الرئيسة \  واحة اللقاء  \  شرق سوريا: احتمالات الحرب قبل تسلم الرئيس بايدن مهامه 

شرق سوريا: احتمالات الحرب قبل تسلم الرئيس بايدن مهامه 

21.12.2020
منهل باريش



القدس العربي 
الاحد 20/12/2020 
تجدد القصف المدفعي التركي على منطقة عين عيسى شمالي محافظة الرقة السورية، وبدأت المدفعية باستهداف محيط عاصمة الإدارة الذاتية ليل الخميس، وبدأت فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لأنقرة باستهداف نقاط تمركز قوات سوريا الديمقراطية “قسد” شمال قرية مشيرفة الواقعة على طريق عين عيسى- الحسكة/M4 والتي تعتبر إحدى بوابات عين عيسى من الجهة الشرقية. وتقدم اللواء 123- أحرار الشرقية التابع للفيلق الأول في الجيش الوطني وسيطر على قريتي الجهبل ومشيرفة على طريق M4 وحصلت “القدس العربي” على شريط مصور لعناصر في أحرار الشرقية على طريق M4. 
في حين نفت وسائل إعلام تابعة لقسد سيطرة الجيش الوطني على قرية مشيرفة، وادعى الطرفان سقوط عدد كبير من القتلى من الطرف الآخر، في حين أشارت صفحات مستقلة لسقوط عشرة قتلى من الجانبين. وانسحبت قسد من القرية من دون مقاومة أو دفاع، فجر الجمعة، مع بدء تقدم كتائب الفيلق الأول، ما يرجح عدم سقوط قتلى في الاشتباكات. 
على المحور الغربي، من منطقة نبع السلام، سيطرت فصائل الجيش الوطني، ليل الجمعة، على قرية تينة شمال غرب عين عيسى وهي تحاذي طريق حلب- الحسكة/M4. 
في السياق، تظاهر عدد من الأفراد أمام القاعدة الروسية المتمركزة في مدرسة علي بن أبي طالب في الحي الشرقي من عين عيسى. في حين كانت قذائف المدفعية التركية تتساقط في المنطقة القريبة من عين عيسى، على مرآى ومسمع الضباط الروس. 
واستقدمت قسد تعزيزات عسكرية كبيرة إلى المدينة من الرقة، وبدأت الإدارة الذاتية ومجلس عين عيسى العسكري بعمليات حفر وتحصين غربي البلدة وشمالها، شملت رفع السواتر الترابية وحفر انفاق أفراد على عدة خطوط تحسبا من وقوع الأسوأ بالنسبة لقسد. وقام المجلس العسكري بالتعاقد مع عدد من عمال الحفريات بهدف سرعة التنفيذ. ولم يقتصر التحصين الهندسي على حفر الخنادق بل شمل توسيع شبكة الأنفاق في داخل البلدة ومحيطها. وتعتمد قسد على شبكات الأنفاق التي ورثتها من تنظيم “الدولة” في أغلب المدن، وهو ما تبين في تل أبيض. وحافظت قسد كذلك على شبكة أنفاق منبج وأعادت تأهيلها وفعلت الأمر نفسه في منطقة الجزيرة وكامل حواضر وقرى الضفة اليسرى على نهر الفرات في محافظة دير الزور. 
وعقد مجلس عين عيسى العسكري التابع لقسد والضباط الروس وضباط في جيش النظام جلسة مفاوضات، الأربعاء، لإيجاد حل لوضع عين عيسى. وعلمت “القدس العربي” من مصادر مقربة من مجلس عين عيسى العسكري، أن الروس حاولوا تدوير الزوايا مع قسد، بعد رفضها بشكل قاطع تسليم المدينة للنظام السوري. واقترحوا تسلميها للشرطة العسكرية الروسية، وان تنسحب قوات النظام خارج المدينة وتنتشر على طريق حلب- الحسكة/M4 وان تتراجع قسد عن المدينة إلى حدود 4 كم، بشرط أن تسلم المؤسسات الحكومية إلى حكومة النظام بشكل كامل، وان تدخل الشرطة المدنية فقط، من دون إنشاء مربع أمني أو مفارز أو أقسام أمنية تتبع لمخابرات النظام السوري. 
 
