الرئيسة \  واحة اللقاء  \  فضيحة ترمب في هلسنكي وما بعدها

فضيحة ترمب في هلسنكي وما بعدها

24.07.2018
ياسر الزعاترة


العرب
الاثنين 23/7/2018
من المؤكد أن المؤتمر الصحافي الذي عقده ترمب إلى جانب بوتن بعد قمة هلسنكي سيكون من اللحظات التي لن تنسى في فترة رئاسته، كما ذهبت صحيفة "فايننشال تايمز" في إحدى افتتاحياتها.
على أن المؤتمر الصحافي لم يكن العار الوحيد، بل هو ثمرة من ثمار عار أكبر تمثل في القمة ذاتها، والتي منحت بوتن الكثير، بينما لم تمنح ترمب شيئاً يذكر، اللهم سوى الوعد بتلبية مصالح الكيان الصهيوني التي بات مؤكداً أنه يقدمها على مصالح الولايات المتحدة.
في هلسنكي؛ حصل بوتن على اعتراف رسمي بحقيقة أن بلاده ندٌ للولايات المتحدة، بجانب الاعتراف بما فعله في محيطه الاستراتيجي، فيما تم التجاوز عن تدخله في الانتخابات الأميركية.
هنا في هذه النقطة تحديداً تورط ترمب في حماقته الكبرى، وذلك حين أعرب عن تصديقه بوتن في نفيه التدخل بالانتخابات الأميركية، وتكذيبه الضمني أجهزة المخابرات الأميركية التي وجهت الاتهام لـ 12 ضابطاً روسياً بالتدخل.
لم يكن ذلك أول صدام لترمب مع مؤسسات الدولة العميقة، خاصة الأمنية، بل والعسكرية أيضاً، فقد اصطدم من قبل مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، لكن الكارثة هذه المرة حدثت في سياق مؤتمر صحافي مع دولة تُجمع مؤسسات الدولة الأميركية العميقة على اعتبارها من التحديات الاستراتيجية على الصعيد الدولي؛ بجانب الصين بالطبع.
ما زاد الوضع سوءاً بالنسبة لترمب، وأمام النخبة السياسية في الولايات المتحدة، هو أن هذا الحنان على بوتن وروسيا قد تزامن مع حروب شعواء على الحلفاء، بخاصة الأوروبيين، كما تبدى في القمة الأخيرة لحلف الناتو، وكما تبدى أيضاً خلال زيارته الأخيرة لبريطانيا، بجانب إصراره على تجاهل رأي الحلفاء فيما يخص العقوبات على إيران، وصولاً إلى توقع سيناريو العراق معها، انتهاءً بالحرب، ما يعني أن بوصلة الرجل قد دخلت في حالة مريعة من التيه.
إنه كائن لا يتصرف بلغة التجار وحسب، بل بلغة حلبات المصارعة أيضاً، ولا يفقه تعقيدات السياسة بحال من الأحوال، وها إن النخب السياسية الأميركية تراه عاراً على الولايات المتحدة، فيما يراه الكثيرون، بما في ذلك بعض "الجمهوريين"، خطراً على مصالح الولايات المتحدة.
وحين يصل الحال بزعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ حد التساؤل عما إذا كان لدى بوتن معلومات تؤذي ترمب، ويمكنه ابتزازه من خلالها، فإن الأمر قد تجاوز التشكيك إلى التخوين. وفيما بدا أن السؤال عن مصير الرجل في الرئاسة قد خرج من التداول، وبات بوسعه أن يعلن عن نية الترشح للرئاسة مرة أخرى، فقد أعاد جدل الأسابيع الأخيرة الأمر إلى التداول من جديد، وصار أكثر وضوحاً بعد قمة هلسنكي ومؤتمرها الصحافي، وهذا تحديداً ما دفعه إلى الاعتذار عن تشكيكه بكلام أجهزة الاستخبارات حول التدخل الروسي في الانتخابات (قال إنها زلة لسان!!)، وإن عقب بالقول إن ذلك التدخل لم يغير في النتيجة.
من الواضح أن السؤال التقليدي في الدولة العميقة لا يزال قائماً، أعني الموازنة بين كلفة الإطاحة بالرجل، وبين كلفة التعايش معه حتى نهاية ولايته، وفيما كان الموقف قد حُسم تقريباً، فإن الأحداث الأخيرة ستعيده إلى الجدل من جديد، وهي فعلت في واقع الحال. هنا يبرز الدور الصهيوني كعامل مرجح، لكن لذلك بعد آخر أيضاً، فالأميركيون يراقبون كيف يقدم هذا مصالح إسرائيل على مصالحهم، والنخب السياسية تراقب أيضاً، وهو ما ستكون له تأثيراته على الموقف من طغيان الأقلية، وإن لم يحدث ذلك سريعاً.
في أي حال، سيكون بوسعنا القول إن هذا الرجل يمثل لعنة على الولايات المتحدة، وهذا خبر جيد بكل تأكيد، فأمتنا هي أكثر من اكتوى بنار التفرد الأميركي، وصعود معادلة التعددية القطبية، سيكون في صالحنا، وفي صالح المستضعفين أيضاً، رغم ما عانيناه ونعانيه من جنون بوتن وإجرامه، خاصة في سوريا.;