الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سورية 1941 وسورية 2019: ثلاثة حروب من زمنين مختلفين

سورية 1941 وسورية 2019: ثلاثة حروب من زمنين مختلفين

23.04.2019
محمد السلوم


جيرون
الاثنين 22/4/2019
كتب الجنرال الفيشي توني آلبورد، في وصف الجنود العلويين واللبنانيين الذين كانوا مجندين تحت قيادته، ضمن جيش المشرق الفيشي عام 1940: “الجندي العلوي قادرٌ، السوري بسيطٌ ومنضبط، ولكنه مناهض للسلطة، سهل الإثارة وغير مثقف. روحه القتالية منخفضة. واللبنانيون مرتزقو ضمير، مدنيون يرتدون الزيّ العسكري. الطبقات الوسطى السورية واللبنانية ليس لديها أيّ احترام للجيش، أبناؤها يجب أن يكونوا محامين”.
كأن الفيشية تتجسد اليوم في الاحتلال الإيراني والروسي للأراضي السورية، وسيطرتهما على 60 بالمئة من البلاد، فيما تجسد إدلب “فرنسا الحرة” في جانب مُعيّن، من حيث تعرّض فرنسا للاحتلال النازي، وقيام “فرنسا الحرة” بقيادة شارل ديغول، في حين ما زالت منطقة شرق الفرات تحت حماية أميركية وتغطية جوية غربية.
في 23 آذار/ مارس عام 2019، أعلن الحلفاء القضاء على بقايا (داعش) في الباغوز، بعد حوالي خمس سنوات من إعلان “البغدادي” قيام “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) في 29 حزيران/ يونيو عام 2014، في جامع النوري في الموصل، وقد شكّل ذلك الإعلان طوق نجاة للنظام السوري، لإشغاله العالم عن الثورة السورية ضد نظام قمعي دموي.
هزم الفيشيّون الديغوليون، فقد تكوَّن جيش ديغول من جنودٍ ليسوا ذوي خبرة، إضافة إلى جنودٍ نيوزيلنديين وأستراليين، فيما كانت بريطانيا منشغلة بالقضاء على ثورة رشيد عالي الكيلاني، في العراق عام 1941، وتوجه مفتي القدس عبد القادر الحسيني إلى برلين، طلبًا لمساعدة ألمانيا النازية لمواجهة الإنكليز. انتصرت بريطانيا على الثوار العراقيين المدعومين من ألمانيا، وأدى ذلك إلى اتخاذ بريطانيا قرار التدخل لمصلحة الديغوليين.
حروب سورية الثلاثة 1941
اندلعت المعارك التي خلفت عشرة آلاف قتيل و600 طائرة وسفن حربية عدة، وكان ذلك على الأراضي السورية، وكانت تلك الحروب في ثلاثة محاور:
المحور الساحلي: يبدأ من حيفا إلى بيروت فطرابلس فاللاذقية.
المحور الأوسط: يتكون من حمص وحلب عبر طريق زحلة.
المحور الشرقي الجنوبي: يتكون من درعا ودمشق وحمص عبر طريق الأردن.
لكن الديغوليين وحلفاءهم هُزموا في البداية، وقد استسلمت كتيبة أسترالية، قوامها 600 جندي، للكوكبات الشركسية التابعة لحكومة فيشي التابعة للنازية الألمانية، فتم الهجوم المعاكس عبر محور الجولان فالقنيطرة، الذي قامت به القوات البريطانية في فلسطين، وانضمت إلى قوات “فرنسا الحرة” القوات الشركسية في القنيطرة العاملة ضمن “جيش المشرق”، لتدخل دمشق في 14 حزيران/ يونيو عام 1941، وكان ذلك نتيجة اندلاع ثلاثة حروب خفية على الأرض السورية عام 1941:
الحرب بين بريطانيا من جهة، والسوفييت والنازيين من جهة أخرى، إذ كان التقارب السوفيتي النازي يثير هواجس الإنكليز في بداية الحرب العالمية الثانية، ولكن انشغال الألمان بعد ذلك بالهجوم على السوفييت عام 1941 جعل بريطانيا تعيد حساباتها.
حرب الفرنسيين الديغوليين ضد الفرنسيين الفيشيين.
حرب البريطانيين ضد فرنسا الحرة، إذ وجدت الأخيرة سورية منطلق التحرر من النازية، وملاذها الآمن للتحرر أيضًا من عدوها التقليدي الإنكليزي، وإعادة هيبتها المفقودة على إثر احتلال هتلر لفرنسا.
الصراع الخفي بين تشرشل وديغول في السيطرة على سورية ولبنان
