الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ضريح السلطان وتغيُّـر موقف تركيا من "داعش"

ضريح السلطان وتغيُّـر موقف تركيا من "داعش"

26.02.2015
مراد يتكن



الحياة
25-2-2015
يبدو أن قيادة الجيش التركي نزلت على أوامر الحكومة، ونجحت في نقل ضريح مؤسس السلطنة العثمانية بعد إعداد دام أشهراً لخطة مُحكمة. ولكن لا يمكن زعم أن نقل ضريح سليمان شاه تحت سيف "داعش" المسلط هو نصر أو نجاح عسكري. فالتنظيم الإرهابي، المسمى "داعش"، أجبر تركيا على الانسحاب من موقعين، أولهما القنصلية التركية في الموصل، وثانيهما الضريح. وقبل ستة أشهر، على وجه التقريب، أفرج تنظيم "داعش" عن 46 تركياً كان خطفهم في الموصل. ويعود الفضل في إطلاقهم إلى مفاوضات الاستخبارات التركية مع التنظيم، لكن القنصلية التركية في الموصل مازالت، إلى اليوم، في يد "داعش".
قرار نقل الضريح مصيب، بل لعله تأخر كثيراً وكان لا بد من تنفيذه في وقت مبكر. فلو هاجم "داعش" الضريح لاضطر الجيش التركي إلى التدخل للدفاع عنه وعن الجنود المقيمين في مقامه لحراسته، ولوجدت تركيا نفسها متورطة بالحرب السورية ومستنقع القتال هناك. ولا يمكن أن نفهم كلام الحكومة على انتصار عسكري باهر في عملية لم تطلق فيها رصاصة ولم يعترض شيء طريق القوافل التركية العسكرية. ويمكن القول أن ما جرى هو عملية انسحاب ناجحة. وفي بعض الأحيان تبرز الحاجة إلى سرد كل التفاصيل لرسم صورة أوضح: الضريح نقل من مكانه في الداخل السوري إلى مكان يسيطر عليه أكراد سورية. وهذا الحزب الكردي السوري هو نظير "حزب العمال الكردستاني" المصنّف إرهابياً في تركيا. وبعد انتهاء نقل الضريح، استؤنف القتال في موقعه بين المسلحين الأكراد و"داعش"، وبعض الآليات التي شاركت في عملية نقله دخل الأراضي السورية من كوباني. وطبعاً لن نقول أن تركيا طلبت إذن الأكراد هناك، ولكن لا بد أنها نسقت معهم وحاورتهم في عملية العبور والنقل.
ثمة تغيُّر في السياسة الخارجية التركية، تحديداً في موقفها إزاء سورية والعراق. ففي 19 الشهر الجاري، أبرم اتفاق بين وكيل وزارة الخارجية التركية، فريدون سينيرلي أوغلو، والسفير الأميركي في أنقرة، جون باس، ينص على تدريب المعارضة السورية وتسليحها. والتزمت أنقرة ذلك في مواجهة نظام الأسد و"داعش". بالتالي، يتوقع أن ينفّذ التنظيم ضد تركيا أعمالاً انتقامية أو عدائية.
موقف تركيا تغير إزاء "داعش" منذ انسحاب التنظيم من كوباني وخسارته تلك المعركة مع الأكراد. وبدأ الأتراك يسمعون من المسؤولين الحكوميين أن "داعش" قد يهاجم أهدافاً في تركيا وأنه قد يكن العداء لهم. وساهمت تفجيرات السلطان أحمد وغيرها من التهديدات في حمل حكومة داود أوغلو على تغيير سياستها إزاء "داعش". ومن مؤشرات هذا التغيير حضور وزير الداخلية التركي، افكان آلا، اجتماع مكافحة الإرهاب في السعودية في 16 كانون الثاني (يناير) المنصرم، ثم مشاركة وزير الدفاع، عصمت يلماز، في قمة مكافحة الإرهاب في أميركا في 18 الشهر الماضي، وحضور قائد الأركان، الجنرال نجدت أوزال، اجتماع قيادات التحالف العسكري في الرياض الأسبوع الماضي، وتوقيع اتفاق تدريب المعارضة السورية وتسليحها. ويبدو جلياً أن تركيا تخلت عن موقفها السابق الغريب، ومفاده "لا يمكن لداعش ان يستهدف تركيا البلد المسلم الذي يحكمه رئيس جمهورية مسلم يدافع عن حقوق السنّة في المنطقة".
وأخرجت أنقرة مخططات أعدتها وأبقتها على الرف إلى حين بروز إرادة سياسية، ثم جاءت عملية نقل الضريح. وأوجّه ملاحظة أخيرة إلى العثمانيين الجدد الذين يتشدّقون بأهمية الضريح التاريخية والحفاظ عليه، وأرغب في تذكيرهم بأن من حافظ على ذلك الضريح وأبرم الاتفاق مع الفرنسيين على أن يكون مقره أرضاً تركية في التراب السوري كان مصطفى كمال أتاتورك، أثناء حرب التحرير ضد السلطان. وحاز الاتفاق موافقة البرلمان التركي الذي اعتبره السلطان العثماني الأخير برلماناً زائفاً، واعتبر مصطفى كمال خارجاً على القانون ومحكوماً بالإعدام. لذا، حبذا لو يتوقف العثمانيون الجدد عن تزييف الحقائق والتاريخ.
* عن "راديكال" التركية، 23/2/2015، إعداد يوسف الشريف