الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عشرة أعوام على المأساة السورية: حرق الأسد البلد وشرد أهله وحوله إلى كانتونات ينتشر فيها الجوع والخوف

عشرة أعوام على المأساة السورية: حرق الأسد البلد وشرد أهله وحوله إلى كانتونات ينتشر فيها الجوع والخوف

22.03.2021
إبراهيم درويش

 

القدس العربي 
الاحد 21/3/2021  
اهتم العالم بمرور 10 أعوام على اندلاع الثورة السورية التي نزل فيها المتظاهرون السوريون إلى الشوارع مطالبين بالإصلاح السياسي في مظاهرات كانت سلمية بالكامل، بل وحتى جميلة ومفرحة. فقد رأوا الاضطرابات في البلدان العربية الأخرى، والتي أجبرت مجموعة من المستبدين الذين حكموا لفترة طويلة على التنحي عن السلطة. وكانوا يأملون أن يأتي التغيير وربما حتى الديمقراطية الحقيقية إلى سوريا وبدلا من ذلك، لم يكن هناك سوى الخراب والفوضى. 
ورددت معظم التعليقات نفس القصة تقريبا، عن الدمار والتشريد والدم والقتل الذي مارسه نظام بشار الأسد وحلفاؤه الذين سارعوا للدفاع عنه كي يبقى في الحكم. وبحسب إيشان ثارور في صحيفة "واشنطن بوست" (16/3/2021) فقد انتهى الصراع السوري كحرب أهلية، من الناحية العملية وباتت قوات الأسد الآن تسيطر على أكثر من 70 في المئة من البلاد وجميع مدنها الرئيسية. ولا تزال الفصائل المتمردة موجودة ضمن طوق متقلص من المعاقل، معظمها في شمال غرب البلاد-وتبقى هناك، إلى حد كبير بفضل الحماية التركية. في الشمال الشرقي، تجد الميليشيات التي يسيطر عليها الأكراد والتي قاتلت في وقت من الأوقات جنبا إلى جنب مع تحالف تقوده أمريكا وتجد الدعم من أمريكا. 
وأدى دخول إيران وروسيا في هذه المعمعة الجيوسياسية إلى قلب الموازين بشكل قاطع لصالح النظام. واستهدفت قوات الأسد المراكز السكانية المدنية بالمدفعية والعبوات البدائية الصنع كالبراميل المتفجرة. ثم نشرت بعد ذلك أسلحة كيميائية وركزت القوى الغربية جهودها على محاربة تنظيم "الدولة". وعلى الرغم من فقدان التنظيم للأراضي التي سيطر عليها، يحذر المحللون من استمرار احتمالات عودة ظهوره. 
لقد حطم العقد الماضي البلد وتشتت شعبه واضطر أكثر من نصف السكان إلى الفرار. 
محنة اللاجئين السوريين 
وأشار إلى محنة اللاجئين السوريين التي ظلت ولسنوات، موجودة في المخيلة الغربية غالبا، على أنها تهديد، تم استخدامه في الغالب، كسلاح من قبل السياسيين اليمينيين المتطرفين على جانبي المحيط الأطلسي. مع أن السوريين ومنذ النزوح الكبير عام 2015 أثبتوا أنهم قصة نجاح في الإندماج بمعظم أنحاء أوروبا. وحتى مع تضاؤل المساعدات الإنسانية الأجنبية، لا يزال الملايين يعانون من النسيان في البلدان المجاورة لسوريا، حيث يعيشون على هامش المجتمعات التي تستضيفهم خائفون من المصير الكئيب الذي قد ينتظرهم إذا حاولوا العودة. وتزداد ظروفهم سوءا. وأشار تقرير عن مفوضية شؤون اللاجئين التابعة الأمم المتحدة إلى أن الفقر وانعدام الأمن الغذائي آخذان في الازدياد، والالتحاق بالمدارس والحصول على الرعاية الصحية يتقلصان، وقد قضى انتشار كوفيد-19 على الكثير من العمل غير الرسمي الذي يعتمد عليه اللاجئون. وأشارت المجلة الطبية البريطانية "لانسيت" إلى أن أكثر من 23 مليون شخص في سوريا والدول المجاورة التي تستضيف الجزء الأكبر من لاجئيها بحاجة إلى مساعدة إنسانية، مضيفة أن "الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين يعيشون تحت خط الفقر". واستنتج معهد التنمية لما وراء البحار، وهو مؤسسة بحثية عالمية، أن 5.8 مليون طفل سوري يحتاجون إلى "مساعدة تعليمية". وتقدر اليونيسف أن ما يقرب من 3 ملايين طفل سوري داخل وخارج البلاد ببساطة لا يذهبون إلى المدرسة. وهو ما يعطي صورة مخيفة عن حجم الأزمة في المستقبل. وهناك نصف مليون طفل يعانون من مشاكل نمو بسبب سوء التغذية. 
