الرئيسة \  واحة اللقاء  \  صراع حلفاء الأمس في الشرق السوري 

صراع حلفاء الأمس في الشرق السوري 

25.04.2021
غسان ابراهيم



العرب اللندنية 
السبت 24/4/2021 
تستعد روسيا للتمركز في شرق سوريا بعد أن كان تركيزها على غرب البلاد في مراحل تواجدها الأولى عندما كانت المهمة إنقاذ نظام الأسد. ومع تغير المهمة أصبح التواجد في الشطر الآخر أولوية موسكو الجديدة. 
والحجة جاهزة وهي داعش الذي تحرك مؤخراً هناك، بينما الحقيقة أبعد من ذلك، فما تريده روسيا في شرق البلاد له أبعاد كثيرة. 
التنافس بين حلفاء الأمس أصبح مبرراً من الجانبين، فروسيا التي تريد أن تكون صاحبة الكلمة الأخيرة في سوريا تواجه الموقف الإيراني الذي يرى أنهم أسياد اللعبة، فهم من أحضر الروس لمهمة إنقاذ النظام، فكيف تتحول المهمة لمسيطر على المشهد، وكيف يمكن أن تخرج إيران جانباً؟ 
والروس الذين اعتمدوا على الإيرانيين في مرحلة الحرب عبر ميليشيات متعددة الأشكال والولاءات لم تعد لهم حاجة بهم اليوم. بل أصبحوا عبئاً على البلاد. وأصبحت إيران ككل مصدر إزعاج. فروسيا التي تطرق أبواب الدول العربية لإعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية وتمويل إعادة الإعمار تصطدم بحائط عربي رافض للوجود الإيراني. 
ما تريده روسيا في شرق سوريا له أبعاد كثيرة 
الحاجة للتقارب أصبحت حاجة للابتعاد، والأجندة التي وحدتهما أصبحت تفرقهما اليوم عبر أجندة جديدة تتطلب إنقاذ النظام ليس من المعارضة هذه المرة، بل من عزلة دولية تخنقه سياسياً وتضعفه اقتصادياً وتفككه استراتيجياً. 
ما جمع الطرفين انتهى، وبدأت مهمة جديدة من الصراع الهادئ على النفوذ، كما أن انعدام الثقة يتزايد يوماً بعد يوم. والتضارب بين الطرفين مرتبط بخيط رفيع ليس من مصلحة أحدهما أن يقطعه. فروسيا التي تضغط على إيران بشكل محسوب ترفض زيادة الجرعة لأنها تعلم أن الإيراني أيضا لديه من الأوراق في سوريا ما يزيد عمّا في جعبتها. 
فلا يمكننا أن نتوقع صراعا مباشرا، فإيران التي تتمسك بوجودها الاستراتيجي تقهقرها هناك يعني انكفائها إلى العراق وربما إلى ما وراء حدودها. سوريا بالنسبة إليها الحصن الأول لمشروعها التوسعي وبوابتها إلى المتوسط. بينما الروسي يفكر بعقلية استراتيجية تتجاوز الأشخاص عبر توقيعها اتفاقات طويلة المدى مع النظام السوري، وتريد سوريا منصة لتواجد استراتيجي ينافس التواجد الأميركي في المنطقة. 
هذه التطلعات بعيدة المدى تنطلق بتحركات صغيرة وتدريجية لتفرض نفوذها على أغلب المناطق السورية، وفي هذا الإطار الكبير تأتي التحركات الصغيرة في دير الزور. 
التواجد الروسي الجديد هناك أصغر من أن يوصف بقاعدة عسكرية وأكبر من نقطة عسكرية تقليدية، يكاد يكون تشكيلاً عسكرياً فريداً له مهمة التدخل السريع في شرق البلاد. 
هذه المنطقة التي تخضع لنفوذ النظام السوري شكلياً تدار من قبل ميليشيات إيرانية أو سورية تعمل بالنيابة عن الإيرانيين نتيجة مغريات تجذب الشباب للعمل في صفوفها مع تدهور الوضع الاقتصادي. كما يحدّ هذه المنطقة قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها المكون الكردي السوري الذي لا تثق روسيا به لتمسكه بعلاقات وطيدة مع الجانب الأميركي. 
وجود الروس في المنطقة محاولة لجذب الشباب السوري لصفها بدلاً من ميليشيات طائفية تعمل بأجندات دينية متشددة. 
ودخول الروس هناك يعني منافسة إيران في منطقة تعتبر بوابتها التي تربط العراق بسوريا لتكون ممر إيران نحو العمق السوري. وقد يتحول هذا الوجود العسكري الروسي للعب دور شرطي على مرور الإيرانيين براً ومراقبة وضبط من يدخل ويخرج على المدى الأبعد. 
سوريا بالنسبة إلى إيران الحصن الأول لمشروعها التوسعي وبوابتها إلى المتوسط 
كما ستستخدم موسكو هذا الوجود العسكري لحماية ما يشتريه النظام من النفط السوري من الأكراد، ومنع اليد الإيرانية من السيطرة على ما يتركه الأميركيون من مصادر طاقة. 
وهذا التواجد العسكري يأتي في وقت قد تحاول فيه إيران الوصول إلى صفقات مع الأميركيين ليس فقط على الملف النووي، بل ربما وجودها في سوريا وما يمكنها السيطرة عليه هناك. 
فبينما موسكو لا ترى أملاً قريباً لتفاهمات مع واشنطن، لن تترد طهران في ضمان نفوذها في سوريا عبر تفاهماتها المقبلة مع واشنطن إن حدثت. 
ما يجعل التنافس بين البلدين يصل مرحلة حرجة تمنع روسيا من تحويل وجودها الجديد إلى قاعدة كبيرة وبنفس الوقت تكلفها بمهام أكبر. فحجة محاربة داعش لا تقلق أحداً وتلقى ترحيباً من الجميع، والهدف أبعد من ذلك بكثير. 
هذا لا يعني أن الإيرانيين سيستسلمون ويقدمون المنطقة للروس، فالجميع يتذكر الجنوب السوري الذي من المفترض أن يديره الفيلق الخامس التابع شكلياً لجيش النظام وعملياً للروس، وكيف استطاعت إيران عبر ميليشياتها والفرقة الرابعة الموالية لها اختراق المنطقة من جديد، وعدم التزامها بتفاهمات روسية بخصوص تلك المنطقة. 
المنافسة بين الطرفين تسير بدم بارد وبحركات بطيئة كلاعب شطرنج يحاول محاصرة الخصم، حركة روسية صغيرة في الشرق، لا يمكن الاستهانة بها أو الرد عليها من الطرف الآخر.