنها بالتحديات التي واجهت الاقتصاد في دول أخرى، مثل: ألمانيا واليابان. ثم ينتقل إلى موضوع أكثر إثارة، وهو الصين ونظريات الغرب، وسبب عدم حدوث ثورة صناعية صينية تشبه ثورة الغرب، كما يتناول موضوع أكثر حساسية قل تناوله بالدراسة، وهو شعور الطبقة المثقفة بانكسار وضعف الدولة، حيث يصطبغ التاريخ الاجتماعي والسياسي الحديث للصين بذلك المزيج من الشعور بالإحباط والإحساس بالمسؤولية لدى مثقفي الصين.
كما يتحدث المؤلف عن جانب التطبيق الواقعي للحاق بالركب العالمي، حيث تم الإسراع بتحويل الدولة من مجتمعٍ زراعي متخلف إلى مجتمع صناعي، وبناء دولة قوية والاعتماد على الذات والتركيز على الصناعات الثقيلة. ويقارن بين تجارب دول جنوب شرق آسيا أو ما عرف بالنمور الآسيوية، ويتساءل: هل التجربة الناجحة لاقتصاديات دول شرقي آسيا توفر طريقاً بديلاً قابلاً للتطبيق في البلدان النامية؟ ويجيب من خلال تحليل الأسباب الكامنة وراء نجاح اقتصاديات شرق آسيا ومقارنتها بالصين والعالم النامي.
ويتعمق أيضاً في تجربة الاقتصاد الصيني، حيث مرحلة إدارة المشروعات الصغيرة، ثم دفع تخصيص الموارد ونظام تشكيل الأسعار، وتحويل مسار نظام الأسعار والتخصيص الفردي إلى مسارين، والاتجاه في النهاية نحو المسار الأحادي لنظام السوق. ويستعرض تجربة الصين في موضوع إصلاح مؤسسات الدولة، وهي تجربة عالمية فريدة ومميزة جديرة بالتأمل والانتباه. ويكمل التجربة مع تفاصيل إصلاح النظام المالي للصين. يشار إلى أن البروفيسور لين يي فو أستاذ ومدير مركز الاقتصاد الهيكلي الجديد بجامعة بكين، وعميد معهد التعاون والتنمية بين الجنوب والجنوب (الصين وأوروبا)، وأستاذ وعميد فخري بالمعهد الوطني للتنمية. وشغل في عام 2008 منصب النائب الأول لرئيس البنك الدولي وكبير الخبراء الاقتصاديين والمسؤول عن اقتصاديات التنمية، ليصبح أول من يتولى هذا المنصب الرفيع من الدول النامية.
========================
خطر «الفريكسيت».. بعد «البريكسيت»؟!
تاريخ النشر: الجمعة 21 أبريل 2017
في خضم الحملة الانتخابية الرئاسية الفرنسية الراهنة تصدّرت معظم المناظرات والسجالات والجدالات بين المتنافسين مشاكل المشروع الأوروبي المزمنة، وخاصة منها ما يتعلق تحديداً بالمأزق النقدي المرتبط بالعملة الموحدة «اليورو»، وهو تعِد الأغلبية الساحقة من المرشحين باتخاذ مواقف سلبية تجاهه، إلى حد التعهد بالخروج من الوحدة النقدية من الأساس عند بعض المرشحين ذوي المواقف الشعبوية الحدّية على اليمين واليسار المتطرفين. وتزامناً مع هذه الحملة الانتخابية، والحملة الموازية الموجهة ضد اليورو والاتحاد الأوروبي، أتى كتاب المؤلفين الفرنسيين باتريك آرتوس وماري- بول فيرار: «اليورو.. الخروج من هنا؟»، في وقته تماماً، لكشف خلفيات وأبعاد مشكلات اليورو، وأيضاً لاستشراف حلول ومقاربات أخرى ممكنة لعلاج هذه المشكلات، بدلاً من التفكير في الخروج الفرنسي من منطقة اليورو، أو من الاتحاد الأوروبي، وذلك بالنظر إلى أهمية فرنسا، إلى جانب ألمانيا، باعتبارهما البلدين الأكبر والضامنين الأساسيين لإمكانية استمرار المشروع الأوروبي، من حيث هو حلم وفكرة طالما راودت مخيلات أبناء القارة لأجيال، بل لقرون. ولعل مما يزيد من قيمة هذا الكتاب أن مؤلفيه ينطلقان من معرفة واسعة بتفاصيل وحيثيات انطلاق العملة الأوروبية الموحدة، كما تتبعا أيضاً عن قرب طريقة التعامل مع التحديات التي واجهتها خلال السنوات الماضية، وباتريك آرتوس أكاديمي اقتصادي وأستاذ بجامعة باريس الأولى، البانتيون- السوربون، وماري- بول فيرار صحفية اقتصادية.
وينطلق الكاتبان ابتداءً في عملهما الواقع في 176 صفحة من تتبع خلفيات إطلاق العملة الأوروبية الموحدة، مبرزين في هذا الصدد أنها كانت خطوة ضرورية وحيوية فعلاً لتتويج جهود التكامل الاتحادي بين دول القارة، وطريقة لجعل اقتصاداتها أكثر تناغماً وانسجاماً، وأيضاً لدلالتها الرمزية حتى في أذهان المواطنين الأوروبيين العاديين لجهة تحفيز وتعزيز روح الانتماء الأوروبي الواحد لديهم. وكل هذا يحمل في حد ذاته رداً على الأصوات الكثيرة المندفعة المرتفعة الآن في الحملة الرئاسية الفرنسية، حيث يتساءل كثيرون بنبرة لا تخلو من شعبوية: ألم يكن إنشاء اليورو أصلاً خطأ كارثياً ألقى بظلاله الثقيلة على اقتصاد فرنسا وغيرها من الدول ذات الاقتصادات القوية في الاتحاد، إذ جعلها تدفع ثمن الترابط النقدي الميكانيكي مع بعض الاقتصادات الفاشلة والمتعثرة والصغيرة وغير القادرة على المنافسة؟ وألا يبدو الحل الأمثل اليوم، يقول هؤلاء، هو الخروج من هذه الكارثة النقدية والورطة الاقتصادية، في أسرع وقت ممكن من أجل مصلحة فرنسا والفرنسيين؟ وهذا النوع من الأسئلة ينذر بتنامي حالة التوجس من ظهور أعراض خروج فرنسي «فريكسيت» لا تمتلك أوروبا حتى ترف التفكير فيه الآن، وهي ما زالت واقعة تحت صدمة الخروج البريطاني الـ«بريكسيت»! وأخطر من هذا كله أن ذات النبرة الناقمة على اليورو والاتحاد بدأت تتردد الآن أيضاً في روما، وربما في عواصم أوروبية أخرى من الدول المصنفة تقليدياً دولاً أساسية في المشروع الاتحادي منذ البداية.
ويرى الكاتبان أن ما زاد من مآزق العملة النقدية أن الساسة الأوروبيين حين أطلقوها لم يفكروا أصلاً في بعض أساسيات الدروس الاقتصادية، مثل التحسب للتفاوت في سرعة النمو بين اقتصادات الاتحاد، حيث ظلت تسير بسرعتين متفاوتتين. كما أن دول شمال القارة القوية اقتصادياً أكثر تحملاً للصدمات الاقتصادية الناجمة عن انفتاح الأسواق وتوحيد العملة مقارنة مع دول الجنوب المتوسطية، المتعثرة، وذات الديون السيادية الكبيرة، في بعض الحالات. كما أدى توحيد العملة أيضاً إلى فقدان كثير من الدول الأوروبية تخصصيتها الصناعية في مجالات معينة لانفتاح الحدود على كافة صور الإغراق والمنافسة، وبطريقة قد تخرج أحياناً، علناً أو ضمناً، عن قواعد اللعبة. وفوق هذا وذاك عانى الاتحاد أيضاً من انفصال مزمن بين النخب السياسية الحاكمة وبين هموم المواطن الأوروبي العادي، الذي يكابد بشكل مباشر تداعيات أية أزمة نقدية أو اقتصادية، لتتحول مع مرور الوقت إلى أزمة اجتماعية، ومن ثم سياسية مهددة لشعبية دعم المشروع الأوروبي، الذي كان يفترض أن يكون مشروع شعوب أصلاً. هذا فضلاً عن انفصال البيروقراطية الاتحادية في بروكسل أيضاً عن كثير من تطلعات الحكومات الوطنية من جهة، وعن المواطن الأوروبي العادي من جهة أخرى، حيث تراكِم التشريعات الكثيرة دون أن تضع في الاعتبار هموم ومشاكل الإنسان الأوروبي البسيط، وبالتالي جعلت شعبية المشروع الأوروبي كله تتناقص وتتآكل، إلى حد دفع الأغلبية الشعبية في دولة أساسية هي المملكة المتحدة لتفضيل الانسحاب من الاتحاد، وجعلت فرنسا، الدولة المحور الأبرز مع ألمانيا، تصل هي أيضاً إلى حال يصبح فيه ثمانية من مرشحي رئاستها الأحد عشر مؤيدين لصك باب منطقة اليورو خلفهم، والخروج من الوحدة النقدية، بل وصل الأمر ببعضهم حتى للدعوة للخروج من الاتحاد كله، وطي صفحته مرة واحدة، وإلى الأبد.
حسن ولد المختار
الكتاب: اليورو.. الخروج من هنا؟
المؤلفان: باتريك آرتوس وماري- بول فيرار
الناشر: فايار
تاريخ النشر: 2017
========================
العدو الداخلي.. قصة بريطانيا المسلمة!
تاريخ النشر: الجمعة 21 أبريل 2017
بعيد ساعات قليلة على هجوم لندن الأخير في الثاني والعشرين من شهر مارس، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي صورة لامرأة يبدو من لباسها أنها مسلمة (كانت ترتدي الحجاب) أثناء مرورها بجانب أحد ضحايا الهجوم الذي وقع على جسر ويستمنستر وهي تتحدث في هاتفها. ثم سرعان ما ظهرت على هذه المواقع تعليقات تنتقد الفتاة وتتهمها بعدم الاكتراث والغلظة وقسوة القلب، لا بل إن البعض ذهب في «شيطنته» لها إلى حد اتهامها بالتواطؤ مع الإرهابيين. ولاحقاً، أصدرت المرأة بياناً توضح فيه أنها أصيبت بالحزن والصدمة من هول ما رأت، وأنها ساعدت بعض الضحايا قبل أن تتصل بأسرتها لتطمئنهم بأنها لم تصب بمكروه. ومن جانبه، خرج المصور الذي التقط لها تلك الصورة ليدلي بشهادته ويؤكد أنها كانت بالفعل مصدومة ومتأثرة.
ومثل هذه الحوادث تجعل المسلمين في بريطانيا -وربما الغرب عموماً- يشعرون بأنهم مستهدَفون بالأحكام المسبقة، ومتَّهمون إلى أن يثبت العكس، وفي حاجة دائماً للدفاع عن أنفسهم وتأكيد براءتهم. وهذا التحامل والارتياب الجاهز ضد المسلمين البريطانيين هو ما تحاول سعيدة وراسي، الوزيرة البريطانية السابقة، التصدي له في كتابها «العدو الداخلي: قصة بريطانيا المسلمة»، الذي تدلي فيه بوجهة نظرها الفريدة كمسلمة بريطانية من أصل باكستاني، لها روابط قوية بدينها وبجاليتها، وكانت ذات يوم جزءاً من حكومة تُتهم سياساتها الداخلية والخارجية باستعداء المسلمين.
ووارسي، التي نشأت وترعرعت في مقاطعة ويست يوركشاير شمال إنجلترا، هي واحدة من خمس بنات لأسرة مهاجرة من باكستان. وهي تشعر بفخر كبير لكونها تنتمي لمجتمع حققت فيه الكثير من الإنجازات الشخصية، كمحامية أولًا، ثم كسياسية لاحقاً. كما أنها تشعر كذلك بأنها محظوظة لأنها تتمتع بالحريات التي تكفلها دولة علمانية ليبرالية لمواطنيها. ولكنها تشعر أيضاً بالإحباط بسبب الطريقة التي عومل بها المسلمون في بلدها خلال العقود والسنوات الأخيرة، وترى أن الجاليات المسلمة داخل بريطانيا لم تكن ممثَّلة بشكل منصف، ولم تكن تعامَل بشكل جيد.
والواقع أن الجملة الأولى على غلاف كتابها صريحة ومباشرة وتعطي فكرة واضحة على الاتجاه الذي يذهب فيه كتابها: «أن تكون مسلماً بريطانياً خلال العقد الماضي كان أمراً صعباً للغاية»، حيث يصوَّر المسلمون على أنهم عنيفون أو شرسون بطبعهم، تقول وارسي، ولم يسلم من التلميح أو الاتهام الصريح بالتطرف الديني سوى قلة قليلة من المسلمين البارزين، مثل عمدة لندن صديق خان، أو رئيس قسم «الدين والأخلاق» في «هيئة الإذاعة البريطانية» عاقل أحمد.
بيد أن المسلمين، تقول وارسي، ليسوا سوى أحدث مجموعة ضمن قائمة طويلة من الجاليات والمجموعات التي عانت داخل بريطانيا من الارتياب وانعدام الثقة من قبل الآخرين، لأن «معتقداتهم أو ثقافاتهم أو ممارساتهم أو أجنداتهم تتنافى مع نظيرتها لدى الأغلبية». فاليهود، والكاثوليك، وعمال المناجم، والنقابيون، والماركسيون، والمثليون … جميعهم كانوا يعامَلون أحياناً على أنهم «العدو الداخلي». ولكن باعتبارها حفيدة رجلين خدما في الجيش الهندي البريطاني، فإن وارسي تشعر جراء ذلك بإهانة ما بعدها إهانة.
وارسي تشدد على أن أمل الأغلبية الساحقة من المسلمين في بريطانيا هو العيش في سلام ورخاء على غرار ما يحلم به معظم الناس، وأن قلة قليلة فقط من مسلمي بريطانيا الذين يقدّر عددهم بـ3 ملايين نسمة يحاولون دفع الشباب إلى التطرف وتحويلهم إلى إرهابيين. وتؤكد على أن أكثر ما يتمناه المسلمون في بريطانيا هو أن يكونوا قادرين على رصد المتطرفين بينهم وتسليمهم للسلطات بدلًا من أن يضطروا لتكبد رد الفعل المجتمعي الغاضب والمرتاب في كل مرة تشهد فيها البلاد هجوماً إرهابياً يقف وراءه متطرفون إسلاميون. فبالنسبة للمسلمين البريطانيين، الإرهابيون هم «العدو الداخلي» بالفعل. ولكن تجربتها كمسلمة وكوزيرة محافظة علَّمتها ألا أجهزة الأمن ولا الجاليات في بريطانيا تستطيع تحديد الإرهابيين الحاليين أو المحتملين بسهولة لأنه لا يوجد طريق وحيد إلى التطرف العنيف.
وترى أن أخطاء كثيرة ارتُكبت من قبل الجميع -سواء من المسلمين أو من الحكومات أو من البريطانيين الآخرين- أدت إلى المستويات الحالية من عدم الثقة وعدم الارتياح، ومن ذلك انعزال المسلمين، والتمييز ضدهم، ونزوح البيض عن المدن التي تعرف تركزاً للسود وأقليات أخرى إلى الضواحي، والمحاولات الخرقاء لتحدي التطرف من قبل سياسيين تواقين للقفز إلى استنتاجات متسرعة.
وكمثال على هذه الأخطاء، تشير وارسي إلى مشاعر الغضب من رواية سلمان رشدي «آيات شيطانية»، في 1988، باعتبارها المرة الأولى التي أصبح فيها المسلمون البريطانيون مسيَّسين كجالية، حيث شعر المسلمون الغاضبون بأن الدولة خذلتهم عبر رفضها محاكمة رشدي بتهمة التجديف. غير أنه من جهة أخرى، شعرت الحكومة، التي كانت مرعوبة ومصدومة من المكافأة التي رصدتها إيران لمن يقتل رشدي، بأنها ملزَمة بالدفاع عن أحد الحقوق الأساسية لبريطانيا الليبرالية -حرية التعبير والنشر. وهكذا، وضع عدمُ الفهم المتبادل «المسلمين على مسار تراكم مشاعر الاستياء وخطاب التظلم». وبعد الحادي عشر من سبتمبر والحرب على الإرهاب، أصبح يُنظر إلى المسلمين باعتبارهم مشكلة، وأخذ التركيز ينصب على دينهم باعتباره هويتهم المميِّزة -وليس إلى انتمائهم لبريطانيا.
ولا شك أن وارسي ستتعرض لانتقادات على كلا الجانبين: سواء بين بعض مسلمي بريطانيا الذين سيتهمونها بالتلهف لمطابقة الصورة الذهنية لدى البعض في بريطانيا عن «المهاجر الجيد»، أو من قبل البعض على اليمين الذين سينتقدون أيضاً نفيها أن تكون للتطرف العنيف أي علاقة بالدين. ولكن الأكيد أن كتابها يحمل رسائل للجانبين ويأتي في ظرف جد مواتٍ مع ازدياد الانقسامات في المجتمع وتصاعد الإسلاموفوبيا.
محمد وقيف
الكتاب: العدو الداخلي.. قصة بريطانيا المسلمة
المؤلفة: سعيدة وارسي
الناشر: آلن لين
تاريخ النشر: 2017
========================
آسيا.. وتاريخ التمحور الأميركي
