الرئيسة \  مشاركات  \  سيناريوهات الحلّ المُنتَظَرة في إدلب

سيناريوهات الحلّ المُنتَظَرة في إدلب

04.08.2019
د. محمد عادل شوك




عقب الاتفاق المبرم بين تركيا و روسيا في منتجع سوتشي، في: 17 سبتمبر/أيلول 2018، راجت عدة سيناريوهات لما يمكن أن تخضع له إدلب، ولاسيما بعد خضوعها لهيمنة هيئة تحرير الشام مطلع سنة 2019، عقب تسع عمليات اقتتال مع الفصائل الرافضة للعمل ضمن شروطها، وهو الأمر الذي أدّى إلى تعقيد المشهد حتى على الهيئة نفسها.
و كانت هذه السيناريوهات على النحو الآتي:
1ـ هجوم عسكري شامل.
2ـ عملية عسكرية محدودة.
3ـ إبقاء الوضع على ما هو عليه.
4ـ قيام الهيئة بعملية تغيير ذاتي لبنيتها و نهجها.
و بعد دراسة النتائج و التداعيات المحتملة لكلٍّ منها، ذهبت الآراء إلى استبعاد الخيارين: الأول، و الثالث، و إعطاء فرصة نجاح للخيارين: الثاني و الربع؛ كونهما أقرب إلى الواقع، و إنْ ليس على وجه الدقة، مع إمكانية الدمج بينهما.
و هو ما تشهده المنطقة منذ مطلع شهر أيار الفائت، حيث شرعت روسيا، باستهداف مستمر ومركز لأهداف حيوية في إدلب على مدار العام الفائت، و تمّ التصعيد بشكل غير متوقّع منذ شهر مايو/ أيار الفائت، بذريعة أنّ هذه الضربات المستمرة ستضعف الهيئة، و المجموعات الجهادية؛ بما يحملها على أن تقوم بإجراء تغييرات كبيرة في نهجها و سياستها، و يحدّ من فرص استمرار مشروعها.
وفي تلك الأثناء تتعهّد تركيا ببذل المزيد من الجهد للضغط على الهيئة، بغية قبولها بتنازلات قاسية يمكن أن تُرضي موسكو، و تجعلها تقنع باستحالة بقاء الحال على ما كانت قبل شهر مايو/ أيار، عندما وجدت الهيئة فيه نفسها بحاجة إلى مساندة الفصائل التي كانت على خصام منها، فضلاً على الغطاء السياسي التركي، و المدد اللوجستي، و إبقاء معبر باب الهوى دونما تضييق أو إغلاق.
مثلما ينتظر منها أن تقوم بجهد حقيقي تقنع فيه روسيا بالتخلّي عن الاستمرار في الخيار العسكريّ، الذي شرعت فيه، متوقعة سهولة و سرعة الحسم.
و من غير المحتمل أن تنفض تركيا يدها من هذا الاتفاق مع روسيا، نظرًا لتقاطع المصالح بينهما، ولاسيّما بعد البدء بتوريد مكونات صفقة S 400، فضلاً على وجود مصالح روسية هامة في سورية أو خارجها، بما يدفع الكرملين لتجديد التزامه مع أنقرة، فالعلاقات التركية - الروسية، التي سمحت ببقاء الوضع الراهن منذ بداية عام 2019، يمكنها أن تجعله يستمرّ مستقبلاً، طالما أن المصالح الروسية الكلية متحققة في العلاقة المتينة مع أنقرة، كما أن إدلب في واقع الحال لا تمثّل ملفًا يسهل الحسم فيه بالنسبة لموسكو، مثلما كان في الجنوب، أو ريفي دمشق و حمص الشمالي. 
و غير مستبعد أن تقوم الهيئة بالتوازي مع ذلك بمبادرة ذاتية، تجري فيها بعض التعديلات الجوهرية في سلوكها وسياستها، بما يسمح بتحييد السيناريوهات الخطرة عن المحافظة.
وقد تشمل تلك التغييرات الجوهرية حلّ نفسها، و انسحاب قياداتها الحاليين من المشهد، وإخراج كل المقاتلين الأجانب من المحافظة، وتسليم إدارة المحافظة لإدارة مدنية فعلية تُمثل أهالي المحافظة.
و ذلك بعد وصول قيادة الهيئة إلى قناعة بأنه لن يمكنها العبور إلى المرحلة المقبلة، وأن أي تخيّلات أو مقارنات بهذا الخصوص لا تملك أيّة أسس واقعية، وأن البديل عن إجراء هذا التغيير سيكون قاسيًا على الهيئة أفرادًا ومشروعًا، وعلى المحافظة وسكانها.
و بموجب ذلك تقوم تركيا بالتوصل إلى تفاهم مع روسيا، يتمّ بموجبه رعاية المؤسسات المدنية التي ستُقام في المحافظة، والإشراف على الفصائل المحلية التي ستتولى رعاية الأمن فيها، على غرار نموذجي درع الفرات و غصن الزيتون.
لقد بات جليًّا أنّ أيًّا من الأطراف المتدخِّلة في الملف السوريّ، لا يملك خيارًا سهلاً في التعاطي مع إدلب؛ نظرًا لتداخل ملفها مع جملة من الملفات الأخرى، بما فيها مصالح فاعلين آخرين غير تركيا وروسيا وإيران، ونظرًا لحجم التداعيات الكبيرة المرفقة بأي سيناريو سيتم اعتماده.