الرئيسة \  واحة اللقاء  \  علاقة ملتبسة بين تركيا والغرب: التردد بدعمها في سورية نموذجاً

علاقة ملتبسة بين تركيا والغرب: التردد بدعمها في سورية نموذجاً

17.03.2020
شادي عاكوم


برلين
العربي الجديد
الاثنين 16/3/2020
بعد أيام على اجتماع بروكسل الذي جمع الاتحاد الأوروبي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لا يبدو أن إعلان دول الاتحاد بذل مزيد من الجهود في ما يتعلق بالعلاقة بين الطرفين سينجح، خصوصاً على صعيد إجراء تعديلات على اتفاقية اللاجئين الموقّعة عام 2016، والإبقاء على خطوط الاتصال مع تركيا مفتوحة ونشطة في ظل مطالبة أردوغان حلف شمال الأطلسي بمساعدة بلاده في الشمال الغربي من سورية. فالتطورات في إدلب دفعت الأوروبيين للحديث فجأة عن تصعيد يتطلب رد فعل، فيما استجاب الأمين العام للأطلسي ينس ستولتنبرغ بحذر لمطالب أردوغان، على الرغم من اعترافه بأن تركيا تتحمّل عبئاً ثقيلاً، خصوصاً أنها من أكثر الدول تأثراً بالوضع السوري. وكشف ستولتنبرغ عن أن "الأطلسي" سيتحقق مما يمكن القيام به غير مراقبة المجال الجوي عبر نظام الرادار المحمول جواً "أواكس"، من دون الحديث عن تدابير ملموسة، أي تطبيق المادة 5 من الاتفاقية مثلاً، والتي تنصّ على اعتبار أن أي هجوم تتعرّض له دولة في الحلف هو هجوم على جميع الدول الأعضاء.
وفي خضم ذلك، برزت مطالبات أوروبية للدفع نحو زيادة الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أجل تمهيد الطريق لإجراء محادثات سياسية بهدف إنهاء الحرب في سورية، مع عرض مقترحات بفرض عقوبات إضافية على روسيا أو على سبيل المثال ضد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، في سياق جرائم الحرب الروسية في إدلب التي أكدتها الأمم المتحدة. في المقابل، طرح البعض فكرة إنشاء منطقة آمنة في إدلب، بدعم من "الأطلسي" وبحماية من التحالف الدولي، مع توضيح طريقة تنفيذها. أما وزيرة الدفاع الألمانية أنغريت كرامب ـ كارينباور، فجددت في حديث مع وكالة الأنباء الألمانية "د ب أ" أخيراً، دعوتها لزيادة المشاركة الأوروبية في المنطقة، للإشارة إلى أنه من الواضح أن الاتفاق التركي الروسي الأخير لوقف إطلاق النار في إدلب لا يمكن أن يكون حلاً مستداماً. ولفتت كرامب ـ كارينباور إلى أن مسالة تحقيق الاستقرار في المنطقة أمر مساعد كي تصبح ملاذاً آمناً للأشخاص والمساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار والعودة الطوعية للاجئين في وقت لاحق، وهي مسألة مهمة بالنسبة لأوروبا وألمانيا.
ويحصل هذا في وقت لا تملك فيه بروكسل ترف تجاهل الوضع أمام التطورات المتسارعة، تحديداً في غياب أي محاولة لتطوير أي استراتيجية مشتركة بين الأوروبيين، على وقع فشل المجتمع الدولي بشكل تامّ في وضع حد للحرب المفتوحة والوقوف إلى جانب جرائم الحرب الطويلة التي سببها نظام بشار الأسد وروسيا.
في السياق أيضاً، برزت تحليلات مفادها أنه يتعيّن على الأوروبيين و"الأطلسي" مساعدة تركيا في إدلب، لأنه لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يشتكي من تقرير أردوغان وبوتين مصير الناس في سورية، في حين لا يتحمل الأوروبيون أي مسؤولية بأنفسهم. بالتالي فإن عليهم التعاون مع أردوغان لتخفيف معاناة السوريين هناك، بعدما باتت إدلب من أكبر المناطق التي أصابتها الكوارث الإنسانية في القرن الـ21، وهذا ما سينتج عنه الحدّ من اللجوء إلى تركيا، بلد العبور إلى أوروبا.
وظهرت هذه المواقف بعدما أدرك أردوغان أن الأوروبيين لا يملكون قوة المواجهة وأن السياسة الخارجية الأوروبية تدهورت، ولجوئه إلى استخدام ورقة التهديد بملف اللاجئين حتى يتبع الأوروبيين إرادته. وتسود قناعة لدى هؤلاء بأن الرئيس التركي يستغل اللاجئين لإجبارهم على مساندته في إدلب.