تاريخ النشر: الجمعة 21 أبريل 2017
لقد تطلب الأمر «أكثر من مجرد الاهتمام»، لكي تصبح الولايات المتحدة الأميركية، خلال القرنين الماضيين، قوة بارزة في منطقة آسيا والدول المطلة على المحيط الهادئ. وقد دفعت التجارة والعقيدة ومبادئ الدفاع الأميركيين غرباً، ليس فقط في أنحاء القارة، ولكن أيضاً على اتساع المحيط، مثلما يشير «مايكل جرين»، الذي عمل مساعداً خاصاً للرئيس جورج بوش الابن، ومديراً متخصصاً في الشؤون الآسيوية، ضمن فريق «مجلس الأمن القومي».
ويوضح «جرين» في كتابه الجديد: «أكثر من مجرد اهتمام.. الاستراتيجية الكبرى والقوة الأميركية في منطقة آسيا والدول المطلة على المحيط الهادئ منذ 1983»، أن «بزوغ القوة الأميركية المعاصرة في تلك المنطقة لم يكن نتاجاً عرضياً للانتصار في الحرب العالمية الثانية، مثلما يشير كثير من المؤرخين المتعجلين».
ويضيف في كتابه، الذي يعتبر دراسة مهمة وشاملة للعلاقات الأميركية مع دول آسيا والدول المطلة على «الهادئ» مستطرداً: «للأمر جذور فكرية ترجع إلى خروج مجموعة من الأميركيين، الذين حملوا معهم أعشاب (الجينسينج) والرؤى الإمبراطورية إلى الدول المطلة على المحيط الهادئ في الشرق الأقصى».
ومع إبحارهم وسط أمواج المحيط العاتية، سيطر الأميركيون على نقاط جغرافية مثل «جزر ساندويتش»، التي تعرف في الوقت الراهن باسم «هاواي»، و«ساموا» و«جوام». وكانت جائزة الحرب مع إسبانيا في نهاية القرن التاسع عشر هي الفلبين. وفي هذه الأثناء، أضحت آسيا جارة لأميركا، مثلما أعلن «روبرت ووكر»، وزير خزانة الرئيس الأميركي الحادي عشر «جيمس بوك».
ونوّه المؤلف إلى أن المصالح الخاصة هي تلك التي وجهت الأميركيين في المنطقة لتبني أساليب وسياسيات متسقة بشكل عام، على رغم التخبط والتراجع في بعض الأحيان. وفي هذا السياق أفاد «جرين» بأن واشنطن أضحت قوة توازن بحرية، متبنية وجهة النظر بأن الولايات المتحدة تتعين عليها الحيلولة دون هيمنة أية قوة واحدة على الأراضي الآسيوية والمياه القريبة منها. وكان الهدف هو جعل المحيط الهادئ «قناة لتدفق الأفكار والبضائع الأميركية غرباً، ومنع تدفق التهديدات شرقاً تجاه الولايات المتحدة»، نفسها بحسب «جرين».
وبناء على ذلك، أضحت حماية المحيط الهادئ محور اهتمام كبير. وربما اختلف الرؤساء والدبلوماسيون والجنرالات والمحللون الأميركيون في النهاية على تفاصيل وطرق تحقيق الاستراتيجية، بيد أن الاختلافات الأكبر كانت في كثير من الأحيان حول المدى الذي ينبغي رسم خط الدفاع الأميركي عنده. ومثلما أشار الكاتب السياسي الأميركي «والتر ليبمان»، الولايات المتحدة لم تكن أبداً انعزالية في طريقة تعاطيها مع منطقة الدول المطلة على المحيط الهادئ.
وبمرور الوقت، أضحت الجهود الأميركية جديرة بالاهتمام بدرجة أكبر لأن الأنظمة الديمقراطية، بطبيعتها، غير مؤهلة للإبقاء على سياسات خارجية مستمرة، وهو أمر لاحظه المؤرخ السياسي الفرنسي «أليكسيس دو توكفيل» في كتابه: «الديمقراطية في أميركا». ومثلما كتب «جرين»، وضع المؤسسون نظاماً مخصصاً لمنع مركزية اتخاذ القرارات على وجه التحديد، وفق تصور المؤرخ الإغريقي «توكيديديس»، وقدامى المفكرين الاستراتيجيين الآخرين. ولكنه أوضح أن «الولايات المتحدة تمكنت من الحفاظ على استمرارية سياسياتها، لأنها تنبع دائماً بطريقة طبيعية من قيم الجمهورية والظروف الجغرافية».
وتلك الظروف الجغرافية، حيث يحف أميركا محيطان، لم تعزل الولايات المتحدة؛ فقد خاضت حربين كبيرتين في أوروبا خلال القرن الماضي، وكلتاهما لمنع قوة واحدة هي ألمانيا من الاستحواذ على القارة.
وقد أجبرت الإملاءات الاستراتيجية ذاتها، من وجهة نظر المؤلف، الولايات المتحدة على خوض معركتين هائلتين في منطقة آسيا والدول المطلة على المحيط الهادئ، إحداهما الحرب مع اليابان، والثانية المحاولات التي استمرت على مدار عقود لاحتواء القوة السوفييتية.
والآن، تجد الولايات المتحدة نفسها متورطة مجدداً في حملة ثالثة لمنع إحدى الدول من بسط سيطرة مُحكمة على آسيا. ويلفت «جرين» إلى أن آسيا مرهونة جزئياً بدورة صعود وهبوط النظام القائم على «المركزية الصينية». وأثناء القرنين التاسع عشر والعشرين، كان الضعف الصيني سبب زعزعة الاستقرار، إذ اندفعت قوى متنوعة للاستفادة من تراجع الصين في عهد «كينج»، وتاليتها التي مزقتها الحرب «جمهورية الصين» بقيادة «تشيانج كاي- شيك». ولكن مثلما قال «جورج مارشال»، «فالصين في الوقت الراهن لم تعد ضعيفة كما كانت، وإنما أضحى الحزم الصيني هو المهيمن في المنطقة».
وعلى رغم ذلك، عندما يصل الكتاب إلى الحديث عن الوقت الراهن، ويبدأ في تناول التحديات ذات الصلة بعالم اليوم.. يترنح! ويقرّ «جرين» بمدى صعوبة أن يضطلع شخص شارك في صنع الأحداث، بمهمة المؤرخ. ومن ثم، يؤثر غياب الموضوعية على رواية وتحليل «جرين» لبعض الأحداث المهمة.
فعلى سبيل المثال، مرّ «جرين» مرور الكرام على حادث طائرة التجسس الأميركية في أبريل عام 2001، عندما قامت طائرة تابعة للبحرية الأميركية من طراز «ئي بي-3» بالتحليق فوق منطقة بحر الصين الجنوبي، وتصادمت مع طائرة صينية. واحتجزت بكين طاقم الطائرة المكون من 24 شخصاً لمدة 11 يوماً، وجردت الطائرة من محركها الإلكتروني، ورفضت السماح لها بالخروج من الصين بقوتها.
وقد كان رد البيت الأبيض، في ظل إدارة الرئيس جورج بوش الابن، إصدار ما اعتبرته الصين اعتذاراً وعرض دفع تعويض، وبالطبع شجّع ذلك بكين على المضي قدماً في هيمنتها على المنطقة. ويرى كثير من المحللين أن الحادث مثّل بداية فترة من التقدم الصيني في المنطقة، على حساب الولايات المتحدة. وأملاً في الحفاظ على علاقات تعاون، مكّنت إدارة بوش القوة الصينية، بإظهار أن الولايات المتحدة ليست لديها خيارات كثيرة لتحديها.
ويزعم «جرين» أن بوش ظل منخرطاً في آسيا، وأشار إلى أنه كان الرئيس الوحيد الذي حضر كافة قمم منتدى «التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ»، معتبراً أنه هو أول من بادر بإبرام اتفاقيات تجارة حرة في المنطقة.
وعلى رغم ذلك، يقول «جرين» إن كثيرين شعروا بأن واشنطن كانت تحيد عن آسيا، وهو أمر لم يناقشه المؤلف في كتابه. وفي حين يتميز «بأكثر من مجرد اهتمام» بكثرة تفاصيله وتحليله المتعمق للفترة حتى رئاسة بيل كلينتون، إلا أنه يبدو مشوشاً في سنوات بوش.
وعندما يحلل «جرين» تعامل إدارة أوباما مع الصين، يشير، مثلما أقرّ كثيرون إلى أنه لم يكن وحده هو «الرئيس الهادئ»، فقد سبقه إلى ذلك اللقب «ريتشارد نيكسون»، ولكن أوباما كان أول من أعلن أن «آسيا تشكل الأولوية الكبرى للسياسة الخارجية الأميركية». وفي سنوات ولايته الأولى، كان ذلك يعني تبني سياسات لم تلقَ في نهاية المطاف قبولاً لدى بكين، ولذا، تبنى البيت الأبيض «المحبط»، حسب «جرين»، سياسة «التمحور»، والتي أعيدت صياغتها لتصبح «إعادة التوازن» لدبلوماسية ميزان القوى.
وأشار تحليل «جرين» المتعمق لأساليب أوباما في فترته الثانية تجاه الصين، إلى أن الرئيس، بتلويحه بـ«بطاقتي» اليابان والهند، عاد إلى الحنكة السياسية الأميركية التقليدية.
ويتساءل المؤلف، ملخصاً التاريخ الذي تناوله، في نهاية كتابه قائلاً: «هل الولايات المتحدة قادرة على وضع استراتيجية كبرى للتعامل مع تلك المنطقة؟». ويجيب: «إن السياسة الأميركية، على الأقل معظم الوقت، ظلت متسقة ومؤثرة ومفيدة، منذ اللحظة الأولى التي عبر فيها الأميركيون المحيط الهادئ».
وائل بدران
الكتاب: أكثر من الحيطة.. الاستراتيجية الكبرى والقوة الأميركية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ منذ 1983
المؤلف: مايكل جرين
الناشر: جامعة كولومبيا
تاريخ النشر: 2017
========================
الشعبوية السياسية واستفحال تأثيرها
التاريخ:18 أبريل 2017
كثير من الأحداث السياسية المستجدة في عالمنا الراهن، جعلت المراقبين والمحللين يركزون ويعكفون من جديد على رصد ظاهرة: الشعبوية واستفحالها في الحياة السياسية في عالمنا. وطبعاً، ذاك المصطلح طالما حارت البشرية في تحرير مفهومه وضبط دلالته على وجه من الدقة أو اليقين.
لكنه في كل حال، ينصرف إلى محاولة إقناع جموع الجماهير الحاشدة بأفكار ومصالح فئات تدّعي تمثيلها ورعاية مصالحها. عبر مجموعة أساليب ووسائل. من خلال طرح شعارات برّاقة تروق لهم أو تستهويهم، ومن ثم فهم يساقون إلى حيث يلوكون هذه الشعارات ويؤيدون رافعي لوائها، بصرف النظر عن أي معايير أو تفحص لها.
«ما الشعبوية؟». إن هذا السؤال هو الذي اختار أن يجيب عنه البروفيسور ﭽان- ﭭيرنر موللر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة برنستون، في أحدث كتاب أصدره، ليواكب الطروحات السياسية الراهنة حول تيار الشعبوية من حيث رموزه وأفكاره والنتائج التي يمكن أن يفضي إليها.
يعترف مؤلفنا، منذ استهلال الكتاب، بأن مصطلح «الشعبوية» لا يزال موزعاً إلى مفاهيم ومعان عدة، منها الإيجابي ومنها السلبي. وهنا يتابع المؤلف نماذج شهدها القرن العشرين، وتمثلت في الزعامات والمقولات والشعارات التي توجهت إلى إثارة أوسع قطاعات الجماهير (مثلاً: من الناخبين الذين لم يتلقوا تعليماً منظماً عالياً أو جامعياً). وهنا يسوق الكتاب أمثلة من قبيل: هتلر النازي في ألمانيا وموسوليني الفاشي في إيطاليا.
بل يسوق أيضاً مثالاً هو نظام فنزويلا تحت قيادة زعيمها الراحل هوغو شافيز (1954- 2013). ويضاف إلى هؤلاء حقبة برلسكوني في إيطاليا خلال فترة التسعينيات من القرن الفائت.. فضلاً عن دعايات وشعارات أقصى اليمين في الحياة الحزبية الأوروبية، وتمثلها مارين لوبان زعيمة الجبهة الوطنية في فرنسا.
وفي كل حال، يذهب الكتاب إلى أن رافعي شعارات الشعبوية، إنما يرسمون لأنفسهم ولمؤيديهم خطوطاً في الفكر والسلوك السياسي، يمكن تلخيصها فيما يلي:
هم يعلنون أنهم مع أوسع القواعد الجماهيرية وضد الصفوة أو النخبة المنتقاة، في حين أنهم، وكما يوضح المؤلف، ينتمون إلى هذه النّخب الساعية إلى تسلّم مقاليد السلطة واحتلال مقاعد الحكم.
يعلنون رغبتهم في إجراء الاستفتاءات الشعبية، وما إن يتمكنوا من السلطة فهم يسعون إلى الانفراد بمقاليد الأمور.
لا يريحهم وجود المؤسسات التي يمكن أن تفصل بينهم وبين قطاعات الجماهير العريضة، ومنها مثلاً مؤسسات الصحافة وسلطات القضاء.
يواصلون ما يصفه الكتاب بأنه عملية «الاستقطاب»، وفي غمارها لا يتورعون عن توجيه كل صنوف الانتقاد إلى النّخب التي يعلنون فسادها وإلى ما يصورونه بأنه تدخلات أجنبية من خارج الحدود.. والمهم هو الحرص على إبقاء الجماهير في حالة استنفار ضد «العنصر الآخر»، سواء كان في الداخل أو من الخارج.
وأخيراً هناك النزعة لدى سدنة هذه الشعبوية، ومن لفّ لفّهم، إلى ما يصفه مؤلف الكتاب بأنه «احتلال - استعمار» الدولة على اختلاف أجهزتها وإمكاناتها، وهو ما يتم باسم الشعب بطبيعة الحال ولا بأس في هذا السياق من تعديل الدستور أو استخدام شتى الوسائل من أجل إسكات أو قهر المعارضين.
والمشكلة أن جماعات الشعبوية عندما يتوصلون إلى مقاليد السلطة على أنقاض النظام الذي ظلوا يوجهون إليه سهام النقد والهجوم.. فهم يتوصلون إلى ذلك من خلال ركوب موجة التأييد الشعبي الذي توليه إياهم جموع الجماهير المتطلعة أصلاً إلى إصلاح الأحوال- إلا أن هؤلاء الشعبويين لا يلبثون أن يتحولوا إلى ممارسة الأساليب التي طالما هاجموها وممارسة السلطات التي طالما ندّدوا بها، وعملوا بالطبع إلى أن يحلو محلّها تحت شعارهم الأثير، وهو توخي المصالح العليا للوطن وجماهيره الغفيرة.
وعلى مستوى دول عدة من عالمنا، يوضّح المؤلف أيضاً كيف أن الشعبوية التي يعالجها الكتاب، فضلاً عن تيار الشعبوية الجديدة (نيو شعبوية كما أصبح يسمى في أوساط الميديا السياسية) امتدت آثارها ومظاهرها إلى ما بين أقطار شرق أوروبا (الشيوعية سابقاً)، حيث تروج الدعوات إلى عقد الاستفتاءات الشعبية بدعوى ضرورة استطلاع آراء أوسع قواعد الجماهير إلى الصراعات المندلعة فيما بين الأحزاب السياسية في إيطاليا.. إلى الحملات الانتخابية (الرئاسية) التي يشهدها المشهد السياسي الأميركي كل أربع سنوات.
والكتاب لا يفوته في كل هذه السياقات، أن ينّبه إلى خطورة الشعارات البرّاقة والوعود الخلّابة التي يجري طرحها وترويجها لزوم الاستهلاك الجماهيري، خاصة عندما يتم مثل هذا الطرح من خلال الميديا الإعلامية المتواطئة مقترناً - في أميركا بالذات- بما تبذله من جهود شركات الدعاية الاحترافية، ومعها أيضاً تنظيمات جماعات الضغط وقوى المصالح (اللوبي)، لصالح هذا المرشح أو ذاك.
ومن إيجابيات هذا الكتاب أنه لم ينزلق في تعريفاته لشعارات الشعبوية إلى حيث يقرنها مثلاً بالفوضوية أو الديماغوجية، وإنما انصبّ تركيز المؤلف - بوصفه أستاذاً لعلم السياسة ومحللاً للسلوك السياسي - على عنصر استثمار واستغلال مشاعر الجماهير ومحاولة التقّرب منها، من خلال ركوب موجة المصالح الجماهيرية والتركيز على ما لحق بهذه المصالح من سلبيات أقدمت على ارتكابها سلطات سابقة ونظم للحكم ماضية.. وإن كانت مآلات هذه السلوكيات السياسية لا تلبث أن تنكشف عن مصالح مستجدة للفئات التي ركبت الموجة واستغلت بساطة الجماهير، لكي تحقق ما كانت تتوخاه أو تطمع فيه من مغانم.
========================
أفق فلسطين : نحو سلام عادل
تاريخ النشر: 15/04/2017
تأليف: ريتشارد فولك
 