التغيير الديموغرافي والأيديولوجي 
ومع خروج ملايين السوريين ومعظمهم من السنة دخلت إيران محاولة الاستفادة من الفراغ الديموغرافي. وفي هذا السياق استغل دعاة التوسع الإيرانيين فرصة اليأس والإحباط حيث جندت إيران ميليشيات محلية بذريعة حماية المزارات الشيعية ووطدت علاقتها مع الجهاز العسكري وبخاصة الفرقة الرابعة التي يقودها واحد من أبناء حافظ الأسد، وهو ماهر. وبعد مرور عقد على الحرب الأهلية باتت الجماعات التي تدعمها إيران تسيطر على ضواحي دمشق وتحرس البلدات الإستراتيجية على الحدود السورية-اللبنانية وهي حاضرة بأعداد كبيرة قرب الحدود السورية مع إسرائيل ولديها عدة قواعد في حلب وأقامت منذ هزيمة تنظيم "الدولة" عام 2018 عددا من المعسكرات قرب الحدود السورية-العراقية. ولم تقم إيران بتأمين قوس التأثير عبر السلاح في كل من العراق وسوريا ولبنان، بل وفي السنوات الأخيرة وبعد انخفاض وتيرة المعارك عملت على تشجيع السنة في سوريا للتشيع أو تخفيف مواقفهم من منافسيهم الشيعة. وتحدثت "فورين بوليسي" مع عدد من السوريين الذين يعيشون داخل مناطق النظام وتحولوا للتشيع حيث قالوا إن الأوضاع الاقتصادية جعلت من الصعوبة عليهم تجاهل الامتيازات التي تقدمها إيران. ويقول الخبراء إن الاختراق الثقافي والديموغرافي يهدف لزيادة أعداد الشيعة في سوريا ومساعدة إيران على تأكيد قوتها نيابة عنهم. وتضيف أن محاولات الاختراق شملت شراء العقارات ونقل بعض الشيعة من العراق للعيش بشكل دائم في سوريا. وتوسع النشاط الشيعي من دمشق وشمل مناطق دير الزور. 
لا حل سياسيا 
ولا يوجد حل سياسي معقول في الأفق، على الرغم من الجهود التي تبذلها جهات دولية منذ سنوات. فيما فرضت الحكومات الغربية عقوبات صارمة على النظام السوري، لكن ذلك لم يفعل شيئا يذكر لزعزعة سلطة الأسد. ويمكن القول إن هذا زاد من آلام المدنيين السوريين العاديين. ولم يعد من الواضح كيف يمكن لبلد محطم وممزق أن يتحد مرة أخرى. وقالت صحيفة "التايمز" (15/3/2021) إن الحكومات الغربية بمن فيها بريطانيا تؤكد على استمرار العقوبات ضد النظام. وتؤكد على أن يسمح بلجنة دستورية تضم النظام والمعارضة والأمم المتحدة واقتراح إصلاحات. ويجب ممارسة الضغط على النظام حتى يوافق على تقديم تنازلات. إلا أن حلفاء النظام مثل روسيا وإيران يناقشون أن الوقت قد حان لكي يعترف المجتمع الدولي بانتصار الأسد وأن تخفيف العقوبات هو السبيل الذي يسمح بإعادة بناء البلد وإطعام نفسه. وهناك أصوات تدعم هذا التوجه في الغرب وبين حلفاء النظام. واقترحت الإمارات العربية المتحدة حلها الخاص للأزمة، من خلال العلاقات الجديدة مع إسرائيل. فمقابل إعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية وتخفيف العقوبات يجب على سوريا الاعتراف بإسرائيل وطرد الميليشيات الإيرانية من أراضيها. وهو موقف غير محتمل، ولكنه يعبر عن مواقف أثنين من أساقفة كانتبري، لورد كيري ولورد ويليامز اوف أوستيرموث بالإضافة للسفير الأمريكي السابق في