الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سورية خارج السجادة الإيرانية

سورية خارج السجادة الإيرانية

28.04.2019
عمار ديوب


جيرون
السبت 27/4/2019
استطاعت الثورة السورية دحر النظام في 2013، وتدخلت الميليشيات الإيرانية لإنقاذه حتى 2015، حيث اضطر النظام وإيران إلى استدعاء روسيا لإنقاذهما من الهزيمة المحققة. كانت إيران تتوهم أن السياسات الأميركية لن تتصاعد ضدها، ولا سيّما أنهما تحالفا معًا، إبّان غزو العراق 2003، وأفغانستان 2001، كما تحالفا في تشويه المقاومة العراقية بالجهاديين، على إثر الاحتلال الأميركي. مشكلة إيران تكمن في أوهامها الكبرى، فهي تنتقم من دول المنطقة كافة، ولا سيّما الدول التي وقفت مع العراق في الحرب بين البلدين 1980-1988، وتخوض صراعًا طائفيًا ضدها، حيث ليس لدى إيران صادرات يمكن أن تقارن بأي دولة أوروبية؛ صادراتها نفط وطائفية. أوهامها بعدم تغيّر التحالفات دفعتها إلى منافسة أميركا في العراق، وروسيا في سورية، والخليج في اليمن، وبالطبع “إسرائيل” في لبنان.
النفوذ الإقليمي للدول لا تحققه “المصالح” الطائفية، وهو يتطلب أشكالًا متعددة من القوة، تبدأ بالاقتصاد ولا تنتهي بالتعليم والثقافة والحريات والديمقراطية. والسؤال: ما هو النموذج الإيراني الذي يشكّل استقطابًا عربيًا نحوها؟ ليس هناك شيء من كل ذلك، ولهذا لعبت دورًا في تدمير الدول العربية، كما يحصل في العراق واليمن وسورية ولبنان. بخصوص سورية، هناك الكثير من الشائعات أنها لعبت دورًا مركزيًا في إقناع النظام السوري بالخيار العسكري والأمني؛ وبغض النظر عن صحة ذلك، فإن حجم التدخل الإيراني يوضح أن إيران فعلًا لم تترك إمكانية لدعم النظام السوري إلا تحركت من خلالها، دعمته بالميليشيات، وبخط ائتماني مستمر للشهر العاشر من 2018، وبمختلف أنواع الخبرات العسكرية والأمنية. طبعًا لم يكن قادة إيران وإعلامها ليصمتوا عن زهوهم هذا، فكانوا يعلنون دول العراق واليمن وسورية ولبنان، محافظات في الدولة الإيرانية. كل هذه الأوهام تلاشت في الأشهر الأخيرة، على وقع انتهاء الفصائل العسكرية المقاتلة للنظام، وعلى وقع التحالفات الإقليمية والدولية التي تنسجها أميركا لإعادة إيران إلى حجمها الطبيعي، وربما لتغيير نظامها ذاته. الأمر يتصاعد، ولا سيّما بعد خروج أميركا من الاتفاق النووي، ومؤخرًا رفضت أميركا التجديد للدول الثمانية المسموح لها الاستيراد من إيران، ورافق هذه التهديدات الإعلانُ الأميركي بأن أميركا ستصفّر الصادرات الإيرانية، أي ستُغلق أغلبية منافذ إيران إلى العالم.
روسيا كانت تحتاج إلى إيران في سورية، كميليشيات عسكرية، ولكن ذلك لم يعد ضروريًا، فقد أخلت الفصائل كافة أماكنها من دمشق ومحيطها ودرعا وحمص ومناطق كثيرة، وكذلك تراجع وجود (داعش)، وتعاظم التنسيق الإسرائيلي الروسي، وهذا بدوره يتطلب إخراج إيران من سورية، وأيضًا هناك الشروط الأميركية التي تكررها: “إخراج إيران، التخلص من داعش، إحداث تغييرات في النظام”، لتسليم سورية لها، وبذلك تصبح إيران مشكلة أمام روسيا، بعد أن كانت تتحالف معها. الصدامات العسكرية في