الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عدالة تصالحية أم انتقالية أم تعويضية؟ 

عدالة تصالحية أم انتقالية أم تعويضية؟ 

24.12.2020
رياض معسعس



القدس العربي 
الاربعاء 23/12/2020 
جدل واسع شهدته أروقة المعارضة السورية بعد آخر اجتماع للجنة الدستورية (وهي لجنة منبثقة عن الهيئة العليا للتفاوض تنحصر مهمتها في تعديل الدستور تحت رعاية الأمم المتحدة وتتشكل من ثلاثة أطراف ثلث للنظام، وثلث للمعارضة، وثلث للمجتمع المدني) احتجاجا على غير بيدرسون مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا الذي وفي تقرير الاحاطة للأمم المتحدة في السادس عشر من الشهر الحالي والمتعلق بالدورة الرابعة للجنة الدستورية، ضمن مصطلحا جديدا على المعارضة في تقريره: "العدالة التصالحية" والذي يعني باختصار المصالحة مع نظام الأسد وكأن المأساة السورية التي راح ضحيتها مئات الآلاف، وجرائم النظام باستخدامه كل أنواع الأسلحة بما فيها الكيميائية ضد الشعب السوري، وتهجير نصف السوريين من ديارهم، واعتقال مئات الآلاف، وقتلهم تحت التعذيب هي مجرد صراع بين طرفين متعادلين متشاركين في الجريمة، ويحل قانونيا كما تحل الجرائم في المحاكم المدنية. 
جوهر القرار الأممي 
وهذا المصطلح من شأنه أن يحل محل مصطلح: "العدالة الانتقالية" (العدالة الانتقالية كما ينص عليها قرار الأمم المتحدة، 2225 متعلقة بانتقال سياسي، وإصلاح المؤسسات، ومحاسبة من أجرم بحق الشعب السوري). 
رئيس الائتلاف الوطني نصر الحريري أشار إلى "أن العملية السياسية الخاصة في سوريا تمضي في طريق "منحرف" معتبراً أنه لا يوجد حل سياسي في المدى القريب، لأن روسيا ما تزال متعنتة بدعمها لنظام الأسد، ولا تريد الجلوس إلى طاولة المفاوضات". 
وهنا يحمل المسؤولية كاملة لروسيا في عدم رغبتها في التوصل إلى حل سياسي ينصف الشعب السوري في تطلعاته للحرية والكرامة والحقوق. 
وهذا يعني من ناحية أخرى أن لا حل سياسيا إلا بموافقة موسكو. 
من ناحيته، أشار أنس العبدة رئيس هيئة التفاوض ألى أن "سلة الحكم، وهيئة الحكم الانتقالي هي جوهر القرار الأممي (2254) ومهمة تيسير تنفيذه منوطة بالمبعوث الأممي إلى سوريا حسب التفويض الممنوح له من قبل مجلس الأمن..فلا معنى للدستور دون مرحلة حكم انتقالي. 
نؤكد أنّ سلة الحكم الانتقالي هي عصب القرار، وطريق رئيسي في تنفيذ القرار الأممي. وإنه لأمر مقلق للغاية غياب الحديث عن هذه السلة في إحاطة بيدرسون". 
مسار تعديل الدستور 
هادي البحرة مسؤول اللجنة الدستورية أكد من طرفه أنه "بخصوص ما أثارته إحاطة المبعوث الخاص الأخيرة من مخاوف والتي تم توضيحها وتصويبها من مكتبه": أؤكد رسميًا أنه لم يذكر أو يبحث مصطلح "العدالة التصالحية" في اجتماعات اللجنة الدستورية منذ تأسيسها والى الآن. 
في كل مداخلات اللجنة منذ بداية عملها وإلى يومنا هذا ممثلو هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة يستخدمون مصطلح واحد وهو "العدالة الإن`تقالية"غير بيدرسون قال:" إن وفد المجتمع المدني هو من قدم مجموعة من النقاط حول العودة الآمنة والطوعية للاجئين السوريين وتحقيق العدالة التصالحية. 
وهذا ما نفاه ممثلو المجتمع المدني، وقالوا إنه ربما خطأ في الترجمة حيث أنهم تحدثوا عن " العدالة التعويضية". 
وهكذا برز ثلاثة مصطلحات: " العدالة الانتقالية، العدالة التصالحية، العدالة التعويضية" واختلفت آراء المعارضة بشأنها في حين نجح وفد النظام في حرف المفاوضات عن مسارها، ويخرج في كل مرة يفرك كفا بكف فرحا لعدم تمكن وفد المعارضة من أي تقدم على مسار تعديل الدستور، ففي مدار الجولات الأربع والتي امتدت لأكثر من عام لم يتم التطرق مطلقا للدستور، بل عمل وفد النظام على إضاعة الوقت في مسائل جانبية تدخل الجميع في جدل عقيم كجدل جنس الملائكة، وتعاد سيرة المبعوث الأممي السابق ديمستورا الذي كان يعمل جاهداً لإفشال مساعي المعارضة وتفتيتها وتحجيم الحل السياسي والمماطلة لأطول مدة ممكنة بتوافق مع الجانب الروسي في سوتشي عبر فكرة السلال الأربع، والإطاحة بالجدول الزمني والتسلسل المتضمن في القرار 2254، ثم إدخال المنصات الموالية من موسكو والقريبة من نظام الأسد، لإعطاء الفرصة للجيش الروسي وجيش النظام للقضاء على المعارضة المسلحة واستعادة الأراضي المحررة، وبالتالي لم تعد للمعارضة أي ورقة ضغط ويعلن الأسد انتصاره النهائي ولن يتزحزح عن كرسيه ولا أحد سيمكنه محاسبته على جرائمه، وهذا ما قدمه وزير خارجية النظام فيصل المقداد في زيارته لموسكو للروس من مطالب: تحرير إدلب، وحصانة رأس النظام واستمراريته، مع القبول ببعض التحسينات "البديعية" الطفيفة التي لا تمس من وجود النظام وطبيعته. 
لقد رحل ديمستورا ولا أحد يذكره بخير سوى النظام، وجاء خلفه بيدرسون ليبدو أنه يسلك طريقا مماثلا بالتلاعب في المصطلحات، وإغراق مؤسسات المعارضة (التي يتم فيها تسلم المناصب بالمقايضة على الطريقة الروسية) في التفاصيل والمسائل الجانبية كي تدور في حلقة مفرغة، فهي أدخلت في دوامة أستانة ثم في متاهة ستوتشي، ومنها إلى جنيف واللجنة الدستورية، ولم تحقق إلى الآن إي إنجاز يعطي بصيص أمل لتسوية سياسية مع النظام تطبق فيها مبادئ قرار جنيف 2254 الذي يعتبر الأساس في العدالة الانتقالية التي تنصف الشعب السوري، وتحاسب النظام على كل جرائمه.