الرئيسة \  مشاركات  \  فطَيم وَجدتْ نفسَها ، فصارت هي سوقَ الغزل ، فهل تضيع ، من جديد !

فطَيم وَجدتْ نفسَها ، فصارت هي سوقَ الغزل ، فهل تضيع ، من جديد !

04.05.2019
عبدالله عيسى السلامة




مضرب المثل الشعبي : نزل قرويّ ، إلى مدينة حلب ، ومعه زوجته ، وكان لديهما غزل ، يودّان بيعه ، والإفادة بثمنه ، بشراء بعض ما يحتاجانه ، من طعام ولباس ، و غير ذلك ، من أشياء، لهما ولأبنائهما! وفي المدينة الكبيرة ، سألا عن سوق الغزل ، فدلّهما عليه بعض العارفين ، فاتّجها إليه ، وهما يحلمان ، ببيع غزلهما، وقبض ثمنه ! بَيدَ أن الازدحام ، في السوق ، فرّق بينهما ، فغابت فطيم ، عن نظر زوجها ، وتلفّت كثيراً ، فلم يجدها ، فصارت لديه مشكلة ، أهمّ من بيع الغزل ؛ إنها ضياع فطيم !
صار الرجل يتجوّل ، في السوق ، ويسأل الناس عن فطيم : يسأل كلّ من يراه ، من المارّة، والجالسين في المحلاّت ، وهو يلهث ، من : التعب ، والقلق ، والخوف على فطيم ، التي هي عالمه ، كلّه : هي رفيقة دربه ، وأمّ أولاده ، وربّة بيته ، وأنيسته ..!
كان يصيح مستغيثاً : ياناس ، يا أهل الخير، من رأى منكم فطيم ..؟ ياقوم ، ياأجواد ، زوجتي فطيم كانت معي ، وضاعت منّي ، في الزحام ، فمن رآها منكم ، فليدلّني على مكانها..!
كان الناس يشفقون عليه ، وكل منهم يعبر عن إشفاقه ، بطريقة : انظروا ، إلى هذا المسكين: يبحث عن فطيم بسوق الغزل ..! أسمعتم هذا البائس ، ماذا يقول ؟ إنه يسأل عن فطيم ، بسوق الغزل !
وصارت قصته مثلاً ، يتداوله الناس ، في كثير من المدن والأرياف ، كلّما جدّت لديهم حالة مشابهة ! فيردّد بعضهم : فلان يسال عن فطيم بسوق الغزل ! أو يقول أحدهم : ياعمّي مّن فطيم ، بسوق الغزل ؟ وهكذا ..!
لقد كانت الشعوب العربية ، لدى الساسة المحترفين والعسكر، مثل فطيم بسوق الغزل: ضائعة أو مضيّعة عن عمد:لايكترث بها أحد ؛ يبيع بها الساسة ويشترون ، دون أن يستشيرها أحد ، أو يأخذ برأيها أحد ؛ ولا سيّما، في السياسة الخارجية ! تُمرَّر الصفقات : السياسية ، والعسكرية ، والاقتصادية .. بين الحكّام والأطراف الخارجية .. وإذا سأل أحدُ هذه الأطراف الخارجية ، عن موقف شعب من الشعوب، تجاه صفقة ما ، يضحك المسؤول ، ويردّد المثل : ياعمّي ، مَن فطيم ، بسوق الغزل !؟ 
أمّا اليوم ، فالشعوب هي سوق الغزل ، كلّه ، في عدد من الدول العربية ؛ ولا سيّما الشعبان، اللذان انتفضا، أخيراً ، في الجزائر والسودان !
العسكر حكَما الدولتين ، حكماً طويلاً ، بل مزمناً ، وغرسا فيهما ، من الأوتاد ، مايَصعب اقتلاعه ، على مستوى : المؤسّسات ، والشخصيات ، والولاءات .. وغير ذلك !
الشعبان يواصلان التجمهر ، ويعزّزان التحشيد ، في المدن والساحات ، ويضغطان ، على العسكر؛ لاقتلاع رموز الحكم السابق ، في كلّ من البلدين ؛ سائر رموز الحكم ، بلا استثناء ، بما في ذلك العسكر، الذين أسهموا ، في الإطاحة برأسي النظامين ! ويطالب الشعبان ، بتسليم السلطة ، إلى عناصر مدنية ، خالصة ! وإذا كان لا بدّ ، من وجود العسكر، فيجب أن يكون وجوداً رمزياً شكلياً ، وأن يَخضع العسكر، للسلطة المدنية ، التي ستشكّلها الشعوب المتظاهرة ، أيْ : الفطيمات !
أمّا كيف سيخضع العسكر، المتمرّسون في: السياسة ، والحكم ، والمناورات .. لإرادة الفطيمات.. ولمَن يسلمون السلطات ، وكلّ فطيم من الفطيمات ، تحمل تناقضات الدنيا ، كلّها، من: فكرية، ومصلحية ، ومزاجية ، وحزبية ، وثقافية ، وبيئية ، وغيرها .. ممّا يغري أبسط سياسي ، بالعبث السلمي ، أو الدامي ، بهذه الجموع البشرية الحاشدة ، الهائجة المائجة ، والتي تحتفظ بصور الشعوب (الفطيمات) ، التي سبقتها ، في التعبير، عن أنفسها ، مثل : ليبيا ، واليمن ، ومصر، وسورية .. فكان مصيرها ، كما هو ماثل ، في أذهان الفطيمات ، التي وَجدت أنفسها ، حديثاً، والتي تخشى من مصير سابقاتها.. أما كيف يخضع العسكر لهذا، فجوابه : عند العسكر أنفسهم، أو عند عقلاء الفطيمات !
لكن : هل طرائق الفطيمات الحديثة ، في تذاكيها وتداهيها ، في التعامل مع العسكر.. تمنحها، غيرَ ما منحتها طرائقُ الفطيمات القديمة ، لفطيماتها ,, أم تعود كل منها – الفطيمات الجديدة - إلى الضياع ، من جديد ، لكن ضياع اليوم ، يختلف عن ضياع الأمس !