عرض وترجمة: نضال إبراهيم
هل القضية الفلسطينة ضائعة بالمفهوم العام وسط الصراعات العالمية؟ إلى أية درجة يمكن أن تؤدي محادثات السلام إلى حلول ترضي الجانبين الفلسطيني و«الإسرائيلي»؟ هل هناك آمال تلوح في الأفق بالنسبة للشعب الفلسطيني، وسط التوسع «الإسرائيلي» في استيطانه وجبروته، وانتهاكه القوانين الدولية في كل مناسبة.
 
يناقش هذا العمل للبروفسور الأمريكي ريتشارد فولك التحولات في الصراع الفلسطيني- «الإسرائيلي» والطرق التي يمكن أن تؤدي إلى سلام شامل وعادل، مع التوقف عند آراء المفكر الراحل إدوارد سعيد.
بعد أن عاش المجتمع الفلسطيني سنوات من الاحتلال العنيف، يستكشف الآن طرقاً مختلفة للسلام. ويشمل ذلك السعي إلى نيل الحقوق بموجب القانون الدولي في أماكن مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، مع وضع تشديد جديد على التضامن العالمي والعمل غير العنيف من خلال حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (بي دي إس)، وغيرها. ويعمل البروفيسور ريتشارد فولك داخل الصراع «الإسرائيلي» / الفلسطيني على مدى عدة عقود، حيث درسه عن قرب وعمق، وما يحاول أن يقدمه في عمله هذا «أفق فلسطين»، هو النظر عن كثب إلى هذه التحولات، ويقدم تحليلاً دقيقاً لأحد أكثر القضايا إثارة للجدل في عصرنا.
التعقيدات السياسية
 