رفض تشرشل إذلال قوات فيشي المهزومة، وتم توقيع اتفاقية عكا التي وصفها بالهدنة، إذ كان يستخدم الفيشيون التفاوض غير المباشر مع النازيين، فيما رفض ديغول السياسة البريطانية التي تدعم التوجه نحو السيطرة على كل سورية ولبنان، البلدين اللذين يعدّهما شارل ديغول تابعين لـ “فرنسا الحرة”، لتوسيع نفوذها ولجعلهما منطلقًا لتحرير فرنسا من الألمان.
حاول ديغول استمالة السوريين، بعد دخول القوات البريطانية وقوات فرنسا الحرة دمشق، وخطب في جامعة دمشق، وأكد فيها استقلال سورية في وقت قريب، لكنه لم يفِ بوعوده إلى أن انتهت الحرب العالمية الثانية، لكن إنذار تشرشل ديغول، بعد قصف الأخير دمشق بالطائرات، أدى إلى سحب قوات فرنسا من سورية، والاعتراف باستقلالها الكامل.
حروب سورية الثلاثة 2019
تسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” بدعم أميركي على منطقة شرقي الفرات، ويسيطر “الجيش الحر” من قوات (درع الفرات) بدعم تركي، على الزاوية الشمالية الغربية من سورية، ويسيطر النظام السوري على 60 بالمئة من بقية الأراضي السورية، بدعم إيراني روسي، ويقوم اليوم بالتصعيد العسكري على جبهة إدلب.
يتداخل في الحرب الصراعُ السوري-السوري، والصراع الإقليمي، والصراع الدولي، في بلد محوري جيوستراتيجي، من سوء حظ شعبه أن يدفع ثمن ثورته اليتيمة التي قام بها ضد نظام دكتاتوري.
الصراع بين روسيا والولايات المتحدة في السيطرة على سورية اليوم
بات العالم يعلم أن مقولة: “أميركا أولًا” التي يتبناها الرئيس الأميركي ترامب، مجرد شعار، إذ يستمر وجود الولايات المتحدة في سورية في التنف وشرقي الفرات، وهي تتنافس مع الروس ولا تتفق معهم؛ فالإسرائيليون يقصفون القواعد الإيرانية في سورية، والولايات المتحدة لم تشارك في قمم أستانا وسوتشي، في صراعها مع الروس في المنطقة، وصادق ترامب على وثيقة الاعتراف بضم الجولان إلى “إسرائيل”، ضمن “صفقة القرن”، فيما سارع الروس إلى إهداء نتنياهو رفات جندي إسرائيلي، قُتل في معركة السلطان يعقوب عام 1982 في لبنان، بعد أن بحثوا عنه في دمشق ثم أرسلوه إلى “إسرائيل” عربون صداقة.
كانت الولايات المتحدة قد اتفقت مع الروس على استخدام قوات التحالف الأجواء السورية، في حربها على (داعش)، منعًا للصدام الجوي بينهما، وهذا ما كانت تفعله بريطانيا حينما اعترضت على الفيشيين، بسبب سماحهم للطائرات الألمانية النازية التزود بالوقود في حلب، لدعم الثوار العراقيين ضد الإنكليز عام 1941، وكانت في البداية قد غضت الطرف عن هذا التصرف لأنه يستهدف السوفييت.
لا تختلف سورية 1941 عن سورية 2019 كثيرًا، من جهة صراع قوى عظمى للسيطرة عليها، وتتفق هذه القوى فيما بينها على قواعد محددة، مثل عدم الاشتباك المباشر والعلني، لكنها تتصارع فعليًا على الأرض السورية من جهة السياسة وفرض النفوذ.
لكن هل تنتهي هذه الحروب بانتصار سورية؟ فقد بدأت بالتخوف البريطاني عام 1939 من التقارب السوفيتي النازي، وكانت سورية نقطة محورية لها، وتجاوزت خلافاتها مع ديغول الذي عدَّته في البداية تابعًا لها، لكنه تمرد عليها وفرض شروطه في النهاية، وخرج بفرنسا الحرة، وكذلك تمردت سورية على ديغول، وتحررت ونالت استقلالها.
المقارنة تبدو معقدة، لكن القوى العظمى تغيّرت، وكذلك مبادئ التنافس الدولي، بين اليوم والأمس، على الساحة ذاتها، حيث يظهر الطلسم السوري، وقد وصف كيسنجر (وزير الخارجية الأميركي الأسبق) ذات يوم، سورية بـ “الغموض البنّاء” الذي يصعب تفسيره.