الرئيسة \  واحة اللقاء  \  على هامش اجتماعات جنيف..نقاش مرحلة ما بعد الأسد 

على هامش اجتماعات جنيف..نقاش مرحلة ما بعد الأسد 

30.08.2020
عقيل حسين



المدن 
السبت 29/8/2020 
جولة الثالثة من أعمال اللجنة الدستورية السورية التي استضافتها جنيف أخيراً، سوى صندوق بريد للرسائل التي وجهتها الدول المؤثرة في الصراع للسوريين، وكان واضحاً حتى قبل انعقاد الجلسة الأولى، الاثنين الماضي، أن هناك تطورات موازية ولن تكون عادية. 
ظهر ذلك بداية من توجه المبعوث الأميركي الخاص لسوريا جيمس جيفري إلى العاصمة السويسرية، قبل يومين من وصول وفود اللجنة الثلاثة إلى هناك. وهناك كان حاضراً كذلك مندوبو الحكومات الروسية والتركية والإيرانية، الذين عقدوا مباحثاتهم الخاصة كرعاة لمسار أستانة، بينما لم يتم الكشف عما إذا حدثت لقاءات ثنائية مع المبعوث الأميركي. 
ومع ذلك لم يكن هذا الأمر هو الأكثر أهمية، على الأقل مقارنة بالتصريحات التي صدرت عن المبعوثين الروسي والأميركي إلى سوريا، سواء في المؤتمرات الصحافية أو تلك التي لم يعلن عنها وأدلوا بها خلال لقاءاتهم مع وفد المعارضة، وهو ما يفسر، على الأغلب حفاظ رئيس الوفد هادي البحرة على الإيجابية في التعليق على جلسات اللجنة الدستورية حتى وهي تنتهي إلى اللاشيء بسبب طريقة تعاطي وفد النظام مع هذه الاجتماعات كما كان متوقعاً بطبيعة الحال. 
وأبلغت مصادر مطلعة في المعارضة "المدن" أن الفريق الروسي الذي حضر اجتماعات اللجنة الدستورية، برئاسة مندوب الرئيس الخاص إلى سوريا الكسندر لافرنتييف، التقى بوفد المعارضة على هامش الجلسات التي تنتهي السبت، وحثّوهم على عدم منح وفد النظام أي فرصة لتخريب الجولة وإنجاز كامل جدول الأعمال المتفق عليه، بما في ذلك "هوية الدولة". 
وحسب المصدر، فقد رد الدبلوماسيون الروس على تذمر المعارضة من طرح النظام قضية "الهوية" بالطريقة التي تناسبه بالقول: "نحن نعرف نوايا وفد النظام وأنتم تعلمون أنه لم يكن ليحضر إلى هنا لولا ضغطنا الحاسم، ونأمل منكم أن لا تمنحوه أي ذريعة لتخريب الجولة التي يجب أن تنتهي على شيء.. ما الذي يجعلكم مترددين في طرح رؤيتكم حول هوية دولة لم تعد لها هوية؟". 
ليس فقط ما صدر عن الوفد الروسي هو ما أثار اهتمام المعارضة، حسب المصدر، بل والأجواء الايجابية التي رافقت اللقاء بشكل عام، التقطها وفد المعارضة كإشارات لها دلالات مهمة، خاصة وأنها أتت عقب اللقاء مع جيفري، الذي لم تكن تصريحاته خلال وبعد هذا اللقاء أقل أهمية ودلالة من تصريحات الروس. 
حديث جيفري عن "تطورات مثيرة" ستشهدها القضية السورية، وغيرها من التصريحات اللافتة على هذا الصعيد، في مؤتمره الصحافي الذي عقده في جنيف، بالتزامن مع انطلاق جلسات اللجنة الدستورية، لا تشكل الكثير، على أهميتها الاستثنائية، مقارنة بما أفضى به إلى وفد المعارضة الذي التقاه في جنيف. 
المصدر الذي أطلع "المدن" على بعض ما دار في هذه اللقاءات، أكد أن المبعوث الأميركي طالب ممثلي المعارضة في اللجنة بالمشاركة القوية بأعمالها، وأنه حرفياً قال لهم: "لا تفكروا ببشار الأسد، فهو راحل.. بل فكروا بما بعده وأنجزوا دستوراً متطوراً يصلح لدولة ديموقراطية حديثة في سوريا". 
تصريحات لم يتم الكشف عنها رسمياً، لكنها إذا ما وضعت في سياق التصريحات الأخيرة التي صدرت عن الدبلوماسيين الأميركيين والروس المعنيين بالملف السوري، فإنها تبدو منطقية وواقعية جداً، وأهم هذه التصريحات مطالبة مبعوث وزارة الخارجية الأميركية إلى سوريا جويل رايبورن الإئتلاف الوطني بالتركيز في المعركة على النظام، وتأكيده أن الولايات المتحدة لن تسمح بإعادة انتاج دولة الأسد أو التواصل معه. 
تصريحات جيفري ذاته في أنقرة الخميس لافتة أيضاً، عندما أكد أن بقاء الأسد  في السلطة حتى الآن كان بسبب الدعم الروسي"، متوقعاً أن تقوم موسكو بتسليم الأسد "لكن على طاولة المفاوضات". 
تصريحات المسؤولون الروس أيضاً على قدر كبير من الأهمية، خصوصاً إعلان مبعوث لافرنتييف، في جنيف أيضاً، استعداد بلاده للحوار مع الولايات المتحدة من أجل التوصل إلى توافق بشأن سوريا، ومناقشة مختلف الموضوعات واتخاذ القرارات والتوافق حولها، وهي لهجة غير مسبوقة من جانب روسيا، التي طالما تعاملت مع قضية مستقبل الحكم في سوريا بأنها غير قابلة للنقاش أو "التدخل الخارجي" باستثناء تدخلها طبعاً، الذي تراه الشرعي الوحيد بين كل التدخلات الأخرى. 
"تطورات مثيرة في القضية السورية" بالفعل كما وصفها جيفري، لكنها مع ذلك لا تعني أن نظام الأسد قد باتت "أيامه معدودة" كما ردد الكثيرون من المسؤولين العرب والغربيين في أعوام الثورة الثلاثة الأولى، بينما كان الروس يسخرون من كل هذه التصريحات ويعملون على تثبيت حكم هذا النظام أكثر، لكن اللافت اليوم أن موسكو نفسها تبدي استعداداً غير مسبوق لنقاش مصير هذا النظام وإن كان بشكل غير مباشر، فهل اتفقت موسكو وواشنطن على شيء بشأن سوريا أخيراً؟