دمشق، روبرت فورد الذي عمل ما بين 2010- 2014 والذي كان من أشد الناقدين للأسد في بداية الأزمة. وكتب فورد "لا أفهم ماذا يعني وقوف المواطنين السوريين في الطوابير لشراء المواد الأساسية والخبر والمحروقات وأن أمريكا قد انتصرت؟". ورأى المعلق في صحيفة "فايننشال تايمز" (17/3/2021) أن السلام في سوريا يظل سرابا طالما ظل الأسد في الحكم، ويعتقد أن الرئيس الأسد في مركز عدم الاستقرار لكن الحل يكمن في تسوية أمريكية-إيرانية. وأضاف أن الحرب السورية هي في الحقيقة ثلاثة نزاعات: نظام الأقلية الذي يقوده الأسد ويشن حربا شاملة ضد شعبه، ونزاع عرقي-طائفي والذي يقوده المحور الذي تقوده إيران ضد الغالبية السنية في سوريا وحرب إقليمية تستخدم فيها القوى الخارجية بما فيها روسيا، تركيا، إيران والولايات المتحدة سوريا كساحة لمتابعة مصالحها. وقال إن الغزو المتهور الذي قادته الولايات المتحدة على العراق عام 2003 أدى لزرع بذور حروب الوكالة بين السنة والشيعة في المنطقة ولتكاثر الحركات الجهادية. وكان ضعف القوى الغربية التي حرضت ضد الجماعات السورية المعارضة ثم تركت أمر تسليحها لتركيا ودول الخليج ضامنا لأن تتفوق الجماعات المسلحة على المعارضة الرئيسية. واستخدم الأسد والبعض هذه الذريعة لتقديم أنفسهم على أنهم حاجز علماني يحمي الغرب من التطرف بدلا من كونهم حاضنة للقوى السامة التي يقدمون أنفسهم كمضادين لها. فقد أفرغوا السجون السورية من الجهاديين في 2011 وراهنوا أنهم سيقومون باختطاف الثورة. ومع ذلك اقتربت المعارضة من الإطاحة بالنظام في 2012 و2013 و2015 وأصبح الأسد عالقا في بقايا دولة، حتى تدخلت إيران أولا ثم روسيا لنجدته. ويرى أن التقارب الأمريكي-الإيراني والتوافق على البرنامج النووي والصواريخ الباليستية ومستقبل التأثير الإيراني ربما كان مفتاحا للحل. ويجب أن تحتوي أي تسوية على تقارب إقليمي وبناء أمني يتبعه برنامج إعادة إعمار تستفيد منه دول الخليج وهي تحاول تنويع اقتصادها بعيدا عن النفط. وكل هذا يبدو سرابا في الوقت الحالي. فسوريا الأسد هي كيان ممزق مكون من كانتونات ومناطق نفوذ لها قوانينها 
من الصعب تجميع البلد 
وأشارت مجلة "إيكونوميست"(12/3/2021) في مقال إلى إن أسعار المواد الغذائية في سوريا ارتفعت بشكل حاد. والسبب هو تجار الحرب من كل الأطراف المشاركة والتي تفرض ضرائب على كل شاحنة تمر من المناطق التي تسيطر عليها. وقال تاجر من القامشلي إن "السياسيين يجوعون الشعب". وتأكد الانقسام حتى في المناطق الخاضعة للنظام حيث يسافر السوريون إلى البلاد للدراسة والتسوق وزيارة الأقارب. وتقول "إيكونوميست" إن نفوذ الأسد خارج العاصمة دمشق يبدو أقل، حتى في المناطق التي يسيطر عليها اسميا. فيما تعمل القوات الروسية بدون رادع. وأصبحت الإدارات المحلية راسخة، حتى أن لديها ميليشياتها الخاصة، وتدير اقتصادها الخاص وغالبا ما تفضل عرقا أو طائفة. وقال مسؤول في الأمم المتحدة: "إننا نشهد بلقنة سوريا". وليست لدى الأسد إجابات على الوضع