الرئيسة \  واحة اللقاء  \  شهيّة روسيا نحو لبنان قويّة... ولكن ماذا عن أسنانها؟

شهيّة روسيا نحو لبنان قويّة... ولكن ماذا عن أسنانها؟

02.05.2021
جيرار ديب


النهار العربي
السبت 1/5/2021 
في خضم الصّراع بين الإمبراطوريات لبسط النفوذ وتوسيع رقعة المستعمرات، حاولت الإمبراطورية النمساوية رسم حضورها في العالم، عبر السعي لخوض المعارك بهدف التوسع، ولكن من دون جدوى. ولهذا قال عنها أتو فون بيسمارك، "المستشار الحديدي"، الذي وحّد ألمانيا في القرن التاسع عشر، "إنّ للإمبراطورية النمساوية شهية قوية، وأسناناً ضعيفة"، إذ اعتبر بيسمارك أنّ أوهام النمسا أكبر من طاقاتها، لأنّ مشكلات العصر بحسب زعمه، "لا تحلّ بالخطب ومقررات الأكثرية، بل بالدم والحديد". 
بين النمسا الانهزامية وقوة بيسمارك، أين روسيا اليوم من الانقسام اللبناني القائم على عدم التوصل إلى تشكيل حكومة إنقاذية؟ هل سيكون رئيس روسيا، فلاديمير بوتين، بيسمارك القرن الحادي والعشرين ويوحّد اللبنانيين ويجمعهم لتشكيل حكومة إنقاذ بعد فشل المبادرة الفرنسية؟ أم أن شهية روسيا القوية في دخول الساحة اللبنانية هي ضمان لحضورها في سوريا، وتأمين الاستقرار الأمني لشركاتها النفطية والتنقيب بهدوء في حقول طرطوس، أم ستكون أسنانها ضعيفة، غير قادرة على قضم لبنان بسبب تعقيدات مشكلاته الداخلية والخارجية؟ 
 دخول روسيا في الحرب السورية كشريك لنظام بشار الأسد، كان بالحديد والدم، حيث كانت الشهية قوية والأسنان أيضاً. هذا ما جعل روسيا لاعباً رئيسياً في القضية السورية، إذ أطاحت المعارضة على أشكالها، وكرّست نفوذ بشار الأسد، برغم المعارضة الداخلية والخارجية لهذا النظام. ولكن الواقع في لبنان مختلف، إذ برغم الانكفاء الواضح للسياسات الغربية، إلا أنّ هذا لا يعني أنّهم سيسمحون للروسي بالدخول إلى الساحة اللبنانية، حتى ولو بالحديد والدم. أمام هذا الواقع المعقد، قد تختار روسيا هذه المرة، الحلّ بالخطابات وكثرة المقررات للوصول إلى التسوية، وقد تكون الزيارات المتكررة لموسكو نموذجاً. 
لكنّ من يراقب حركة المسؤولين اللبنانيين إلى موسكو ولقاءاتهم مع وزير الخارجية الروسية، سيرغي لافروف، وغيره من كبار المسؤوليين الروس، يدرك تماماً أنّ هناك شيئاً ما بات يُحضّر للتدخل الروسي في لبنان، لأسباب ترتبط حتماً بالمصلحة الروسية. 
 لقد نقلت أوساط مواكبة لزيارة الرئيس المكلف سعد الحريري لموسكو، أنه تلقى تأكيداً للعمل على "إنقاذ لبنان"، ووعداً بأن يستمر الجانب الروسي في التواصل مع كل الأطراف المؤثرة لحضها على تأدية دور فاعل والضغط للإسراع في تشكيل حكومة تكنوقراط لا ثلث معطلاً فيها. وذلك انطلاقاً من تشديد الرئيس الروسي على أنّ موسكو حريصة على مساعدة لبنان، وستتحرك في سبيل إنقاذه من المحنة التي يمرّ بها. 
بالنسبة إلى الروسي، فإنّ الدعم لم يتوقف على الجانب السياسي فقط، بل أسمعت الحكومة الروسية زوارها كلاماً واعداً في أنّ الشركات الروسية مستعدة للاستثمار في لبنان في مختلف المجالات، لا سيما في إعادة إعمار المرفأ وتشغيله، وفي البنى التحتية ومجال الطاقة. 
كلام الروسي الواعد يحتاج إلى ترجمة عملانية، لا سيما أنّ لبنان يمرّ بأسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، وهو في انهيار مالي ونقدي ينذر بانفجار الوضع على الصعيدين الاجتماعي والأمني. وإنّ دخول روسيا في الحديد والدم إلى لبنان، يبقى من سابع المستحيلات، في ظلّ تزاحم اللاعبين الدوليين، وكلّ يسعى لتحقيق مصالحه. فزيارة وكيل الخارجية الأميركية، ديفيد هيل، الأخيرة، لم تكن وداعية كما صوّرها البعض، بل تحذيرية بلهجة شديدة لتأمين حدود إسرائيل البحرية، من أجل الحفاظ على بئر كاريش النفطية. 
كذلك الخلاف الأوروبي – الروسي حول أزمة أوكرانيا وجزيرة القرم، سينعكس على كل نقاط الصراع بينهما، ولبنان واحدة منها. ففيما يسعى وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، إلى دفع الاتحاد الأوروبي لفرض العقوبات على المسؤولين اللبنانيين المعرقلين لملف تشكيل الحكومة بهدف تشكيل جبهة أوروبية تقطع الطريق على حلم الشهية الروسية، التي تشهد عاصمتها تدفق الوفود اللبنانية المصطفة بانتظام في زيارات استقوائية على بعضهم البعض. 
استطاع الرئيس بوتين إعادة الهيبة إلى الدور الروسي على الصعيد الدولي، وقد برز ذلك بوضوح من خلال تدخله في القرم وأوكرانيا وسوريا وليبيا، ودعم حليفه الإيراني في كسر العقوبات الأميركية المفروضة عليه، إضافة إلى تشكيل الحلف الهشّ مع الصين، حيث الجامع بينهما هو كسر الطوق الأميركي. إلّا أنّ لروسيا نقاط ضعف بارزة، مثل جنون العظمة، واقتصادها المتعثر، وانخفاض في معدلات المواليد، وانعدام الحريات المدنية ومؤسسات المجتمع المدني، وسياساتها النرجسية القائمة على البطش، نقاط تجعلها أكثر ضعفاً من أن تكون لاعبة في ربط المحاور ودور الوسيط.  
تتأرجح روسيا اليوم بين نقاط الضعف والتحديات الجديّة التي تعانيها دبلوماسيتها في كل النقاط الساخنة في العالم، لا سيما من الخصم الأميركي اللدود الذي يصنّفها مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، بالعدو الأبرز، لتضع روسيا أمام فقدان الشهية، إذ تؤكّد مصادر متابعة للوفود التي تزور موسكو، أنّ الروس لا يملكون طرحاً حقيقياً لإخراج لبنان من شرنقة تشكيل الحكومة، بل جلّ ما يقدمه وزير الخارجية نصائح قد تكون شديدة اللهجة، إلى حلفائهم قبل الخصوم لتسريع عملية التشكيل. فإلى حين تبلور المواقف الروسية من الأزمة اللبنانية، يبقى للفرنسي رأي مخالف، فهو الذي يريد إخراج مبادرة رئيسه إيمانويل ماكرون، المتأرجحة صدقيته على المحك.