يستكشف فولك، في كتابه الصادر حديثاً عن دار «بلوتوبرس» البريطانية باللغة الإنجليزية في 196 صفحة، التعقيدات والترابطات داخل تاريخ وسياسة فلسطين/ «إسرائيل»، في الوقت الذي ينخرط فيه داخل العلاقات المعقدة التي خلقها الصراع ضمن المجتمع العالمي. وهو يدحض الفكرة القائلة إن النضال الفلسطيني قضية ضائعة، ويقدم تكتيكات وإمكانات جديدة للتغيير. كما أنه يضع الصراع المستمر في السياق، مما يعكس إرث إدوارد سعيد، ويستند إلى أهمية أفكاره كنموذج إنساني للسلام الذي يدرك الصعوبات الهائلة التي تواجه التوصل إلى حل للنضال الطويل. ويعد فولك، أحد أكثر الأصوات رسوخاً وموثوقية في الصراع، يعرض الآن لمحة تاريخية أكثر استدامة وتركيزاً حتى الآن.
ويشير الكاتب إلى أنه ليس هناك قضية سياسية خلال العقد الماضي مثيرة للقلق ومحبطة للهمة بالنسبة له كما هو الحال في الفشل للتوصل إلى سلام عادل ومستدام للشعب الفلسطيني. ويقول: «هذا الكتاب يحاول أن يصور المراحل الأخيرة في النضال الفلسطيني وطموحاته. وأن أي مستقبل محترم يعتمد على الفلسطينيين و«الإسرائيليين» لإيجاد طرق خلاقة للعيش معاً بطريقة تعود بالفائدة على الطرفين».
ويضيف: «خلال إعداد هذا الكتاب، تأثرت كثيراً بسنواتي الست (2008-2014) في العمل كمقرر خاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967 تحت رعاية مجلس حقوق الإنسان».
 
مستقبل الصراع
 
يقول الكاتب إنه «مع نهاية 2016، يبدو أن مستقبل الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي» يستعد لدخول مرحلة جديدة. فمن جانب، مع الإجماع المثير للإعجاب، ندد مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة بالتوسع الاستيطاني «الإسرائيلي» في القرار رقم 2334، الذي امتنعت الولايات المتحدة من التصويت عليه. أكد هذا العمل الرمزي أن الدول الكبرى في العالم تبقى ملتزمة بنتيجة عادلة للصراع، وتحترم الحقوق الفلسطينية بموجب القانون الدولي، وأن الأمم المتحدة سوف تستمر في لعب دور حيوي خلال هذه العملية».
ويضيف فولك: «في الوقت نفسه، فكرة تحقيق سلام مستدام في شكل حل الدولتين، مع الاحتفاظ بالموقع الرسمي في الأمم المتحدة وفي الأوساط الدبلوماسية، يبدو أنه بعيد وصعب الإدراك أكثر من أي وقت مضى. ويبدو أن الحكومة «الإسرائيلية» الحالية غير مهتمة بتسوية عبر المفاوضات مع ممثلين عن الشعب الفلسطيني. علاوة على ذلك، يفتقد الفلسطينيون إلى قيادة موحدة، ولا يمتلكون في الوقت الراهن التمثيل الشرعي بالكامل. بالإضافة إلى ذلك، تشير التطورات الميدانية إلى أن «إسرائيل» تدفع بالأحداث إلى الاستيلاء على القدس وأغلب الضفة الغربية، بالتالي يجعل من غير المنطقي تأسيس دولة فلسطينية متمتعة بالسيادة على أساس نهج حل الدولتين».
ويوضح الكاتب أنه «في الواقع، على الرغم من استمرار النضال الفلسطيني على الساحة الدولية، خاصة في الأمم المتحدة، فإن هناك عدم ثقة كاملة تقريباً في حل الدولتين المقترح وفي قدرة الدبلوماسية التقليدية على خلق اتفاق بين «إسرائيل» وفلسطين. بدلاً من ذلك، مسألة وجود أمل يعتمد على تغيير التوازن الحالي للقوى، بالتالي فإن الحكومة «الإسرائيلية» موجهة لإعادة حساب مصالحها في طرق تجعل من الممكن تصور تسوية سياسية مستدامة وعادلة مع الحركة الوطنية الفلسطينية. مثل هذا التغيير، إذا ما حدث، ستكون نتيجة مقاومة فلسطينية أعيد تنشيطها في وجه الاحتلال «الإسرائيلي» الذي يدخل عامه الخمسين وحركة التضامن العالمية التي تظهر حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، المتأسسة لتحدي الممارسات والسياسات «الإسرائيلية» التي تنتهك القانون الدولي».
كما يشير الكاتب في الكتاب إلى أن الآمال والتوقعات الفلسطينية في الوقت الراهن يبدو أنها متوقفة على نشاط الشعب أكثر مما هو على دبلوماسية الحكومات والأمم المتحدة. وإذا ما تغيرت علاقة القوى لخلق دبلوماسية منتعشة وأكثر توازناً بالاستناد إلى عملية سلام أصلية ربما تساهم في مستقبل يقود إلى حل.
 
الآمال الفلسطينية
 
ويستكشف الكاتب تفاصيل هذه الآراء في سلسلة من المقالات الرصينة، وقسم العمل بعد المقدمة والتمهيد، في أربعة أقسام رئيسية هي: أولاً، التصور الناشئ لفلسطين، وينقسم إلى أربعة فصول هي: مؤشرات الصراع، دبلوماسية أوسلو: وجهة نظر تاريخية قانونية، إعادة التفكير بالمستقبل الفلسطيني، التصوّر الفلسطيني الناشئ، ويناقش فيه التصورات الفلسطينية والأجندة والتكتيكات الموجودة من ناحية السياق السياسي الشامل الذي تأسس فيه الإطار الدبلوماسي قبل فترة طويلة من استحضار عملية السلام إلى «إسرائيل» وفلسطين التي فقدت مصداقيتها بعمق بعد عقود من الإحباط.
ويتناول الاهتمام المتزايد الذي يعطى لنشاط المجتمع المدني سواء على صعيد المقاومة الفلسطينية للاحتلال أو التضامن العالمي مع الصراع الفلسطيني لأجل تقرير المصير والحقوق بموجب القانون الدولي، ويأتي ذلك بشكل خاص في استجابة لحالات الفشل الأولى من الصراع المسلح وإحباطات أخيرة أكثر على الصعيد الدبلوماسي.
أما القسم الثاني فهو بعنوان «حرب الشرعية لفلسطين»، وينقسم أيضاً إلى خمسة فصول هي: «العنف واللاعنف في النضال لأجل حقوق الإنسان في فلسطين» (كتبها المؤلف بالاشترك مع فيكتوريا ميسن)، القانون الدولي، الفصل العنصري، الاستجابات «الإسرائيلية» لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، واستخدام القانون الفلسطيني والبحث عن سلام عادل، فلسطين تصبح دولة، والسعي إلى الدفاع في المحكمة الجنائية الدولية. وتسلط هذه الفصول الضوء على التغير الاستراتيجي والتكتيكي في التأكيد على أنه يعتمد بشكل متزايد على تشكيلة من المبادرات السلمية، على الصعيد الداخلي والخارجي، المصممة لفضح وتشويه وتحدي السياسات والممارسات «الإسرائيلية» اللأخلاقية واللاقانونية. كما يتطرق هذا الفصل إلى التوترات الإقليمية القائمة في الشرق الأوسط وكيفية حلها، والتغيرات التي يمكن أن تحدث في الموقف الأمريكي والأوروبي تجاه قضايا المنطقة، والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص.
وبعنوان «الصهيونية ومعاداة السامية في الساحة الدولية» يتألف القسم الثالث من فصلين هما: «الصهيونية والأمم المتحدة»، و«الخارجية الأمريكية، تعريف معاداة السامية وإنسانية إدوارد سعيد»، ويتوقف هذا القسم عند الاستجابة «الإسرائيلية» العنيفة ضد هذه التكتيكات الفلسطينية الأخيرة من خلال تبني سلسلة من التكتيكات لمصلحتهم، من بينها حملات عدوانية لتشويه حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، والمنظمات الحقوقية الأخرى المناصرة للقضية الفلسطينية. ويشير الكاتب إلى أن هذا الرجوع«الإسرائيلي»إلى الخلف يتجنب معالجة التحديات الأساسية لسياساتها وممارساتها، ويركز على جهودها المبذولة في تشويه عمل الناشطين والمنتقدين، إلى درجة اتهام الأمم المتحدة بانحيازها للفلسطينيين، واعتمادها على أشكال مختلفة من التخويف سواء في الداخل أو في الخارج.
 