في هذا الإطار، رأى أوليفر رولوفز، الشريك الإداري لشركة استشارات استراتيجية في ميونخ، الخبير في شؤون جنوبي شرق أوروبا، أنه لم يعد بإمكان حلف شمال الأطلسي وأوروبا التظاهر بأن العنف في شمال سورية يمثل مشكلة في منطقة محيطة، وأن انتشار فيروس كورونا وتأثيره على النمو الاقتصادي يتطلب حالياً اهتماماً سياسياً كاملاً. وأضاف في حديثٍ لصحيفة "تاغس شبيغل"، أنه من المميت تجاهل حقيقة أن هناك في الوقت نفسه تحدياً إنسانياً هائلاً على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي. ولفت إلى أنه يمكن لهذه الأزمة الجيوسياسية هزّ الهيكل الأمني الأوروبي إلى حد غير مسبوق، والسبب في ذلك هو الضعف الكبير في السياسة الأمنية الأوروبية، مشيراً إلى أن القرارات التي سيتخذها حلف شمال الأطلسي في الفترة المقبلة ستختبر مصداقيته وتحدّد دور تركيا داخله. وإذا لم يساعد الأطلسي أنقرة والمدنيين في محنتهم داخل إدلب، فستسأل تركيا عن القيمة التي لا يزال الحلف يؤديها في ظل يأسها من تدفق المزيد من اللاجئين إلى أراضيها، بعد تشريد أكثر من 900 ألف مدني معظمهم من النساء والأطفال.
وشدّد رولوفز على أنه حان الوقت ليظهر التضامن الأوروبي مع تركيا وإيجاد أسس فعلية لعملية السلام السورية على المدى المتوسط، بدءاً من إنشاء منطقة حظر طيران فوق إدلب لإنقاذ الأرواح، في سياق وضع أساس لتدخل إنساني مشترك ومحتمل من قبل الاتحاد الأوروبي والأطلسي ومنها إلى منطقة حماية دولية للشمال السوري.
مع العلم أن سفير ألمانيا لدى حلف الأطلسي هانز ديتر لوكاس، تحدث خلال فعالية في بون عن مواجهة "الأطلسي" في هذه الفترة أكبر تحد منذ نهاية الحرب الباردة، فيما قال رئيس الأكاديمية الألمانية للسياسة الأمنية إيكارد بروس، إن الاتحاد الأوروبي ضعيف كتحالف دفاعي، لأن إمكانيات أنظمة السلاح محدودة وغير فعّالة، ولا يمكنها حلّ المشكلات العسكرية في جنوب أوروبا. ومن هنا عليه أن يحارب، وعلى سبيل المثال، أسباب الهروب من خلال الكثير من سياسات المال والتنمية.
ويعتبر محللون أنه يجب تقاسم الأعباء مع تركيا من خلال بذل الجهود لتقديم دعم مالي أكبر، وهذه المساهمة من مصلحة الاتحاد الأوروبي، وقد تُسرّع دمج السوريين في تركيا. كما يعتقدون أنه يجب على "الأطلسي"، كتحالف أمني، اتخاذ موقف حاسم لجمع جميع الأطراف الإقليمية المعنية بالنزاع، ناهيك عن العمل على تبادل مكثف للمعلومات كي تعمل أنظمة الاستطلاع التابعة للحلف على الكشف عن أي اعتداء بشكل علني وواضح، لكن من دون المشاركة بشكل مباشر في الحرب. لذلك فإن التنسيق الوثيق مع موسكو أمر مهم، كما أن الاحتفاظ بالمرونة والهدوء في التعامل وتعميق الحوار مع أنقرة ضروري، بعد أن أصبحت بروكسل مرغمة على ذلك، ولم يعد بإمكانها تجاهل اللاجئين المشردين عند الحدود اليونانية التركية.
في المقابل، أفادت تقارير عدة بأن الأوروبيين والأطلسي ممتعضون من سياسة تركيا، ما يدفعهم لعدم المساندة لاعتبارات عدة، منها عدم نسيان أعضاء الحلف الموقف الصعب الذي واجهوه في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عندما تقدم التركي في شمال سورية، وتحدث عندها خبراء دوليون عن حرب عدوانية قامت بها إحدى دول الأطلسي، في إشارة إلى تركيا التي دخلت إلى الشمال السوري بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب المفاجئ بسحب قواته من المنطقة، وبدء أنقرة مهاجمة وحدات الشعب الكردية التي تعتبرها "مليشيات إرهابية".
كما دعمت تركيا ميدانياً فصائل المعارضة السورية، ومنحتها صواريخ حديثة مضادة للطائرات، ومنها ما يتم إطلاقه من الكتف، وهو ما يعتبره الأوروبيون أمراً خاطئاً. كما أبدت دول الاتحاد امتعاضها من التدخل التركي في الشأن الليبي، ووقوفه إلى جانب حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج، عدا عن التوتر مع قبرص واليونان، الدولتين العضوين في الاتحاد الأوروبي، بشأن الغاز. بالإضافة إلى ذلك، فإن الغرب لا يريد الدخول في صدام مباشر مع موسكو بسبب التصعيد في سورية.