الرئيسة \  واحة اللقاء  \  صورة داعش الأخيرة

صورة داعش الأخيرة

05.03.2019
بشير البكر


العربي الجديد
الاثنين 4/3/2019
ترحيل المدنيين من الجيب الأخير لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الباغوز كان صيدا ثمينا للمصوّرين الذين وجدوا أمامهم فرائس تصلح لأن تكون مادة لنشرات الأخبار والصفحات الأولى في الصحف عبر العالم. فرصة لن تتكرر لمصورين كثيرين يبحثون عن صورةٍ ثمينةٍ من دون احترام، أو مراعاة، للخصوصية، وحق البشر في رفض الوقوف أمام الكاميرا. كانت تعابير الغضب باديةً على وجوه نساءٍ كثيراتٍ كن أكثر عرضة لتحرّش المصوّرين.
كانت الشاحنات تغادر قرية الباغوز في ريف البوكمال في اتجاهاتٍ متعدّدة. بعضها يحمل نساء وأطفالا، والبعض الآخر رجالا. الجميع يخرجون من الجيب الأخير ل"داعش". ولذلك يبدو اللباس شبه موحد للجنسين. النساء بالبراقع السوداء، وفئة قليلة منهن كانت لا تُخفي العيون، والرجال ملفعون بكوفياتٍ حمراء، ويرتدون اللباس الشعبي في ريف سورية والعراق.
الشاحنات هي تلك المخصّصة، عادة، لنقل المواشي، ويبدو أن اختيارها لم يكن محض مصادفة، بل عملية مدروسة، فهي مصمّمة كي تمنع الدواب من القفز منها، وقادرةٌ على أن تحمل عدداً كبيراً من الناس الذين يتم حشرهم فيها كالمواشي. وبدت كأنها جزءٌ من المشهد العام الذي يليق بنهاية وحوش "داعش" في الصورة الأخيرة التي تجاوزت في حمولتها كل  التحقيقات التي كتبتها الصحافة من الميدان، لأنها لم تكتف بقول ما فيها فقط، وإنما ما ليس فيها أيضاً.
"داعش" خيمة كبيرة. يقف في ظلها عربٌ وأجانب، محاربون وقتلة ولصوص ومخدوعون مغرّر بهم، رجال مخابرات ودين، دجّالون وتجار ومرتزقة، أغنياء وفقراء، أمراء حربٍ وجواسيس، نساء من مختلف الأعمار، مراهقات في سن 15 وحتى الخمسينيات، ومن شتى البلدان، من الشرق والغرب، من العالم العربي والإسلامي، وحتى أميركا وأوروبا.. إلخ. وهناك من ذهب كي يحارب من أجل الشهادة، بغض النظر عن العدو، وآخر توجه لقتال أميركا، سواء وجدها أمامه أم لم يجدها، وبعضٌ وظفته أجهزة المخابرات الأميركية أو الروسية أو السعودية أو الإيرانية وحتى الصينية ليسجل ويدرس ويصور ويرسل التقارير. تعايش هذا الخليط غير المتجانس عدة سنوات داخل جسم غريب، وأنتج مؤسسةً إرهابيةً خطيرة، هدّدت الأمن الدولي.
في المواجهات التي دارت أخيرا في ريف دير الزور، يبدو أن الباقين من الدواعش في الميدان هم حثالة الحالة الداعشية التي تقهقرت، بعد خسارة الموصل والرقة، ومع الوقت لم يبق في الميدان سوى فراطة العناقيد الكبرى. وبالمختصر المفيد، هؤلاء من تقطعت بهم السبل، ولا مخرج أمامهم، وهم غالبا ممّن التحقوا بالتنظيم من دون أن تكون لديهم تبعية لأحد، وهذا يعني أن الدواعش البقية إما سقطوا في أرض المعركة أو أنهم هربوا. والملاحظة التي تستحق الاهتمام هي أنه لم تقدم "داعش" إلى الواجهة سوى أبو بكر البغدادي الذي ظهر في مرات قليلة. وعلى الرغم من أنها سيطرت في فترة على مساحة كبيرة من العراق وسورية، فإنها بقيت تعمل في الظل، وكأنها كانت تدرك أنها ستختفي من المشهد في وقت من الأوقات، وبالتالي لا يمكن اعتبار هذا السلوك الملتبس عاديا.
ليس هناك إحداثيات ولا أرقام ولا معلومات ولا تفاصيل تخص "داعش" في الموصل والرقة، وفي المعارك التي دارت أخيرا في محيط دير الزور. لم تعلن السلطات العراقية حتى اليوم عن الدواعش الذين سقطوا في المعارك، والذين فروا من ساحة المواجهة، والأمر ذاته ينطبق على مدينة الرقة. لا أحد يعرف عدد القتلى. كيف استطاع البغدادي أن يبني دولةً تدير مساحة شاسعة، واختفى بعد ذلك هو وجهازه، من دون أن يقدّم إلى أنصاره حصيلة يلخص فيها معارك الموصل والرقة؟