شمال حماة وحلب ودير الزور ومناطق كثيرة، وكذلك الفيتو الروسي على كافة العقود والاتفاقيات الاقتصادية، وآخرها ما يخص مرفأ اللاذقية، وهناك الاختلاف حول أجهزة الأمن والجيش السوريين، حيث كل دولة تستميل أطرافًا منها لصالحها، وهناك ألوية وكتائب وفروع أمن أصبحت تابعة لكل منهما. قصدت من الإطالة في المعلومات المتداولة هذه توضيح أن روسيا أصبح من مصلحتها الابتعاد عن إيران في سورية، ووراثة كل ما تملكه ووضع يدها عليه.
في العراق، خرجت تظاهرات من مناطق كانت تُحسب لصالح إيران، وفي سورية، مع اشتداد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فضلًا عن التململ السابق من طائفية إيران، هناك كتلة بشرية واسعة ترفض الوجود والتشيع الإيراني في سورية، الأمر ذاته في لبنان واليمن؛ هذه التطورات تعتمد على الافتراق الأميركي عن إيران، وكذلك الافتراق الروسي عنها، ولكنها كذلك نتيجة غباء السياسات الإيرانية ومحدودية أفقها، وبالتالي هناك إمكانية كبيرة للمساومة، بين روسيا و”إسرائيل” والولايات المتحدة الأميركية، بما يطرد القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها من سورية، والأخبار بخصوص ذلك لا تغيب يومًا عن الإعلام.
إيران أرادت الحفاظ على علاقات قوية مع النظام. إنّ فشل النظام في إدارة أزماته وطول أمدها، والتدخل الدولي الواسع، أشعر إيران بأن كل ذلك سيذهب هباء، ولهذا أوقفت الخط الائتماني عن البنك المركزي السوري، وهذا ساعد في تدهور الوضع السوري أكثر فأكثر. أزمة النظام وزيادة محاصرة إيران تعني، في ما تعنيه، أن النظام سيتجه أكثر نحو روسيا، في الوقت الذي يمكن أن تنقذه من أزمة الوقود، مثلًا، حيث هناك احتمال أن توردها روسيا له، ولكن خطوته هذه سترهن النظام ضمن المساومات الكبرى لصالح روسيا! وذلك حينما تحين لحظة الاتفاق حول سورية.
تحليلنا أعلاه يستند إلى أن دولة عظمى كروسيا، أو أميركا، لن تسمح بوجود دولة ضعيفة منافسة لها. يُمكن السماح بدورٍ تكميلي لسياستهما، ولكن إيران حاولت منافستهما، ومن هناك خطيئتها الكبرى. في هذا لن تتراجع السياسة الإيرانية، وهو ما دفع أميركا وروسيا إلى التصعيد ضدها في أكثر من دولة في منطقتنا.
إذًا، سورية لن تظل رقعة ضمن السجادة الإيرانية، وهذا التطور يقابله السوريون “موالون ومعارضون” برضًى كبير، ولكن ذلك لن يُنجي سورية أيضًا، حيث إن خروج إيران لن يكون من دون ثمن وتعويضات من ناحية، وستصبح سورية أكثر فأكثر تحت سيطرة الاحتلال الروسي، والتركي والأميركي من ناحية أخرى، وطبعًا ستكون روسيا هي الاحتلال الأساسي في سورية، كما تشير السياسات الأميركية والتركية والإسرائيلية.
السوريون الآن، وقد شارفت إيران على تحجيم مصالحها في سورية، معنيّون بمعركة قانونية ضد إيران، واعتبارها مشاركة في الحرب ضد الشعب، وبالتالي إخراجها من دون تعويضات، ورفع قضايا دولية ضدها، لما ارتكبته من جرائم ضد الشعب السوري، ومعنيّون أيضًا، بخوضِ معركة تحرر وطني من بقية الاحتلالات، وهي مهمات كبرى، نظرًا إلى ما يكتنف الوضع السوري من تعقيدات في المشهد السياسي والإنساني والاقتصادي والاجتماعي..