على خطى إدوارد سعيد
 
ويأتي القسم الرابع والأخير من هذا العمل بعنوان «إرث وصوت إدوارد سعيد»، وينقسم إلى فصلين هما: «عملية السلام الفاشلة»، و«فلسطين كقضية ضائعة»، مخصصاً لتناول الوجوه المختلفة والمتعددة لإرث إدوارد سعيد، كأكثر صوت إنساني فلسطيني مؤثر، وما يجسده من دعوة إلى ترسيخ القيم الإنسانية في الصراع القائم. ويشير الكاتب إلى أنه من الواضح أن «إدوارد سعيد في نهاية حياته وضع آماله على حل الدولة الواحدة التي يمكن للفلسطينيين و«الإسرائيليين» أن يعيشوا فيها معاً ضمن دولة علمانية واحدة تقوم على المساواة بين الشعبين من خلال التزام قوي بتطبيق قوانين حقوق الإنسان على كل من يعيش ضمن حدود هذه الدولة». كما يتطرق إلى جوانب أخرى من كتابات إدوارد سعيد عن القضية الفلسطينية.
ويخرج الكاتب في ختام عمله بعدد من الخلاصات، ومما يقوله في النهاية: اسمحوا لي أن أنهي عملي إذاً، مع إعادة تأكيد على العلاقة المعقدة بين معرفتنا المحدودة، خاصة المستقبل، وإرادتنا السياسية والأخلاقية، التي تمتلك حرية لا يمكن اختزالها لخلق آفاقها الخاصة. ولهذا السبب وحده، يبدو أنه لا بد من تقديم الدعم للانضمام إلى إدوارد سعيد وسلافوي جيجك في إعلان دفاعنا عن القضايا الضائعة، وفي هذا المثال نجد أمامنا قضية الشعب الفلسطيني الذي تم التضحية به بشكل صامت لفترة طويلة. وكما استطاع بعض العنصريين البيض البقاء في جنوب إفريقيا بعد حل نظام الفصل العنصري، سوف يأخذ الأمر معجزة سياسية قريبة من المقارنة مع التجربة السابقة للوصول إلى سلام عادل ومستدام في فلسطين، من شأنه أن يأتي بالكرامة المتساوية للشعبين. بهذه الكلمات أنهى مع مقطع من قصيدة للشاعر دبليو. إتش. أودين: «هؤلاء الذين يوشكون على الموت يطلبون معجزة».
 
نبذة عن المؤلف
 
عمل ريتشارد فولك في موقع المقرر الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية من 2008 إلى 2014. وهو أستاذ فخري للقانون الدولي في جامعة برينستون وزميل باحث في الدراسات الدولية في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا.
ورغم أنه ينتمي لعائلة يهودية إلا أنه يناصر القضية الفلسطينية، ويتنكر للجانب العرقي لديه المتعلق باليهودية وإسرائيل، ويعرّف نفسه بأنه أمريكي، ويجد أن من مهمته «أن يكون مشغولاً بالتغلب على الظلم والتعطش إلى العدالة في العالم، وهذا يعني احترام الشعوب الأخرى بغض النظر عن جنسيتها أو دينها، والتعاطف في مواجهة المعاناة الإنسانية أياً كانت أو وجدت». وهو مؤلف لأكثر من عشرين كتاباً من بينها «الفوضى والثورة المضادة: بعد الربيع العربي».
أما بالنسبة لمؤهلاته فهو حاصل على بكالوريوس العلوم في الاقتصاد من كلية وارتون، جامعة بنسلفانيا في عام 1952 قبل إكمال درجة البكالوريوس في القانون في جامعة ييل. وحصل على شهادة الدكتوراه في القانون من جامعة هارفارد في عام 1962. وقد تأثر في بداياته بقراءات لكارل ماركس وهربرت ماركيوس وسي. رايت ميلز، وطور اهتمامه بالمشاريع التي تهدف إلى إلغاء الحرب والعدوان، وهو من أنصار التوجّه البشري نحو التمتع بروح عالمية، تكون الحدود فيها مفتوحة أمام الجميع لأجل الخير الإنساني. كما كان من المعارضين لغزو العراق في 2003، حيث اعتبرها جريمة عدوانية ضد السلام الدولي.
========================
«مخيم كاليه».. قصة بشر يعيشون في «غابة»
تاريخ النشر: 22/04/2017
استمع
 
تحرير: مجموعة من الكتّاب - ترجمة وعرض: نضال إبراهيم
في كثير من الأحيان يسمى مخيم كاليه للاجئين في شمال فرنسا بالغابة، لأن الوضع فيه يجسد الكثير من المعاناة، وحالة من عدم اليقين، فضلاً عن العنف الذي يفرض نفسه في حياة تفتقد إلى أبسط المقومات التي تشكلها. في هذا العمل نتعرّف إلى قصص بعض من سكّان هذا المخيم، وكيفية الوصول إليه، ثم الحياة فيه. إلى جانب ذلك نشعر بتأثير الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط وإفريقيا التي تدفع بأجيال كاملة إلى الهجرة عن أوطانها. يسعى الكتاب إلى تقديم فهم للعواقب البشرية المتعلقة بالأزمة العالمية الراهنة.
يصل العديد من المهاجرين بشكل يومي من بلدان تشهد صراعات مثل سوريا، وجنوب السودان، وأفغانستان، وليبيا، والعراق، إلى مخيمات اللجوء وكاليه واحد منها، حيث يأمل هؤلاء إيجاد ملاذ لهم بعيداً عن أوطانهم التي مزقتها الحرب، وطمعاً في الحصول على فرصة دائمة للاستقرار في أوروبا. وبتجاوز التقارير الإعلامية السطحية، فإن أصوات «الغابة» تمنح صوتاً للأفراد الذين عاشوا في مخيم كاليه، هؤلاء الذين قاموا برحلة صعبة من البلدان المدمرة، بحثاً عن السلام والأمان، وليعكس في الوقت عينه وضع اللاجئين في المخيّمات المؤقتة والمعاناة التي يجدونها على الطرق.
في هذه المجموعة من الشهادات الفردية، يتحدث لاجئون بشكل صريح ومباشر عن قصص قوية وحية، ويستعرضون ذكرياتهم بكل صدق، متحدثين عن أحلامهم الطفولية ونضالاتهم من أجل التعليم، ومشاهداتهم عن الإبادات الجماعية، والحروب والاضطهاد، الذي دفع بهم خارج أوطانهم، وعن تأثير الإرهاب على مجتمعاتهم، ثم يتحدثون عن واقع المعيشة في مخيم كاليه للاجئين، وآمالهم العميقة في المستقبل الذي يتطلعون إليه.
 
صور من الغابة
من خلال قصصهم يرسم هؤلاء اللاجئين صورة لنوع مختلف من الغابة، حيث تشكّل لديهم شعور قوي في المجتمع الذي نما هناك على الرغم من عمليات الإخلاء والهجمات والتضامن الذي يتجاوز الحدود الوطنية والدينية. وتتخلل الكتاب صور التقطها سكان المخيم، الذين تم تعليمهم من قبل المصورين الحائزين على جائزة «جيدون مندل وكريسبين هيوز»، إلى جانب صور تتعلق بالأعمال الفنية الأصلية من قبل السكان وقصائد مؤثرة.
بالنسبة للمؤلفين كانت «الغابة» منزلاً، لمدة قصيرة أو طويلة. وكانت مرحلة من قصص حياتهم التي شكلتها الحروب أو قصص القمع أو ربما كانت سعيدة في جزء منها. وبعض هؤلاء يقطن الآن في المملكة المتحدة، والبعض الآخر بقي في فرنسا، وبضعة أفراد منهم توجّهوا إلى دول أوروبية أخرى. في أكتوبر 2016، كان العديد منهم لا يزال يعيش في المخيم، أو بالقرب منه. وينتمي المؤلفون إلى دول عديدة هي: أفغانستان، وإثيوبيا، وإريتيريا، وإيران، والعراق، وباكستان، والسودان، وسوريا.
ويشمل الكتاب أبطال العمل القاطنين السابقين لمخيم كاليه، وهم: رياض أحمد، وعلي هاجوي، وباباك إينالو، وماني، وميلكيسا، وإفريقيا، وإريتريا، وشاهين أحمد والي، وشكيب، وتيدي، وهاريس حيدر، وتعاون الكتّاب مع فريق من المحررين من جامعة «إيست لندن» هم: ماري غودين، وكاترين مولر هانسن، وأورا لوناسما، وكورين سكوير، وطاهر زمان. والكتاب صادر حديثاً عن دار «بلوتو برس» البريطانية في 266 صفحة من القطع المتوسط باللغة الإنجليزية.
 
