الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عصر الكيماوي والمنشار

عصر الكيماوي والمنشار

22.11.2018
د. أحمد موفق زيدان


العرب القطرية
الاربعاء 21/11/2018
تصريحات مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، ومن قبله وزير الخارجية الفرنسي، توحي بأن الغرب يسعى بكل جهده إلى تبرئة محمد بن سلمان من جريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي ثم تذويبه بالأسيد، فبولتون الذي قال إنه لم يستمع للتسجيلات التي كشفت عنها الاستخبارات التركية، والتي يقول فيها أحد أعضاء فريق القتلة ماهر مطرب لمسؤوله: "أبلغ سيدك أن المهمة أنجزت"، جزم بعدم مسؤولية ابن سلمان، وهو الذي لم يكلّف نفسه عناء الاستماع لتسجيلات جريمة هزّت كل من له ضمير، فهو كان مشغولاً بما هو أهم من جريمة عصر كهذه.
إذا كان محمد بن سلمان -بنظر بولتون- بريئاً مما حصل للشهيد خاشقجي، فهو أولاً يناقض رئيسه ترمب نفسه، الذي كان قد صرّح لـ "وول ستريت جورنال" بأنه "إذا كان أحد يعلم بالعملية، فإن محمد بن سلمان أول من كان ينبغي أن يعلم بها"، مثل هذه المساعي لتبرئة قاتل عرفه القاصي والداني، مع سوابق معروفة من احتجاز وابتزاز أمراء ورجال أعمال ورئيس وزراء دولة عربية، بالإضافة إلى اختطاف أمراء، كلها توحي بنوعية من يدير هذا العالم اليوم، مثل هذه المساعي سبقها مساعٍ أميركية في غسل جرائم بشار الكيماوية، ولعل طريقة تعاملهم معه ومع العصابة المجرمة في دمشق تؤكد ذلك، إن كان عبر مفاوضات الأمم المتحدة، أم عبر مؤسسات الأمم المتحدة التي تلعب فيها واشنطن الدور الأكبر، وكذلك عبر مسؤوليتها في اختطاف الثورة السورية بدعم عصابات كردية متعاونة بشكل يومي ولحظي مع عصابة الأسد بدمشق، وفوق هذا كله منع السوريين من الحصول على أي سلاح يردع العصابة ، بل ومنع أية دولة شقيقة أو صديقة من مساعدة السوريين، وتهديدها بالويل والثبور وعظائم الأمور، كل هذه الدلائل تؤكد أن العصر لم يعد عصر هوليود ولا عصر الدبلوماسية الأميركية الناعمة، وإنما عصر الكيماوي والمنشار ونحر الديمقراطية والقيم.
ما تريده واشنطن وغيرها في العالم الغربي -على ما يبدو- هو خلق بشار الأسد آخر، فلن يكون هناك زعيم غربي واحد قادراً على مجرد أخذ صورة مع بشار أو ابن سلمان، بعد أن عُرف الأول ببشار الكيماوي والثاني مبس منشار العظم، وإلا فسيتعرض كل من يلتقط صورة معهما لموجة رهيبة من الانتقاد الغربي وتحديداً الإعلامي، الذي وقف بكل قوة ومهنية مع قضية خاشقجي ولا يزال، ولكن بالمقابل الغرب يريد من نماذج كهذه أن يبتزها، ويجعل منها مجرد واجهات لتنفيذ سياساته وابتزازاته، فبشار الأسد اليوم هو واجهة لخطف وسرقة الثورة السورية، مع استباحة الشام خشية من انتصار الثورة السورية، وتعميم التجربة على مناطق الاستبداد العربي، والأمر نفسه بالنسبة لابن سلمان، فابتزازه يوفر لهم صفقات أسلحة لفترة طويلة، مع شلّ حركة بلاده وتحركها في العالمين العربي والإسلامي، مما يضعف المواقف العربية والإسلامية، ويفسح المجال لأعداء الأمة، وهو ما برز جلياً بالتنازلات التي قدمها ابن سلمان، إن كان بـ "صفقة القرن" والعلاقات مع إسرائيل، أم من خلال الوحل والمأزق الذي دخله في اليمن، بعد أن قطّع علاقاته مع الشعوب العربية والإسلامية وكثير من الدول العربية، بفرض حصار جائر ظالم