الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سورية تعيش على بركان!

سورية تعيش على بركان!

03.05.2020
محمد الفضلي



رسالة بوست 2/5/2020
العام 2007 كان عاماً مختلفا في سورية…
بدأ الأمر في الشهر الثاني من ذات العام، بعد تسلم بسام عبد المجيد وزارة الداخلية خلفا لغازي كنعان (المُنتحر)
صدرت تعليمات إدارية داخلية لتخفيف الوطأة عن المواطنين، والتشديد على التعامل معهم بكل ودٍ، واحترامهم، وعدم توقيف الأشخاص كما كان يحدث على الاسم الثنائي، أو الاشتباه، واذاعات البحث الذي مضى أكثر من 24 ساعة عليها (وهي موضع خلاف قانوني أمني)، وعدم استخدام العنف في التحقيق إلا الضروري منه.
كما صدرت كتاب لاحق من الوزارة بناءً على كتاب الأمن القومي، وتعليمات إدارية وقانونية، بتخفيف الملاحقة على شتم الرئيس، واعتبرت في حينها جريمةً غير أمنية، وانتشرت الشائعات وقتها بأن الرئيس أسقط حقه الشخصي في الإدعاء.
كما صدر كتاب آخر حول ضرورة عدم التدخل في مخالفات البناء إلا مؤازرةً للبلدية، وهذا الموضوع كان من الأهمية بمكان حينها، ففي العام ٢٠٠٦ صدر المرسوم رقم ٧ لملاحقة مخالفات البناء، والذي أباح توقيف كل من يعمل في البناء من العامل الصغير حتى المالك وأي مشترك فيه، وكان للمرسوم أثر كبير لدى الناس وحياتهم وحلمهم في منزل ياويهم، عندما أباح لكل السلطات بالتدخل لقمع المخالفات، وإطلاق يدها في ذلك.
وأدّى ذلك إلى زيادة الضغط على الناس، بسبب قيامهم بصرف كل مدخراتهم، والاستدانة، لتوضع في الابنية العشوائية، وبشكل هستيري كبير، ثم تجد الناس أن احلامها تتحطم في السكن في منزل، عند قيام البلديات بهدم بعضها، وسقوط بعض الابنية، بسبب سرعة البناء وعدم مراعاة المواصفات الفنية، والهندسية،
لكن تدخل قوى الأمن المختلفة، والشرطة في عمل البلديات ، أدى إلى مفعول عكسي، من خلال الرشوة وللجميع، من موظفي بلدية إلى عناصر وضباط الأمن والشرطة، وذلك للتغاضي عن البناء العشوائي، والمرسوم آنف الذكر
ومثال على هذا العقيد غياث جوني رئيس قسمي الذي كنت أعمل به، والذي خلق فوضى كبيرة في المنطقة، وانتشرت المخالفات على دوره بشكل كبير جدا بسبب تحالفه مع ابن خاله مهندس البلدية وائل ديوب، ولقد بلغ بهما الجشع مبالغ ضخمة وبتنسيق عالٍ، ففي إحدى المرات مثلا أحضر المهندس وائل قنبلة يدوية لم تنفجر، وأدعى لدينا بقيام متعهدي وتجار مخالفات البناء على رميها عليه، كان الجميع يعلم بأنها مسرحية سيئة الإخراج ولعدة أسباب، أهمها بأن أهل المنطقة لايملكون قطعة سلاح واحدة، وكان الهدف من هذه المسرحية الضغط عليهم حتى يبتزهم ويدفعوا لهما
وفي تطور الأوضاع قام أكثر من 25 متعهد بناء، بالشكوى عليهما إلى فرع أمن الدولة في اللاذقية، ووصلت الشكوى إلى رئيس مجلس الوزراء، فوزير الداخلية، وفتح تحقيق في فرع الأمن الجنائي في اللاذقية، وأدّى ذلك إلى ملاحقة العقيد، ليكتفي بتسريحمها، بعد دفع مبلغ حوالي 50 مليون ليرة سورية لأحد ضباط القصر الجمهوري، وتمّ ( لفلفة) الموضوع.
وعند حضور لجنة من المكتب القانوني للمحافظة إلى قسمي للتحقيق بالموضوع، اتيح لي الإطلاع على تقارير أمن الدولة، فكان ماجمعه العقيد في سبعة أشهر من خلال الرشاوي نحو 300 مليون ليرة سورية، والمهندس نحو 250 مليونًا وللطرائف، كان هناك اسم لمساعد مهندس موظف في البلدية أيضًا وكنيته خضورة كان الأوفر حظًا ب 400 مليون ليرة سورية، وشكّل ذلك صدمة لكل من قرأ التقارير.
إذ في العام ٢٠٠٧ صدرت تعليمات بعدم التدخل، والتخفيف في ملاحقة البناء العشوائي، حتى الاستفتاء الرئاسي في الشهر الخامس من ذات العام
وقبل الاستفتاء ب١٠ أيام انتشرت في كل مناطق سورية، خيم الاحتفالات في لقطة فريدة تحدث للمرة الأولى، كان يتم فيها الحفلات الغنائية، والقاء الكلمات لتشجيع الناس على المشاركة في الاستفتاء.
كان الملاحظ في تلك الفترة، ارتفاع وتيرة احباط الناس، بسبب زيادة الأعباء المعيشية
وفي أحد الأيام من العام المذكور، استدعاني رئيس القسم الجديد، لاطلاعي على كتاب صادر عن الأمن القومي
