الرئيسة \  واحة اللقاء  \  صاروخ “إس 300” الروسي مكسب لـ “إسرائيل”

صاروخ “إس 300” الروسي مكسب لـ “إسرائيل”

01.05.2019
مصطفى الولي


جيرون
الثلاثاء 30/4/2019
أعلنت القيادة العسكرية الروسية، قبل أكثر من شهر، أن صاروخ إس 300، المخصص لاعتراض الطائرات والصواريخ قبل تحقيق إصابتها للهدف، قد دخل الخدمة العملية، وأضافت أن مجموعة بطاريات من هذا السلاح قد تم نشرها على الأراضي السورية، لإفشال الغارات الإسرائيلية التي تنفذها الطائرات والصواريخ الإسرائيلية على أهداف فوق الأراضي السورية.
غير أنه في أول تجربة “اشتباك” بين الطائرات الإسرائيلية، في الغارة على مصانع السلاح الإيرانية في منطقة مصياف، ومنظومة إس 300، فشلت تلك المنظومة في اعتراض صواريخ الطائرات الإسرائيلية، ونجحت صواريخ جو- أرض الإسرائيلية في إصابة أهدافها بدقة، بينما فشلت منظومة رادارات إس 300 في كشف تلك الصواريخ، ولم تشتبك مع أي منها، أو مع الطائرات الإسرائيلية التي أطلقت تلك الصواريخ.
حين حاولت الدعاية العسكرية الروسية تبرير ذلك الفشل، قدّمت، على لسان استراتيجيين عسكريين روس، خبرًا عن تطوير “إسرائيل” لصاروخ يستطيع “التحايل” على تكنولوجيا صاروخ إس 300، بصاروخ يسمى “رامبيج”، وأن هذا الصاروخ تم تطويره في مدة زمنية قصيرة، بعد أن تأكدت “إسرائيل” من دخول المنظومة الصاروخية الروسية إلى الخدمة فوق الأراضي السورية، على يد عسكريين من قوات سلطة بشار الأسد.
هنا تتلخص واقعة احتواء صاروخ “رامبيج” لمنظومة إس 300 الروسية، بعدمية الرهان على تفوق السلاح الروسي، في سباق التسلح مع الترسانة الإسرائيلية – الأميركية، ويحيلنا موضوع إس 300 ورامبيج إلى تاريخ طويل من ممارسة العسكريتاريا العربية، حين جعلت التسلح دعاية كاذبة لـ “مواجهة إسرائيل”، ونهبت جهد الشعب وخيرات البلاد لاقتناء السلاح “المتطور”، باعتباره، بحسب ادعاءاتها الفارغة والديماغوجية، العامل الوحيد الذي يمكنها من “مواجهة إسرائيل”.
أما الحقيقة التي بيّنتها “تجربة العسكريتاريا العربية”، في البلدان التي وصفها الخبراء والمنظرون السوفييت بـ “بلدان التطور اللارأسمالي” وتحديدًا المحاذية لـ “إسرائيل” في مصر وسورية، هي في توظيف “إسرائيل” لزعيق التسلح وصراخ الحرب، وبيانات الإعلان عن الحصول على أسلحة تتفوق على السلاح الإسرائيلي، لتوطيد دعامة ترسانتها العسكرية المتطورة، واستدرار المساعدات والقروض من دول الغرب وعلى رأسها أميركا، وتمتين مكانتها في الحاضنة الغربية، والأميركية خاصة، ومن ثم تبرير عقيدتها العسكرية، التي تقوم على مبدأ: الحرب الوقائية، وامتلاك المبادرة “الهجوم” في الحرب، اعتمادًا على عنصر المفاجأة، وحسم المعركة بأسرع وقت، وخوض الحرب خارج أرض “الدولة” الإسرائيلية.