ظروف بائسة
 
يأتي الكتاب بعد المقدمة في خمسة أقسام هي: الوطن، والرحلات، والحياة في الغابة: الوصول والاستكشاف والاستقرار، والحياة في الغابة ومغادرتها: والارتباط، والشوق ومحاولة المغادرة، والحياة بعد الغابة. وينتهي الكتاب بخاتمة.
ومما يذكره المؤلفون في مقدمة الكتاب: «هدف هذا الكتاب هو استحضار القصص الشخصية للأشخاص الذين عاشوا كلاجئين خلال 2015 - 2016 في مخيم كاليه على الساحل الفرنسي الشمالي، فقط على بعد 26 ميلاً من المملكة المتحدة. كانت هناك مخيمات لاجئين في وحول كاليه من قبل، ولا تزال هناك مخيمات صغيرة موجودة في المنطقة. على العموم في ربيع 2015، وعلى موقع مكب للنفايات في ضواحي مدينة كاليه، بدأ مخيم غير رسمي للاجئين بالنمو. هذا المخيم أطلق عليه اسم «الغابة» أولاً في الإعلام الفرنسي، وثم من قبل قاطنيه، ولاحقاً من قبل الإعلام العالمي أيضاً، حيث تميز بالسكن السيئ، والطعام القليل، والخدمات الصحية والمائية غير الكافية، وضعف التمديدات الصحية. لم يكن هناك من شرطة داخل المخيم، وغالباً ما تحدث شجارات، وينشط فيه المهربون، كما يمكن أن يحدث انفجار بنيران الطبخ أو الشموع أو الغاز، حيث تدمر منازل المتواجدين وملاجئهم. المقيمون فيه تبنوا اسم «الغابة»؛ لأن العديد منهم قال إنه: «لا يمكن للبشر أن يعيشوا في مثل هذه الظروف».
ويضيفون: «مع توافد اللاجئين إلى أوروبا بأعداد كبيرة بعد صيف 2015، توسعت «الغابة» في الحجم، متحدّية، حتى هدمته الحكومة الفرنسية التي قللت من مساحته بمقدار الثلثين في مارس 2016. كان المخيم منزلاً لعشرة آلاف مقيم في الوقت الذي أغلقته الحكومة الفرنسية في أكتوبر 2016، وقاطنوه توزعوا في أنحاء فرنسا. اتسمت «الغابة» بسمعة سيئة في كل أنحاء العالم بسبب ظروفها البائسة. لقد شكل المخيم إحراجاً سياسياً ليس فقط للسلطات الفرنسية؛ بل أيضاً للبريطانية، حيث يرغب أغلب القاطنين فيه بالتوجه إلى المملكة المتحدة التي تفرض أسيجة وتوزع الشرطة والطواقم العسكرية في القطارات والشاحنات والقوارب».
 
مصاعب على طريق اللجوء
 
ومن القصص التي نستعرضها، نترجم مقتطفاً من قصة لشاب سوري يتحدث عن المصاعب التي واجهها، والأسباب التي دفعته للتوجه إلى كاليه، يقول: «بدأت التفكير بشكل جدي في الذهاب إلى المملكة المتحدة وسرعان ما وصلت إلى ألمانيا. كنتُ في غاية الحماسة للسفر إلى إنجلترا. لكن بالصدفة اخترت التوقيت الأبرد والأصعب للذهاب. الخطة كانت أنني سأحاول لمدة 15 إلى 20 يوماً. إذا ما نجحت، سأكون في لندن. وإذا لم أنجح، سأعود أدراجي، إضافة إلى ذلك، فسأكون قد حسّنت مهاراتي وتجربتي في الحياة. بالتالي كان لديّ هدف واضح. بعد يوم من المحاولة للتسلل إلى قطار «يوروستار» في باريس، التي بدت مستحيلة بالنسبة لي، خاصة على صعيد المشي في الشوارع والمحطات، إلا أنني وصلت مخيم كاليه أخيراً. على الرغم من أنه كانت لديّ خريطة، لكن لم أعرف الطريق، وكنت خائفاً من الشرطة. من الخامسة مساء إلى السابعة مساء، كنت أبحث عن المخيم، مررت بالعديد من المناطق. أخيراً اتبعت بعض الشبان الذين بدوا أنهم من المخيم (كانوا أفغاناً) ووصلت هناك. فيما بعد، أخبرني الأصدقاء أن الطريق الذي سلكته هو أخطر طريق، لأنه يقع تحت سيطرة المهربين الذين يحاولون ضرب أي شخص يأخذ هذا الطريق دون إذنهم، وذلك بهدف الحفاظ على الطريق إلى العبّارات لأنفسهم».
ويضيف: «على العموم عندما وصلت إلى المخيم، شعرت بالدهشة، حينما لم أجد منازل ولا كهرباء. كانت هناك ملاجئ فقط، وبعض الخيم، وأناس غرباء (كانوا غريبي الأطوار ووجوههم مخيفة). وصلت بعد يومين من السفر مع معدة فارغة، وقدم مكسورة. لم أكن أعرف أحداً، وليست لديّ اتصالات مع أحد، فقط كنت أشاهد مكاناً يعود إلى العصور الأوروبية الوسطى».
وأيضاً من ضمن القصص التي نقرأها في هذا العمل قصة لاجئ عراقي يتحدث عن حياته، وهو في كاليه، والوضع المزري الذي كان فيه، فيقول: «أقيم في خيمة مع أشخاص أصبحوا أصدقائي. في الليل، نذهب إلى خيمتنا، ونتحدث عن المستقبل، وعن خططنا وأحلامنا. نتحدث عن الماضي وعن الحياة والحرب في العراق. تريد أن تسأل: ماذا رأيت؟ ماذا فعلت؟ بماذا تفكر الآن؟ وكيف ترى المستقبل؟. إنها أمور صعبة وقاسية». كما يشير أحد اللاجئين من إيران إلى أن رحلته في كاليه غيّرت لديه كثيراً من التصورات عن الأفارقة بشكل عام، فقد كان يراهم خطرين، إلا أنه بعد مرور فترة من الزمن أدرك أن أكثر أصدقائه المخلصين والأوفياء هم من دول إفريقية عديدة، وخاصة من السودان. إذا وجد نفسه محاطاً بمجموعة منهم. باتوا عائلته الفعلية.
 
في ظل المأساة
 
ومن بين القصص المؤثرة أيضاً، قصة الشاب الإيراني باباك، الذي يقول كلمة في ختام هذا العمل: «علينا أن نتذكر أننا نستطيع الاستفادة من كل اللحظات في حياتنا. نستطيع أن نبني حياتنا بالطريقة التي نريدها. علينا أن نكسر الحدود داخلنا. عندما أفكر برحلتي، وكيف كان عليّ أن أغادر كل شيء في بلادي، كان الأمر قاسياً، وينتابني الحزن. لكن عندما أعود إلى طفولتي، أتذكر أنني حلمت بالسفر حول العالم. انظر أين أنا الآن! صحيح أنني جئت إلى هنا بكثير من الصعوبات، لكنني سافرت إلى عالم جديد. عشت مع ثقافات مختلفة، ورأيت أناساً جدداً. تعلمت الكثير من الأشياء الجيدة. أنا أسير على الطريق لتحقيق أحلامي. كل أحلامنا تتحقق بالطريقة نفسها. أولاً نبنيها في رؤوسنا. ثم نبني الجدران التي تكون على الطريق إلى الأحلام. لكن إذا لم نفكر بهذه العوائق، نصل إلى أحلامنا بسهولة. في الحقيقة ليس هناك شيء صعب المنال، فقط نحتاج إلى الرغبة فيه، والعمل للوصول إليه، وأن نتحدى المخاوف التي من شأنها أن توقفنا عن الوصول إليه، وأن نهزمها. ربما يأخذ الأمر قليلاً من الوقت، لكنه سيحدث. كل ما هو مطلوب العمل لجعله يحدث!».
وأحد الأبطال في هذا العمل صومالي يدعى إفريقيا، الذي أحبّ إنهاء العمل بمقولة لتشارلي شابلن من فيلمه الكوميدي «الديكتاتور العظيم»: «أنا آسف لا أريد أن أكون إمبراطوراً. فذلك ليس عملي. لا أريد أن أحكم أو أهزم أي أحد. أود أن أساعد الجميع». ويضيف (والكلام لشابلن): «جميعنا يريد أن يساعد الآخرين. فالبشر هكذا. نريد أن نعيش في ظل سعادة بعضنا بعضاً، وليس في ظل مأساتنا. لا نريد أن نكره، وأن نقلل من شأن بعضنا بعضاً. في هذا العالم، هناك مساحة للجميع. والأرض الجيدة غنية، ويمكن أن تدعم الجميع. طريقة الحياة يمكن أن تكون حرة وجميلة، لكننا فقدنا الطريق». ويتحدث شاب آخر يدعى علي من إيران عن تجربته في مخيم كاليه: «أثناء الليل في الغابة، كانت الشجارات تحدث بين الشرطة والناس. ما وراء الجسر، كانت القواعد تتغير، وتكون السلطة في أيادي الأقوياء. يكون الأمر أشبه بفيلم «هوليوود» بعض الأحيان، حيث يتحكم الأشرار في أجزاء كبيرة من المدينة، والشرطة تحاول أن تتعامل معهم. ربما يكون البطل في هذا الفيلم هو رجل الشرطة الصالح الذي يأتي ويُزيل كل القاذورات والرذائل من المدينة. لكن مخيم كاليه ليس فيلم هوليوود أو حكاية بطل. هذا المخيم هو «غابة» في داخلها آلاف من الناس ينحدرون من مئة جنسية مختلفة، بآراء واعتقادات مختلفة. لا يمكن لفيلم أو صورة أو كتاب أن يظهر مدى المأساة. تحتاج إلى رؤيته والعيش فيه لمعرفته». ويمضي في كلامه: «يكون كل لاجئ بطلاً بحد ذاته، لأجل الكفاح، ومحاولة النجاة بنفسه والمضيّ نحو تحقيق أحلامه. سكان هذه «المدينة» يقعون في الحب، ويتعلمون، ويعيشون، ويحاولون تقديم المساعدة. ربما بعضهم يغش، ويسرق، ويخرق القانون، ويلحق الضرر بالمدينة، لكن هذه الأشياء السيئة لم تأتِ من طبيعتهم. هؤلاء الناس هم ضحايا العالم الثالث، والعالم الثالث موجود لأن هناك العالم الأول!».
========================
أزمة اللاجئين والدِّين.. بحث في العلمانية والأمن والضيافة
عرض/ محمد ثابت
لا يذكر التاريخ الحديث فترة كانت فيها ظاهرتا الدِّين واللاجئين تمثلان موضوعا مثيرا للجدل الدائم في السياسات العامة والأُطروحات الحوارية عبر العالم كما هو الآن. فالحرب العالمية على الإرهاب أسهمت في الربط بين المسلمين والإرهابيين في الوعي العام العالمي، ثم ما لبثت أن خطت خطوة قصيرة فقط لتربط معهما اللاجئين في الأذهان الجمعية بالسياقات الأوروبية الأميركية.
يجمع كتاب "أزمة اللاجئين والدِّين.. بحث في العلمانية والأمن والضيافة" بين دفتيه خبرات واسعة من الأكاديميين والناشطين، فضلا عن كثير من أصوات المهاجرين، عبر أربعة أجزاء و16 فصلا و21 مشاركا، من أجل التحقيق في الربط بين هذه القضايا.
 
