الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سياسة تركيا في سوريا بين الجذب الأميركي والبقاء في الحلف الروسي

سياسة تركيا في سوريا بين الجذب الأميركي والبقاء في الحلف الروسي

03.06.2019
رانيا مصطفى


العرب اللندنية
الاحد 2/6/2019
تتمسك تركيا باتفاق سوتشي الموقع مع روسيا في 17 سبتمبر الماضي. لذلك هي تطالب موسكو بالضغط على النظام السوري للتراجع عن المناطق التي استولى عليها في كفرنبودة وقلعة المضيق، لكنها في الوقت نفسه، لم تقم بخطوات فعّالة لاستكمال بنود الاتفاق في ما يتعلق بحلّ معضلة المتشددين، وسحب السلاح الثقيل، وفتح الطرق الدولية، وتسيير دوريات مشتركة مع روسيا.
مردّ ذلك انعدام الثقة بالحليف الروسي، الذي يريد إعادة مناطق المعارضة، وكذلك مناطق شرقي الفرات، إلى سيطرة النظام، دون ضمانات، أو قدرة، على تحقيق شروط أنقرة في ما يتعلق بأمنها القومي من خطر “وحدات حماية الشعب” الكردية ونشاط “حزب العمال الكردستاني” على حدودها مع سوريا.
ورغم اشتداد حدّة القصف، وتصاعد أعداد الضحايا إلى المئات، ونزوح قرابة 270 ألف مدني إلى حقول الزيتون، وتدمير قرابة 22 مركزا طبيا خلال شهر مايو، يمكن القول إن العملية الروسية- النظامية في إدلب مازالت محدودة، ولم تستخدم روسيا سياسة الأرض المحروقة، كما فعلت بالغوطة الشرقية العام الماضي، حتى لا تتسبب بكارثة نزوح إلى تركيا، ستؤدي إلى انقلاب كلّي في موقف الحليف التركي، وإلى غضب أوروبي ورفض أميركي.
بالمقابل، لا تقدّم تركيا دعما مطلقا للفصائل، فمازالت مشاركة فيلق الشام، أكبر الفصائل المدعومة من أنقرة، محدودة ومقنّنة. ولم تسمح تركيا بعدُ للفصائل بفتح جبهات جديدة، وإخراج السلاح الثقيل، بل اكتفت بتعزيز نقاط مراقبتها في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي. وقدمت السلاح والمعلومات الاستخباراتية والخرائط للفصائل. ومررت مقاتلين من درع الفرات إلى شمال حماة، ما قوّى جبهة المعارضة، حيث جرت معارك كرّ وفرّ في كفرنبودة؛ وبالتالي أرادت تركيا أن يبقى ردّها في إطار منع اقتحامات ميليشيات النظام، واستعادة المناطق التي أخذتها القوات الحكومية منذ بدء الحملة الأخيرة.
ورفضت أنقرة الموافقة على عرض موسكو بإعادة رسم حدود اتفاق سوتشي، بتثبيت المناطق التي سيطر عليها النظام السوري، في الوقت الذي بدأت فيه الفصائل الإسلامية، المتشددة والمعتدلة، بالتوحد، بعد اجتماع شارك فيه قادة هيئة تحرير الشام وصقور الشام وأحرار الشام وجيش العزة.
وبالتالي يحاول الطرفان التركي والروسي الإبقاء على روح اتفاق سوتشي، أو بالأحرى يحاولان تجنّب نعيه، للإبقاء على خط الرجوع إليه. لكن أزمة الثقة بين الطرفين جعلتهما يبحثان عن أوراق ضغط، لتحقيق مصلحة كل طرف منهما.
في الوقت نفسه، لا يزال الحديث عن تفاهم روسي- تركي حول مقايضة دخول فصائل موالية لأنقرة إلى مدينة تل رفعت وإضعاف سيطرة وحدات حماية الشعب، مقابل دخول جيش النظام وروسيا إلى شمال حماة ومثلث جسر الشغور لحماية قاعدة حميميم الروسية. لكن التصعيد الروسي في إدلب جعل الفصائل تنسحب من تل رفعت بعد الدخول إليها، فيما عززت روسيا نقاطها فيها.
