الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "عام التهجير".. هكذا عبث "الأسد" بديموغرافية سوريا في 2018؟

"عام التهجير".. هكذا عبث "الأسد" بديموغرافية سوريا في 2018؟

31.12.2018
عبد الناصر القادري


الخليج أونلاين
الاحد 30/12/2018
استمرت نشرات الأخبار على مدار سبع سنوات من بث أخبار سوريا في مطلع نشراتها بإذاعة أخبار تهجيرهم، ربما لم يكن 2018 أشدها عنفاً ودموية، ولكن مجريات أيامه حملت أحداثاً مهمة ومؤلمة على الصعيد الإنساني؛ خصوصاً تلك التي جاءت حاملة أنباء التهجير القسري والتغريب عن موطن الولادة الأول.
فمنذ سنة 2013 بدأ نظام الأسد يخير صراحة وعلناً المحاصرين من أهل المدن والقرى المستهدفة بين أمرين؛ إما التجويع والإبادة أو "الذل" والتهجير، وتصاعد الأمر ليصل إلى مدن كبرى كحلب نهاية العام 2016 حيث هجر عشرات الآلاف، ضارباً بسيف التهجير كل منطقة خرجت عن سيطرته في الخارطة السورية.
الغوطة الشرقية – كسر الظهر
شن نظام الأسد، في يناير 2018، وبدعم روسي، أعنف هجوم بري وجوي على منطقة الغوطة الشرقية التي كانت واقعة تحت سيطرة المعارضة المسلحة، وآخر قلاع الثورة السورية قرب العاصمة دمشق؛ يتمركز فيها عدة فصائل أهمها "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن" بالإضافة لمئات آلاف المدنيين، قدرت الأمم المتحدة أعدادهم بـ 400 ألف محاصر منذ عام 2012.
وعاش المدنيون الحصار بحالة فقدان شبه كامل لأساسيات الحياة من طعام وشراب ودواء وكهرباء، مع فقدان المئات لحياتهم بسبب الجوع ونقص التغذية، بالإضافة لعشرات الوفيات نتيجة عدم توفر العناية الصحية الكافية.
ودعت منظمات دولية، بينها الأمم المتحدة ومنظمة الطفولة العالمية (اليونيسف)، لوقف فوري لجميع أنشطة الحرب، لكن روسيا لم تلتزم بأي هدنة، واقتحم جيش النظام قرية حمورية في الغوطة الشرقية، ما أدى إلى نزوح الآلاف في بث حي ومباشر، ثم استخدم غاز الكلور على المدنيين في دوما والنابالم الحارق والفوسفور مع قصف روسي ممنهج للمستشفيات.
وتسببت المعركة التي شنها نظام الأسد والروس على الغوطة الشرقية في 18 فبراير بتساقط القرى واحدة تلو أخرى، ثم تقسيمها لعدة قطاعات، والهجوم على كل واحدة وحدها، وعقد اتفاقات فردية مع الفصائل، قضت بتسليم السلاح الثقيل ثم التهجير.
تسببت الحملة العسكرية لنظام الأسد وروسيا- بحسب المجالس المحلية الموجودة في الغوطة الشرقية- بمقتل نحو 1540 مدنياً، معظمهم من الأطفال والنساء، ونحو 118 مقاتلاً من الفصائل المعارضة، ثم تهجير غالبية المحاصرين نحو الشمال السوري برعاية أممية، ليحقق النظام كسراً موجعاً في ظهر الثورة السورية.
القلمون – تهجير المدن الخمس
وعلى مسافة قريبة من الغوطة الشرقية تقع منطقة القلمون شرقي الطريق الدولي الذي يربط العاصمة دمشق بمدينة حمص، وتضم العديد من المدن الهامة، منها الضمير، والناصرية، والرحيبة، والقطيفة، ويقدر عدد سكانها بـ 400 ألف نسمة عام 2011، فيما سكنها مئات آلاف النازحين لترتفع أعداد قاطنيها لقرابة المليون نسمة.
لكن، وفي 19 أبريل 2018، وافقت الفصائل العسكرية في القلمون على بنود اتفاق مع روسيا قضى بتسليم السلاح الثقيل الضخم، وتهجير آلاف المدنيين الذين لا يريدون المصالحة مع نظام الأسد باتجاه مناطق الشمال السوري.