الاقتصادي، وفي مقابلة مع صحافيين موالين للنظام نقلت مضمونها صحيفة "نيويورك تايمز" (23/2/2021) نصح الأسد محطات التلفزة بوقف برامج الطبخ حتى لا تتأثر مشاعر السوريين غير القادرين على شراء المواد الأساسية. وكثيرا ما يتجاهل في خطاباته مشاكل سوريا الكبيرة. ويبدو مهتما بضبط شعبه، وليس تركيز الجهود لمواجهة فيروس كورونا مثلا، ويبحث جواسيسه عن أي تلميح للمعارضة، وسجن صحافي كتب عن الجوع على فيسبوك مؤخرا. ويخشى الأسد من القبول بتسويات حتى لا يظهر ضعيفا لذلك فهو يهدد بمزيد من الحرب بدلا من ذلك. وقد أعاد في خطبه إحياء مجازات والده القديمة عن أمجاد الحضارات العربية والإسلامية. ويسمي مذيعو النظام، السوريين الذين يعيشون خارج المناطق التي يسيطر عليها النظام بأنهم إرهابيون وطابور خامس. وصادق مجلس النواب في دمشق في الأول من آذار/ مارس على قانون ينزع الجنسية عن كل من يتقاعس عن تجديد بطاقة الهوية بعد عشر سنوات. وهي خطوة تستهدف أولئك الذين فروا أو تحرروا من حكم الأسد. ويرغب الكثير منهم في العودة، ولكنهم يرغبون أيضا في رؤية شخص آخر مسؤول. 
أسماء الرابحة 
وفي محور خاص عن زوجة الأسد من أكثر من 7.000 كلمة نشرت "إيكونوميست" (10/3/2021) قراءة في الوجوه المتعددة لأسماء الأسد، السيدة الأولى التي قالت إنها الرابح الأهم في الحرب وليس زوجها، وربما كانت بديلا عنه، مع أن الحكومة البريطانية تحقق بتحريضها على جرائم ضد الإنسانية، وقد يفضي هذا إلى سحب جنسيتها. وقد استطاعت أسماء الأسد تغيير صورتها من ربة بيت إلى ناشطة في العمل الخيري ومستشارة مالية وقوة وراء الرئيس. وتتحرك بحرية بعد أن أزاحت منافسيها مثل رامي مخلوف، أحد أهم أثرياء سوريا وابن خال الرئيس الذي اتهم جهات عليا في المواجهة الأخيرة مع النظام. ولم تعد والدة الأسد، أنيسة مخلوف على قيد الحياة لكي تعترض على نشاطات زوجة الأسد البريطانية، أما شقيقته بشرى فقد خرجت إلى دبي بعد مقتل زوجها أصف شوكت. ومهما كان انتصارها وزوجها فسيظل فارغا، لأنه انتصار على ركام من الأنقاض. 
وفي النهاية تحتاج سوريا لنصف قرن كي تتعافى من جراحها كما تقول جانين دي جيوفاني في "فورين بوليسي" (17/3/2021) ووصفت الحرب السورية بأنها من "أكثر النزاعات تحطيما للقلب. فعقد من الحرب يعني أن جيلا كاملا علمت حياته القنابل والتجويع والموت والتشريد" و "في حالة سوريا التي قام فيها الأسد- رئيس الدولة- بحرق البلد، وهناك موضوع جرائم الحرب الشنيعة والأسلحة الكيميائية التي استخدمت ضد المدنيين وآلاف الاعتقالات التعسفية والاختفاء والاغتصاب والتعذيب". وذكرتها القصص التي بدأت بجمعها عام 2011 عن التعذيب والاغتصاب والسجون بما حدث في البوسنة. وترى أن دخول الروس لم يكن فقط لتدمير المجتمع بل لطمر أدلة الجريمة للنظام. لكن الحرب السورية هي أكبر حرب موثقة ومجال تحقيق العدالة أيا كانت انتقالية وغير ذلك وارد، وهو ما يعطي أملا للضحايا الأحياء ويشرف ذاكرة من ماتوا، لكن القصة السورية لم تنته بعد.