الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريّون تحت الشمس

سوريّون تحت الشمس

03.09.2015
عيسى الشيخ حسن



الشرق القطرية
الاربعاء 2/9/2015
لن يدقّوا الجدران، ولن يستيقظ الندم في صدر السائق، ولن يبكي عليهم أحد، خلا محطة أو محطّتين، أعادتا الخبر قبل أن يترجّل عن الخبر الأول لموتى جدد، في مكان آخر، ولا عزاء، لاعزاء لبلاد نزح نصف سكانها عن بيوتهم، وما يزيد الكارثة بؤساً أنّ معظم الغرقى باع كلّ شيء لدفع "المعلوم" للمهربين، دون أن يعرف أنها تذاكر الموت. كانت السفن المتهالكة تفعل فعلها، والمهربون وعصابات السلب والنهب في ديار السلاف وضمير العالم النائم أيضاً يشتركون مع أمراء الحرب وسماسرة السلام في قتل شعب كامل.
كنت سأقول لطارق بن زياد: سامحك الله يا شيخ، لماذا أحرقت السفن، وتركتنا لمراكب متعبة عجزت عن إكمال الطريق، كنت سأقول لعمرو بن كلثوم متى ضاقَ البرّ عنكم فملأتم البحر بسفنكم، كنت سأقول. وكانوا يتمثلون لما يجري لهم بأقوال الشعراء السابقين فيقولون: قاتل الله الشاعر فلان فكأنه معنا الآن، ورغم أنّ كثيرين قالوا معي: كأنه معنا الآن، كأن غسان كنفاني كتب قصته ليس لحادثة تخيلها، بل لحادثة ستأتي بعد حين، وما بين شبهة التناصّ بين الواقع البائس، والقصّة القديمة، كانت الدهشة ممزوجة بالألم إزاء سيارة برّاد شاحنة مخصصة لنقل الفرّوج المجمّد، تعبر الحدود بين هنغاريا والنمسا، وتحمل في الصندوق لاجئين هاربين من الموت، تركهم السائق الجشع لمصيرهم، يموتوا خنقاً.
ثمّة تناصّ، وثمّة استبصار بواقع عربي مندفع بقوة الحلم إلى وجع النهايات الفاجعة، الكارثة لم تعد تعني المكان، بل صارت تطارد الإنسان، الإنسان الذي أراد الخلاص من الذلّ بالموت، فانتهى إليهما معاً.
يلتقي سائق الشاحنة مع سائق صهريج "رجال تحت الشمس" في دافع الربح، لكن سائق الصهريج كان يريد للرجال الثلاثة أن يصلوا بالسلامة، عكس السائق الهنغاري الذي ترك واحداً وسبعين لاجئاً للموت خنقاً، لأنهم لايعنون له أيّ شيء، ماداموا يسقطون بالجملة تحت الشمس والبراميل والقذائف والسواطير والنخّاسين، والعجيب في الأمر كما كتب أحد المثقفين: أنّ اللاجئين قرؤوا بالتأكيد قصة كنفاني، فلماذا لم يتعلموا منها.
أيّ خنجر لم يغمد نصله فينا؟