- العنوان: أزمة اللاجئين والدين.. بحث في العلمانية والأمن والضيافة
- المؤلف: مجموعة باحثين، وحرره: د. لوكا مافيللي ود. إيرين ويلسون
- الناشر: رومان وليتلفيلد الدولية 
- الطبعة: يناير 2017
الصفحات: 316
ويوضح مؤلفا الكتاب ضرورة إعادة النظر غربياً في الفهم والنهج المتبع لأزمة اللاجئين، والذي يمكن أن يولّد استجابات خلاقة لتلك المعضلة العالمية المتزايدة.
سياسات ضيقة واستبعادية
في الفصلين الأول والثاني يقرر الكتاب أنه في سياق الهجرة الجماعية للنازحين بسبب الحرب المستعصية في سوريا، كان صعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) -مع وجود نقاط ساخنة تنتج اللاجئين مثل إريتريا وأفغانستان- مؤديا لتزايد التشابك بين قضايا مثل الدين والصراع والعنف واللاجئين في الإعلام.
كما تشابكت في سرد الخطابات والسياسات العامة عبر مقاربات عديدة أسهمت في إنتاج سياسات ضيقة الاستجابة واستبعادية، واتجاه متزايد نحو ترسيخ الهجرة القسرية بدلا من معالجة أزمة اللاجئين العالمية باعتبارها مسألة إنسانية في المقام الأول.
ويناقش الكتاب مسألة غلق الحدود من وجهة نظر غير تعميمية، فعندما تقيد الحكومات حركة المواطنين داخل حدودها فإن ذلك يُعتبر علامة على الحكم الشمولي، لكن عندما تقيد تدفق الناس عبر حدودها يعدّ ممارسة طبيعية للسيادة.
هذا في حين كان استخدامُ العنف القاتل لمنع الألمان الشرقيين من الهرب عبر جدار برلين من نظام قمعي علامةً على الفشل القمعي للحكم الشيوعي في أوروبا الشرقية، ودائما ما كان يشار إليه في الدعاية الغربية كأمر مُدان ومستهجن.
واعتبرت المحكمة الدولية الجدار العازل الإسرائيلي المشيد في فلسطين المحتلة غير قانوني، وأصدرت حكمها بتفكيكه، وأعلنت أحقية الفلسطينيين في التعويض عن الأضرار التي لحقت بهم؛ لكن غلق الأبواب في وجه الفارين من الجحيم السوري يراه كثيرون حقا مباحا.
وعندما وعد دونالد ترمب الأميركيين بأن يبني جدارا عاليا مكهرباً على الحدود مع المكسيك، شكك الكثيرون في عقله ولكن لم يشكك أحد في ضرورة الحفاظ على الحدود، رغم أن بناء الجدار سيؤدي بلا شك لتوتر العلاقات الدبلوماسية، وسيؤثر سلبا على التجارة والسياحة.
ثم يستخلص الجزء الأول في فصوله الثلاثة مسألة الهوية الاجتماعية، التي تمثل سيفا ذا حدين في السياسات الأوروبية المعاصرة عند استجابتها لأزمة اللاجئين. فمن ناحية يتعين على هذه السياسات أن تتقاسم القواعد والقيم اللازمة لتحديد هوية اجتماعية معينة، ومن ناحية أخرى يجب التعامل مع ما يصاحب ذلك التحديد الجماعي غالبا من تهميش واستبعاد.
الهوية والتقسيم الديني العلماني
هذان الجانبان من الهوية الاجتماعية يكمنان في الاستجابات التي قد تبدو متناقضة في مجالات السياسات المتعلقة بالهجرة والاندماج في أزمة اللاجئين الحالية، عبر التقسيم الديني/العلماني في أوروبا. وتهدف تلك السياسات إلى الحفاظ على مسافة بين طالبي اللجوء والمواطنين الأوروبيين.
ولكن سياسة الإدماج تطورت بشكل متزايد إلى محاولات لاستيعاب المهاجرين ثقافيا، وأظهرت الوقائع ضيق الفهم لمسألة الهوية، فكان النظر في معظم الأحوال إلى اللاجئين المسلمين على أنهم مجموعة غريبة خارجة عن المجتمع.
ويتبنى الكتاب تطبيق نظرية الهوية الاجتماعية التي تهدف إلى محاولة تخطي التقسيم الصارم لما هو ديني وما هو علماني، ويشكك في أن ما يعوق تدفق مجموعات كبيرة من اللاجئين ليس هو العلمانية أو الدينية، بل مجرد تفسيرات خاطئة للهوية تقود إلى ردود استبعادية.
"يتبنى الكتاب تطبيق نظرية الهوية الاجتماعية التي تهدف إلى محاولة تخطي التقسيم الصارم لما هو ديني وما هو علماني، ويشكك في أن ما يعوق تدفق مجموعات كبيرة من اللاجئين ليس هو العلمانية أو الدينية، بل مجرد تفسيرات خاطئة للهوية تقود إلى ردود استبعادية"
 فبدلا من المصطلحات الدينية العلمانية هناك مصطلحات أخرى تقوم على الجنس والعرق والتعليم. أدت إلى مأزق سياسي وسّع الهوة بين الهوية الأوروبية وهوية اللاجئين والمهاجرين المسلمين. ويقترح الكتاب إعادة بناء الهويتين الأوروبية والمهاجرة باعتبارهما متعددتيْ الأوجه وليستا مجرد علمانية أو دينية.
الجزء الثاني من الكتاب يبحث في بناء وتفكيك اللجوء المسلم، ويتناول الدور الذي لعبه الدين في الاستجابة لأزمة اللاجئين السوريين.
في سبتمبر/أيلول 2015 كانت صورة الفتى "ألان الكردي" -وقد لفظ البحر جسده الصغير إلى الشاطئ التركي- محفزا على التحرك خاصة في كندا، البلد الذي حلم الطفل الغارق -مع أمه وأخيه- في أن يلجؤوا إليه.
أصبحت مسألة قبول اللاجئين سببا رئيسيا في سقوط حكومة كندية ونجاح أخرى بعد أسابيع فقط من غرق ألان. لكن في يناير/كانون الثاني 2016 اتجهت الحكومة لتفضيل قوائم اللاجئين من المسيحيين بدلا من المسلمين، المقدمة من المنظمات الخاصة التي ترعى اللاجئين.
ويلفت الكتاب النظر إلى دور الدين في هيمنة الجماعات الدينية على قوائم الرعاية الرسمية، والحياة اليومية للاجئين، ومحاولة إعادة تشكيل هوية هؤلاء دينيا، وغرس صورة تربط بين اللاجئين والدين في الوعي العام.
الدين والضيافة
تقاليد الضيافة الدينية بين الممارسة والتطبيق، يطرحها الجزء الثالث الذي يبدأ بكلمة للبابا فرانسيس رأس الكنيسة الكاثوليكية، ويعرض فيها بكلمات متألمة واقع موت النازحين في البحر، وتحوّل مركبات الأمل إلى آلات للموت، ويدعو إلى اتخاذ قرارات اجتماعية واقتصادية تفتح الأبواب أمام اللاجئين.
يستعرض الكتاب تراثيات النزوح واللجوء وهجرة الحجيج عبر التاريخ، وتطور النظرة للوافدين في المجتمعات الأوروبية منذ انحسار الإمبراطورية الرومانية وصولا إلى عصر الهجرة الحالي، والأصوات المخيفة المتصاعدة التي تتنبأ بانهيار الغرب في أيامنا هذه.
الدروس المستقاة من التاريخ توضح أن الهجرة واللجوء والحج هي مواقف افتراضية للبشر، وأن الممتلكات على الأرض مشتركة ومؤقتة ومحدودة أيضا، وليس هناك عذر في عدم التسامح، وأن المجتمعات المفتوحة المزدهرة ليست حقا حصريا للسكان المقيمين فيها.
وفي فصل يناقش الضيافة كنوع من الاستجابة الروحية والسياسية، يستعرض الكتاب تجربة الهجرة في الخطاب الديني سواء المسلم أو المسيحي أو اليهودي، ويحاول إعادة تفسير تلك الهجرة في ضوء المفاهيم الإنسانية وتقاسم المساواة والحرية بين الشعوب.
قد يبدو اللاجئون والمهاجرون أثناء تحركهم وتنقلهم بلا حقوق، بسبب انقطاع صلات الجنسية والمواطنة بالبلد الأم، وعدم نشوء صلات بالبلد الذي يرجون حمايته. لكن يبقى لهم حق الضيافة، ويصر الكتاب على أن الضيافة هي فضيلة خاصة وعامة بالمعنى الأخلاقي.
"يبدو اللاجئون والمهاجرون أثناء تحركهم وتنقلهم بلا حقوق، بسبب انقطاع صلات الجنسية والمواطنة بالبلد الأم، وعدم نشوء صلات بالبلد الذي يرجون حمايته. لكن يبقى لهم حق الضيافة، ويصر الكتاب على أن الضيافة هي فضيلة خاصة وعامة بالمعنى الأخلاقي"
وهو موقف يقود إلى فتح الأبواب وخلق مساحة في الأسرة التي يكوّنها الوطن؛ لدخول شخص آخر طالب للجوء إلى ذلك الفضاء العام. وأن واجب الدولة هو الانشغال بتسجيل الوافدين وليس خلق العقبات التمييزية أمامهم.
أما الجزء الأخير من الكتاب فيناقش في فصلين جدلية العلاقة بين الإيمان والنوع واللجوء، ويصف حال طالبي اللجوء الذين ينتمون إلى مجموعات أو أقليات ضعيفة من المسلمين ويحرمون من الحماية الدولية، بسبب مجموعة من الجهات الفاعلة في الشمال العالمي، تحاول فرض مفاهيمها وإسلاموفوبيتهالتعيد استنساخ ما تعرض له هؤلاء النازحين من اضطهاد.
يلفت الكتاب النظر لأحد الآثار الجانبية للبيروقراطية الغربية في التعامل مع اللاجئين، فالتمييز بين اللاجئ السيئ واللاجئ الجيد يكون على أساس من لديه القدرة على الانتظار بصبر في معسكرات اللجوء التي تنشئها الأمم المتحدة، والموجودة في أماكن أخرى بعيدا عن الشمال الأوروبي، حتى يصل دورهم في قائمة الانتظار لتأمين مكان إعادة التوطين بصورة شرعية في الشمال.
أما الآخرون الذين يحاولون النجاة والبحث عن عمل لكسب الرزق ولا يستطيعون البقاء في مخيمات اللاجئين، فإنهم يصنفون باعتبارهم لاجئين سيئين يتخطون الصفوف وغير ملتزمين. رغم أن هؤلاء هم أصحاب الحق الحقيقي في اللجوء والحماية الدولية، فهم ممن خرجوا من بلادهم هربا من الموت، ولا يملكون ما يستطيعون العيش به في المخيمات الرسمية.
لكن الرسميين -أمثال ديفد كاميرون عندما كان رئيسا لوزراء بريطانيا- رفضوا تقديم الحماية الدولية للاجئين الموجودين بالفعل داخل أوروبا، بما في ذلك الأطفال غير المصحوبين بذويهم في مخيمات كاليه في فرنسا.
وتم بشكل متكرر التمييز المعنوي بين اللاجئين في أوروبا باعتبارهم غير جديرين بالحماية، بينما يقام بإعادة توطين هؤلاء الموجودين في مخيمات داخل الشرق الأوسط، ويُضفى عليهم وصف اللاجئين الجيدين.
ويضيف الكتاب أن التمييز كثيرا ما كان يتجاوز الهويات العرقية والإثنية والإقليمية؛ ليمنح الأسبقية بناءً على الهويات الدينية للاجئين الحقيقيين، وكثيرا ما كان يتم النظر للاجئين المسلمين الشرق أوسطيين بوصفهم تهديدا للأمن الوطني والدولي والشخصي الغربي، رغم قبول مهاجرين شرق أوسطيين آخرين من ديانات أخرى.
 