حسمت الإدارة الأميركية الجدل حول تداعيات قرار الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من سوريا، باتجاه تعطيل القرار، بل وأن تأخذ الولايات المتحدة دورا حاسما في الملفّ السوري، حسب ما يوضّحه خطاب الـ400 نائب في الكونغرس، والذين يشكّلون أغلبية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
يدعو الخطاب إلى تطوير السياسات التي يمكنها أن توقف التهديدات المتزايدة للمصالح الأميركية، والقضاء على الإرهاب، وتركيز الجهود لمواصلة الضغط على إيران وصولا لطرد ميليشياتها من سوريا، وتحصين تفوق الحليف الإسرائيلي، وحماية مصالحها في الخليج، حيث مصادر الطاقة، وبقاء قسم من القوات الأميركية للضغط المستمر على روسيا كي لا تستفرد بتقرير مصير سوريا.
يأتي الضغط الأميركي على روسيا من بوابة التقارب مع تركيا، خاصة بخصوص إنشاء المنطقة الأمنية شمال شرقي سوريا، وملفّها يكاد يحسم لمصلحة تهدئة المخاوف التركية، الأمر الذي أزعج روسيا، ودفعها إلى التصعيد في إدلب.
تعمل الإدارة الأميركية على فتح حوار بين الحكومة التركية والأكراد، لا يتعلق فقط بترتيب الوضع الجيوسياسي لشمال شرق سوريا، بما يحفظ نفوذ القوات الكردية في المنطقة، ويلبي الهواجس الأمنية التركية، بل بعودة المسار السلمي في الداخل التركي، خاصة مع اقتراب حسم معركة رئاسة بلدية إسطنبول. ومن هنا سمحت الحكومة التركية بزيارة قادة حزب العمال الكردستاني في سجونها، وأتى تصريح عبدالله أوجلان بـ”أخذ الهواجس التركية بعين الاعتبار” في سوريا.
وغير ذلك، لم تكن واشنطن راضية عن إتمام صفقة أس400 بين روسيا وتركيا، وتحاول تعطيلها بالفعل، وقد نشرت رويترز خبرا عن بدء مباحثات تركية- أميركية لشراء صواريخ باتريوت.
تستقوي تركيا بعودة حليفها التقليدي، الولايات المتحدة، بقوة إلى الملف السوري، لكسب أوراق ضغط على حليفها الروسي غير الموثوق في سوريا، خاصّة أن حلفها الأخير فرض عليها الخضوع للأجندة الروسية، والصمت عن مطلب إسقاط نظام الأسد، والقبول بتشكيل اللجنة الدستورية وفق مؤتمر سوتشي “للحوار الوطني” مطلع 2018، بينما رغبتها تتناسب أكثر مع الطرح الأميركي بالعودة إلى القرارات الأممية خاصة القرار 2254.
على صعيد مواز، تجري محادثات أميركية- روسية حول “خطة سلام” لإنهاء عزلة سوريا دوليا، وحسب تصريح جيمس جيفري، المبعوث الأميركي إلى سوريا، بعد اجتماع مغلق لمجلس الأمن حول سوريا ليل الأربعاء الماضي، فإن موسكو وواشنطن تستكشفان مقاربة تدريجية، خطوة خطوة، لإنهاء النزاع السوري المستمر لثمانية أعوام. ويبدو أن المجتمع الدولي راغب بإنهاء الأزمة السورية، حيث تجري في كواليسه مباحثات لتهدئة روع الروس.
إيران بدورها متخوّفة من أنّ التقارب التركي- الأميركي سيطال تواجدها الاستراتيجي في سوريا، ومهتمة بالإبقاء على حلف أستانة، خوفا من توافق أميركي- روسي- تركي على إخراجها. وهي مازالت تملك أوراق قوة على الأرض، وفي دوائر قرار النظام، وتحوز على الاستثمارات الاقتصادية طويلة الأمد، وبالتالي هي تعتاش على الخلافات الروسية الأميركية والروسية التركية، أي أن لها مصلحة في عدم التقارب حول الحل السوري.