رسائل ضغط 
 
رفضت قسد، ممثلة بالمجلس العسكري في عين عيسى المقترح الروسي مجددا، وعرضت نشر الشرطة العسكرية الروسية وإعطائها مزيدا من المقرات داخل المدينة، وإنشاء ما تريد من المعسكرات، بشرط عدم دخول قوات النظام إلى البلدة. 
وفضلت روسيا الصمت على الهجوم المحدود في محيط عين عيسى، وكذلك فعلت تركيا، وقيادة الجيش الوطني، وقائد الفيلق الأول الذي يتبع له تجمع أحرار الشرقية. وقال مصدر عسكري في أحد الفصائل التابعة للفيلق الأول “أرسل العميد معتز رسلان قائد الفيلق رسالة نفى فيها بدء عملية عسكرية، وان قيادة الجيش والفيالق لم تتلق أي إشارة أو تعليمات من تركيا من أجل الاستعداد لعملية” مكتفيا بالقول “لا يوجد عمل عسكري”. وأصبحت المناوشات عبارة عن رسائل ضغط من كل الأطراف على قسد من أجل تسليم البلدة للنظام السوري. فبعد مضي ثلاثة أسابيع على المفاوضات الثلاثية بين روسيا والنظام وقسد، وامتناع الأخيرة عن تقديم أي تنازل بخصوص عين عيسى، فمن غير المستبعد أن تطلق روسيا يد فصائل الجيش الوطني السوري في محيط عين عيسى وتركها تسيطر على عدة نقاط على طريق M4 كما حصل الجمعة، بهدف إجبار قسد على تقديم التنازلات. 
على صعيد المفاوضات، تفيد التجارب السابقة التي خاضتها وحدات حماية الشعب الكردية مع روسيا أنها رفضت تسليم النظام السوري منطقة عفرين، خلال المفاوضات التي حصلت في حلب مطلع 2018 ودفعت الوحدات ثمنها غاليا بسماح روسيا لتركيا شن عملية غصن الزيتون التي أسفرت عن سيطرة تركيا وفصائل المعارضة الموالية لها على عفرين، وحصر نشاط قسد في جيب صغير شرقي عفرين، أطلقت عليه “الإدارة الذاتية” اسم منطقة الشهباء. 
في نهاية صيف 2019 رفضت قسد مجددا الانسحاب إلى 30كم خارج المنطقة الحدودية، وخاضت مواجهة غير متكافئة مع الجيش التركي والجيش الوطني السوري، أدت لخسارتها مناطق واسعة من محافظة الحسكة والرقة، تمتد من تل أبيض غربا إلى حدود تل تمر شرقاً. 
لكنها نجحت في تخفيف الغضب التركي في موافقتها على اتفاقي تركيا المنفصلين، مع أمريكا وروسيا، في تشرين الأول (أكتوبر) 2019 وسمحت لقوات النظام السوري بالانتشار رمزيا في مناطق التماس مع الجيش التركي، بهدف منعه من توسيع منطقة عملياته. وامتصت الغضب التركي بتسهيل عمل الدوريات الروسية التركية المشتركة. 
وتتسابق الأطراف في شمال الرقة لفرض واقع جديد، خلال 30 يوما، قبل تسلم الرئيس الأمريكي المنتخب جوزيف بايدن صلاحياته في 20 كانون الثاني (يناير) 2021. ففي حال انقضت الثلاثون يوما دون تغيير في خريطة السيطرة، فمن المرجح عدم تغيرها خلال ولاية الرئيس الأمريكي الجديد، مدة أربع سنوات مقبلة. وهذا ما يشجع تركيا لتستغل الفترة الضيقة والبحث عن الخواصر الرخوة في مناطق سيطرة قسد. وتنظر إلى عين عيسى على أنها أضعف النقاط باعتبار أن جيشها يقف على مشارفها من الجهة الشمالية وتقع على تحت مدى نيران رشاشات فصائل الجيش الوطني. وهي في الوقت ذاته، تعتبر العاصمة السياسية للإدارة الذاتية، ومركز هيئاتها. وتتوسط عين عيسى مناطق سيطرة قسد الممتدة من ريف حلب الشمالي وصولا إلى الحدود العراقية، وانتزاعها من يد قسد يعني خسارة طريق M4 الذي يربط بين منبج والحسكة، وهو أهم الطرق الحيوية على الإطلاق في شمال وشرق سوريا. 
يشير إخفاق المفاوضات إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي وذراعه العسكري “وحدات حماية الشعب” يقاومان الضغط الروسي على وقع نيران المدافع التركية والرشاشات الثقيلة للجيش الوطني، حتى مع السيطرة على عدة قرى. فهي تدرك أن الضغط العسكري التركي يصب في مصلحة الجانب الروسي ومصلحة النظام في نهاية الأمر. وهذا لا تمانعه أنقرة بطبيعة الحال حيث تهدف إلى تحطيم سلطة حزب الاتحاد الديمقراطي باعتباره ذراعا سوريا لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه إرهابيا منذ 35 عاماً. 
مع تعقيدات ملف عين عيسى تتراجع احتمالات الهجوم التركي، فهو يحتاج إلى موافقة روسية يبدو أنها غير متوفرة حتى اللحظة بسبب الاتفاق الروسي التركي الذي يخول روسيا بالإشراف على طريق M4 إلا إذا حصل توافق عبر الخط الساخن بين أنقرة وموسكو يقضي ببدء تركيا لعملية عسكرية تطرد فيها وحدات حماية الشعب من عين عيسى ومناطق أخرى، ومن ثم تقوم بتسليمها لروسيا شريطة عدم السماح لقسد بالدخول إليها. ورغم غرابة هذا السيناريو فهو غير مستبعد في جنون الحرب السورية، وفي ظل المخاوف التركية الكبيرة من أجل حماية أمنها القومي، وسيخلق في صفوف جمهور الثورة والمعارضة انقساما كبيرا مرة أخرى حول أولويات فصائل الجيش الوطني وتوجهاتها وولائها المطلق لتركيا.