المعنى من ذلك، أن “إسرائيل” نجحت في استدراج العسكريتاريا الحاكمة في كل من مصر وسورية، إلى سباق تسلح تضمن “إسرائيل” أنها تتفوق فيه، وتستخدمه لتمتين لحمتها الداخلية خلف شعار “الخطر العربي”، وتقدِم نفسها أمام الرأي العام العالمي، كدولة يطاردها العدوان والتهديد دائمًا. وفي هذه المناخات، نجحت “إسرائيل” في بناء صناعاتها الحربية المتطورة، ومنذ وقت مبكر، في أواخر الخمسينيات، أسست أول مفاعل نووي، دون أن تكشف عنه في حينه، وأبقت التعتيم عليه سياسة دائمة، ولم تعترف بامتلاكها قنابل نووية، ولم تنفِ ذلك.
لم تكن روسيا السوفييتية جاهلة بحقيقة التفوق الإسرائيلي، في أي سباق للتسلح بين الدول التي تدور في فلكها وبين “إسرائيل”، غير أن استراتيجيتها في زمن الحرب الباردة اقتضت الحفاظ على أنظمة هذه الدول، بصرف النظر عن قدرتها على إلحاق الهزيمة بـ “إسرائيل”، فالتعارض السوفييتي الإسرائيلي تأسس على ارتباط تل أبيب بواشنطن في الحرب الباردة، الذي اكتشفه ستالين في زمن الحرب الكورية (1953)، أي أن الحقوق الفلسطينية والعربية كانت ملحقًا هامشيًا في استراتيجية موسكو السوفييتية، خلال الحرب الباردة.
أما روسيا “بوتين”، فهي تجتهد لإرضاء القيادة الإسرائيلية، وتطمح إلى بناء علاقة وطيدة معها، وصلت في زمن الثورة السورية إلى حد التنسيق والتخطيط المشترك، لتوفير “أمن إسرائيل” والقبول بمقتضياته التي تحددها الزعامة الإسرائيلية، وحل التعارضات بينهما، من جراء التعقيدات والتباينات الجزئية الطارئة، على قاعدة: الحفاظ على أفضل العلاقات مع حكومة تل أبيب، وتجاوز كل الالتباسات والتباينات التي تنتج عن التعقيد في ميدان العمليات، ولقد تبيّن هذا المبدأ بعد حادثة سقوط الطائرة الروسية (إليوشين 20)، فوق الساحل السوري.
غير أن إعادة الاعتبار للسلاح الروسي، الذي يفتخر به جنرالات موسكو، (فطالما أكدوا أنهم جربوا أكثر من 300 نوع جديد من السلاح في سورية) سرَعت بقرار إدخال منظومة إس 300 للعمل في سورية. وإس 400 بوقت لاحق. وإذا صدق الروس أن صاروخ “رامبيج” الإسرائيلي استطاع احتواء منظومة إس 300، فهذا يعني فشلًا للتكنولوجيا العسكرية الروسية في مواجهة نظيرتها الإسرائيلية – الأميركية، أما في حال أنهم كذبوا للتخفيف من غضب “حليفهم” الإيراني، فعندئذ يصبح التنسيق الإسرائيلي الروسي في سورية أولوية يلتزم بها الطرفان (الروسي الإسرائيلي)، على حساب إيران وسلطة بشار، وفي الحالتين تكون “إسرائيل” قد وظفت الدعاية الروسية، ودعاية الممانعين المقاومين، عن فعالية تلك المنظومة (إس 300)، لتعلن إنتاج تكنولوجيا صواريخ (رامبيج) المتطورة، بالتنسيق مع مجمع الصناعات الحربية الأميركية، لأن إحدى نقاط التحالف الاستراتيجي الأميركي – الإسرائيلي، تنصّ على تقديم واشنطن كل وسائل الدعم للصناعات الحربية الإسرائيلية.
هكذا تتحول بروباغندا إس 300 إلى محفز لتطوير التكنولوجيا الإسرائيلية، وإلى إظهار “إسرائيل” بمواقع الدفاع عن حقها في حماية “أمنها”. ولن ينزعج الروس لأنهم ملتزمون بمقتضيات “أمن إسرائيل”. كما أنهم لم يخسروا لأن ثمن السلاح الروسي في عهد بوتين يجري تسديده، من إيران ومن أموال الشعب السوري، وبالأسعار المربحة لاقتصاديات الصناعات العسكرية الروسية.