========================
نظرة جديدة لدور المحافل الماسونية لحظة غروب الدولة العثمانية
ذلندن: ندى حطيط
كلما ذكرت الماسونية، لا سيما في الشرق العربي، استدعت معها أجواء المؤامرة والغموض، واتهامات العمالة والارتباط باليهودية العالمية، بل وحتى اعتبار ماسونيي الشرق بمثابة طليعة استخباراتية وحصان طروادة غربي متقدم زرعته القوى الاستعمارية المتطلعة، طمعاً، إلى تركة الدولة العثمانية التي كانت في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين تلفظ أنفاسها الأخيرة وكأنها «رجل أوروبا المريض».
لكن الحقيقة أن هنالك غيابا غير مفهوم تماما للبحث العلمي الدقيق عن أدوار محتملة لعبتها المحافل الماسونية المحلية في فلسطين ولبنان وسوريا أثناء تلك اللحظة الدقيقة من التاريخ، وهي المنطقة التي كانت، ولعدة مئات من السنين، منطقة عثمانية تتبع الباب العالي - دون الحدود الحالية التي فرضتها القوى الاستعمارية مطلع القرن العشرين - ومسرحاً لتحولات عالمية في الهيمنة والسياسة والحروب كان لها ما بعدها من أصداء عبر العالم. بالطبع فإنه يمكن تعليل ذلك جزئياً بالطبيعة السرية التي هي سمة العمل الماسوني عموماً، وغياب بالمجمل لدراسات تاريخية عن المنطقة في تلك المرحلة تقترب من تتبع حيوات الناس العاديين بدلاً من التركيز المعتاد على أرباب الحكم والسياسة وقادة الجيوش. لكن ذلك يعني بالضرورة فهماً ناقصاً - إن لم يكن مغلوطاً ربما - لماهية التحولات الاقتصادية والثقافية والسياسية التي عاشتها تلك المنطقة، والتي هي لا شك مستمرة - بشكل أو بآخر - في التأثير على مصائر شعوبها حتى وقتنا الراهن.
من هذه الزاوية، يأتي كتاب الباحثة دوروثي سومير «الماسونية في الإمبراطورية العثمانية: تاريخ للأخوية وتأثيرها في بلاد الشام» - الصادرة طبعته الورقية حديثاً بالإنجليزية عن «دار توريس وشركاه» بلندن - ليلقي بإضاءة نادرة على تأثير المحافل الماسونية في سياق الحراك الاجتماعي والاقتصادي شرق المتوسط، لتنتهي بنا إلى فتح آفاق لنظرة واقعية ونقاش موضوعي عن دور هذه الأخوية في تشكيل استجابة المنطقة لتحولات الأزمنة، عوض التسليم لفخ التعميم والتصنيفات المسبقة والشعارات، ومن دون الخوض في جذور الماسونية ذاتها كحركة، وهو مجال اختلفت حوله الآراء وتباعدت. فترة الخمسين سنة الأخيرة من عمر الدولة العثمانية كانت أشبه ما تكون بحالة احتضار طويل لإمبراطورية عاشت مجداً وعنفواناً لعدة قرون، لكن مصيرها بدا محتوماً في مواجهة الصعود الأوروبي، وتصاعد النزعات القومية والآيديولوجيات بين رعايا الباب العالي، والصعوبات الاقتصادية
الفائقة، وهو ما انعكس على رعايا السلطان في المشرق على هيئة ضغوط اجتماعية وهزات ثقافية وأزمات هويات مات قديمها – أو كاد – ولم يتشكل جديدها بعد. وفوق أوهان الإمبراطورية، عانت منطقة شرق المتوسط ذاتها من حروبها الدينية الأهلية وصراعات دموية حادة بين طوائفها وإثنياتها خلال مراحل مختلفة، وسيولة غير مسبوقة في أنظمة التعليم وفرص العمل وبيروقراطية الدولة على نحو أنتج غياباً - وتطلعاً - لهوية موحدة تجمعُ برجوازيي المنطقة ونخبتها، تتجاوز العثمنة التركية، والطوائف والأعراق.
تقول سومير إن نظام الماسونية وافق هذه التطلعات، فبدت الأخوية بالنسبة لنخب مشرقية عاشت تلك المرحلة بمثابة خلاص روحي، وتقوية للفرد في مواجهة تغييرات عامة شديدة القسوة وغير مفهومة الأبعاد، وقدمت لها هيكلية فعالة لتجاوز خطوط الانقسام الطائفي والعرقي اجتماعيا، لا بل وشرعت لها أيضاً آفاقاً للتواصل مع الماسون الأجانب سواء في الشام ذاتها أو حتى عند سفرهم إلى أوروبا.
وتَلحظ سومير أن ماسونيي بلاد الشام تجنبوا إدخال السياسة إلى محافلهم، على عكس محافل مصر والمناطق المتاخمة للباب العالي، وهي تقول إن ماسونياً سورياً مثل جورجي زيدان مثلاً أصيب بخيبة من تفشي العمل السياسي في شرايين الماسونية المصرية، وهو ما انتهى به إلى اعتزال الأخوية، بينما أعرب ماسونيون مصريون عن خيبة أملهم نتيجة الغياب التام للسياسة من محافل الشام، ولعل أشهرهم جمال الدين الأفغاني الذي كان يعد العمل الماسوني أداة مهمة للتغيير ومواجهة تحولات السياسة والمجتمع.
تقدم سومير وصفاً شديد الحيوية لنخبة مدينة بيروت التي التحقت بالماسونية مطلع القرن العشرين، فبدت كأنها طلائع برجوازية مدينية نشطة، معنية بشكل خاص بالثقافة والتعليم والأعمال الخيرية، لكن محفلهم لم يغدُ بمثابة ناد ثقافي منعزل، بل شرع مبكرا باستقطاب أعداد متزايدة من النشطاء المعنيين عموماً بتقدم المجتمع والشأن العام، وفُتحت عدة محافل جديدة لاستيعاب تلك الأعداد المتزايدة. وتضيف سومير أن عدد الماسون تجاوز في عام 1908 ألفاً وخمسمائة من الأعضاء الفاعلين، ليكونوا بالتالي أكبر مجموعة منظمة في المشرق غير المجموعات الدينية.
بعد بيروت، انتشرت المحافل أيضاً في جبل لبنان وطرابلس شمالا، مع غلبة ملحوظة لنخبة المثقفين عليها. وكان التحاق أبناء عائلات الإقطاعيين والأثرياء بها: سرسق وطراد ويانس وغيرها من عوائل لبنان النافذة، هو ما أضفى أكبر جاذبية للأخوية في المناطق اللبنانية تحديداً.
وبينما كانت بيروت بفضائها المتحرر نسبياً وكثرة زوارها الأجانب وتأثرها البالغ بالثقافات الأوروبية بيئة طبيعية لانتعاش الماسونية، كانت طرابلس في المقابل مدينة محافظة عموماً وأقل ارتباطا بالتوجهات المنتقدة للحكم التركي، لأن أغلب سكان المدينة مسلمين سنّة، ومع ذلك، فإن الماسونية نجحت باستقطاب نخبة من كبار تجار وأثرياء المدينة لعضويتها؛ إذ رآها معظمهم أفضل وسيلة لكسر خطوط الفصل الديني، وبناء جسور تعاون إيجابي مع النخب المتنورة والثرية من الطوائف الأخرى.
لكن ذلك يجب ألا يدفع بنا للاعتقاد بأن معظم الملتحقين بالماسونية في تلك المرحلة كانوا نفعيين عمليين؛ إذ تُشدد سومير على القول إنها وجدت غالبية الملتحقين بالماسونية المشرقية وقت تأسيسها من المُتصدين للعمل العام في مجتمعاتهم المحلية وأعضاء فاعلين في جمعيات ثقافية أو هيئات خيرية أو ما شابه. كما أنها، وإن ضمت في عضويتها كثيرا من الأثرياء وكبار التجار، أيضاً استقطبت قادة رأي ومفكرين وأكاديميين وصحافيين ومهنيين من قطاعات مختلفة، ففي مجال الصحافة مثلاً كان معظم روادها في المنطقة ماسونيين: سليم البستاني وجبران تويني ويعقوب الصراف وإبراهيم اليازجي وبشارة الخوري وبشارة تقلا ومحمد كرد علي وفارس نمر. ومع كل ما يقال عن اختراق أجهزة الاستخبارات والحكومات الغربية لمحافل الماسونية في المشرق – ولا بد من أن بعض الأعضاء على الأقل كانوا ولو بصفتهم الشخصية على اتصال بحكومات أجنبية - فقد قدمت الماسونية لهذه الكوادر النخبوية إطاراً سمح لها ببناء جسور تفاهم عبر المدن والطوائف والخلفيات، ومثل قناة لتبادل الأفكار والنقاشات بين نخب مجتمعية مؤثرة بشأن الهوية القومية لسكان الإقليم - في ظل تبخر الجنسية العثمانية الجامعة - وشكل المستقبل، ونواة لاستكشاف الطبقة البرجوازية المحلية لذاتها بعد انفصالها المحتوم عن عاصمة الإمبراطورية، وهي أدوار جد خطيرة في مرحلة دقيقة كان يستعصي توفرها من خلال أي قنوات أخرى، لا سيما بعد موجة الحروب الأهلية التي عصفت بالشام خلال القرن التاسع عشر وما تمخضت عنه من مذابح وفظائع وتهجير، في مقابل إصرار منهج الماسونية على تجنب اتخاذ مواقف سياسية صريحة.
وتذكر سومير أن محافل المشرق عكست تنوعات على مستوى فهمها وممارستها للماسونية، نتجت أساساً عن تنوع البيئات المحلية الثقافية للمحافل، وهو ما تقول إنه تسبب باندلاع خلافات وصراعات أحياناً بين المحافل المختلفة على نحو استدعى في مرحلة ما تدخل المحافل الاسكوتلندية الأم للفصل بين المتنازعين.
لم تستهدف دراسة سومير الدفاع الصريح عن الماسونية بصفتها حركة، لكنها عرضت استجابة نخب المشرق للتحولات العاصفة في لحظة غياب الإمبراطورية، واستفادتها الفعالة من قناة الحركة الماسونية للتواصل في ظل غياب بدائل حقيقية قادرة على تجاوز إرث الصراعات العنصرية المحلية. ومع ذلك، فإن الدراسة - على أهميتها الفائقة - تعاني من تركز اهتمامها على المحافل اللبنانية أساساً، مع شبه انعدام المعلومات المتوفرة عن محافل فلسطين، التي لا شك تمثل بدورها تجربة فريدة لتحولات نخبة مجتمع جنوب الشام في أجواء بدايات المشروع الصهيوني وحكم الانتداب البريطاني، وكانت لتثير فضول المهتمين بتاريخ المنطقة.
========================