جنوب دمشق – تكرار اللجوء
ويعيش في مناطق جنوب دمشق خليط من السوريين النازحين من الجولان السوري المحتل، بالإضافة للاجئين الفلسطينيين، وقد عانوا خلال 5 سنوات حصاراً عنيفاً جداً مشابهاً لحالة الغوطة الشرقية اعتاش فيها المدنيون على أوراق الأشجار ولحوم الكلاب والقطط.
شن نظام الأسد مدعوماً من روسيا حملة عسكرية مكثفة على أحياء جنوب دمشق ما دفع الفصائل لتوقيع اتفاق مع الروس في مايو 2018، عن مناطق بيت سحم ويلدا وببيلا، يقضي بتهجير الرافضين لإجراء مصالحة مع نظام الأسد من جنوب دمشق نحو الشمال السوري، ليبلغ عدد مهجري هذه المناطق نحو 9250 مدنياً.
كما اتفق نظام الأسد مع تنظيم الدولة (داعش)، في 23 مايو، على خروجه من (مخيم اليرموك ومخيم فلسطين والتقدم والعسالي) نحو البادية السورية بريف السويداء جنوبي سوريا.
ويعتبر تهجير جنوب دمشق التهجير الثاني بالنسبة للاجئين الفلسطينيين منذ النكبة والنكسة، حيث بلغ عدد العائلات الفلسطينية المهجرة أكثر من 750 عائلة، بحسب "مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا".
ريفا حمص وحماة – اقتلاع من الأرض
وباتجاه مدن وقرى ريف حمص الشمالي وريف حماة الجنوبي وسط سوريا، والتي شهدت حصاراً كغيرها من المناطق المحررة التي تسيطر عليها فصائل عسكرية مناهضة لنظام الأسد، وعاش أكثر من 400 ألف نسمة أياماً صعبة للغاية رافقها عوزٌ وفقدان أدنى مقومات المعيشة مع قصف مستمر.
وخوفاً من "مذبحة محققة يبدو واضحاً أن أحداً في العالم لن يستطيع منع وقوعها" بحسب ناشطين في ريفي حمص وحماة، وقعّت الفصائل اتفاق "التهجير" مع روسيا لتخرج أولى الحافلات في 5 مايو نحو مناطق ريف حلب شمالي سوريا.
درعا – مهد الثورة "التهجير نحو الشمال
هذا ولم تكن مناطق حوران "مهد الثورة السورية" أفضل حالاً من سابقاتها، فقد قرر نظام الأسد، ومن خلفه روسيا و"المليشيات" الإيرانية وجماعة حزب الله اللبناني، شن معركة كسر العظام في 19 يونيو، وانتشر الموت في أغلب المناطق، ليتناقل العالم صور النزوح نحو الحدود الأردنية السورية، مع إعلان عمّان لأكثر من مرة أن حدودها ستبقى مغلقة.
وأكدت الأمم المتحدة أن ما لا يقل عن 45 ألفاً من المدنيين في درعا نزحوا تجاه الحدود مع الأردن، فيما قال مجلس المحافظة التابع للحكومة السورية المؤقتة أن "عدد النازحين تجاوز 80 ألفاً في درعا والقنيطرة".
وبعد رفض فصائل الجيش السوري الحر عقدها لأي اتفاق "تهجير" مع الأسد أو روسيا وتشكيل غرفة عمليات للمواجهة، وسقوط مئات القتلى من المدنيين وآلاف الجرحى ونزوح عشرات آلاف المدنيين، أعلنت واشنطن أنها لن تتدخل ولن تضغط، رغم ضمانها لاتفاق تخفيف تصعيد في درعا مع الأردن وروسيا عام 2017.
كل ذلك اضطر الفصائل لتوقيع اتفاق "التهجير" في درعا والقنيطرة، وهو ما كان نقطة تحول كبرى في تاريخ الثورة السورية، مع خروج أول دفعة مهجرين في 15 يوليو نحو إدلب شمالي سوريا.
وبعد انتهاء هذا العام المر، يعيش ملايين السوريين اليوم بعيداً عن بيوتهم وأراضيهم وأشجارهم التي ولدوا معها، مهجرين داخل بلدهم، في ظل تسابق أنظمة عربية للتصالح مع نظام بشار الأسد وإعادته إلى "حضن الأنظمة العربية" وكأن حرباً حرقت كل أوراق الصلح لم تقم!!