الكتاب في صفحة موجود عليه في الزاوية اليمنى الكليشة
حزب البعث العربي الاشتراكي
القطر العربي السوري
مكتب الأمن القومي
رقم تاريخ
على يساره عبارة سري للغاية
في الوسط عبارة
“سورية تعيش على بركان”
تناول الكتاب على ما أذكر الحالة المعاشية للمواطنين السيئة، وعدم قدرتهم الشرائية في تأمين احتياجاتهم، وازدياد نسبة الفقر في القطر بشكل ملحوظ دون ايضاح، أو شرح الأسباب، مع توصيات بضرورة اتخاذ الإجراءات التي تؤدي إلى التخفيف عن المواطنين.
وتم تذييل الكتاب بتوقيع الرفيق رئيس مكتب الامن القومي.
لكن السياسات الاقتصادية استمرت في التخبط، وأهمها رفع سعر البنزين ٢٠٠٧،
ثم رفع سعر المازوت من ٧ ليرات حتى ٢٥ في العام ٢٠٠٨
ورفع سعر المازوت أدى الى الغلاء في كافة السلع، والخدمات، والنقل لاعتمادها واعتماد أغلب الصناعات على المازوت، وكل تلك كانت أضرارًا مباشرةً للمواطنين وزيادةً للأعباء المعيشية.
حتى الشرطة، والمراكز الأمنية، تم تخفيف حصصهم من الوقود إلى النصف ، أو اقل بقليل.
ومع التعليمات التي كانت تصدر بضرورة تخفيف الوطأة عن المواطنين، والسماح للقضاء باستقبال الشكاوي على عناصر الشرطة بشكل خاص دون الأمن، وبشكل عشوائي، وبدون أي مسوغ أو تنسيق قانوني مع القضاء، حيث سمح لأي شخص بتقديم شكوى مهما كانت وبدون أي دليل، ما أدى إلى مئات الشكاوي الكيدية على عناصر الشرطة، وهذا شكّل ضغطًا كبيرًا على عناصر الشرطة في القيام بعملهم.
ولكل تلك الأسباب، أدى إلى احجام الشرطة عن أداء عملهم، لعدم توافر بنزين السيارات من جهة وللخوف من الشكوى أمام القضاء من جهة أخرى، وبدأت تنتشر الجريمة في سورية بشكل كبير جدا بسبب ذلك
حتى جاء العام 2009 عند تعيين سعيد سمور مكان بسام عبد المجيد وزيرا للداخلية، وانقلبت الآية رأسا على عقب
فمن بعد خوف الشرطة من الناس، بدأ بإعادة الاعتبار التدريجي لوزارة الداخلية، واطلاق يدها في سورية.
كان ذلك بدايةً بقرار مصادرة كافة الدراجات النارية حتى لو كانت مرخصة، أو لجهة حكومية، وتسليمها لمعمل الصهر في حماة، لأن الدراجات كانت تثير الكثير من المشاكل، ولأنها ترتبط واللصوص والشباب الطائش في المفهوم الشعبي والرسمي
وبلغت ذروة القرارات الصادرة عن الوزير، بقرار ملاحقة المطلوبين بناء على منصبه، كونه نائب الحاكم العرفي في ملاحقة كل المطلوبين في سورية، بدءا من الشهر الثاني لعام ٢٠١٠، وتوقيفهم عرفياً، بناء على كتاب يتم رفعه للوزير، ويتم تحديد مدة توقيف العرفي، ويتم تحويل الطلب إلى لجنة العرفي برئاسة العميد جمال السطم، التي تقوم بدراسة الكتب، والتصديق، أو التعديل عليها، ليصدرها الوزير.
هنا بدأت كل فروع الامن، والشرطة، بملاحقة كل المطلوبين، وأطلقت يدها بعد أن كانت مغلولة، وكان عدد المطلوبين كما صرح الوزير حوالي ٤٨ الف مطلوب
تم ملاحقة المطلوبين في كل المناطق، عن طريق دوريات مشتركة من فروع الامن يقودهم ضباط شرطة، أو دوريات خاصة من الاقسام والفروع، وتم مؤازرة الاقسام بكتيبة المهام الخاصة التابعة للوزارة بحوالي ١٠٠ عنصر زيادة لكل قسم، وعلى مدى أيام وبصلاحيات مطلقة، تم فيها استخدام الشدة في إلقاء القبض على المطلوبين، وبسبب وجود هذا العدد الكبير والصلاحيات اللامحدودة… تمت تنفيذ المهمة بنجاح كبير، وتم توقيف عدد كبير من المطلوبين جنائيا عرفيا، زادت مدة طلب توقيف بعضهم عن سنة.
ولّد ذلك الأمر لدى الشعب ارهاباً كبيراً، وتخويفاً عظيماً، وقهراً للناس، عند مشاهدتهم كل هذا العدد الكبير من عناصر الشرطة والامن يتجولون في الطرقات، وهم يحملون الاسلحة، والعتاد، ويمتطون كل تلك السيارات
كان يصل العدد أحيانا الى ٢٠٠ عنصر، وأكثر من ١٠ ضباط
سكنت البلد سكونا رهيبا، ونجحت عملية (اعادة الاعتبار) كما أُطلق عليها، وزُرِع الخوف والإرهاب في الناس
حتى انطلقت شرارة الثورات العربية من تونس في أواخر العام ٢٠١٠ حيث تم ارسال كتاب بإنهاء العرفي (كسر العرفي) وضروة تقديم كافة المطلوبين للقضاء، حيث أفرج عن غالبهم، ولعب أغلبهم دور سلبي فيما آلت إليه الأمور فيما بعد.
____________
*كاتب وأديب سوري